أبرياء مدانون قصص محزنة في سجن الأحداث

05-12-2010

أبرياء مدانون قصص محزنة في سجن الأحداث

في زيارات متكررة لمركز ملاحظة الأحداث بدير الزور تجسدت معالم الجريمة بكل صورها، وأوصافها وخطورتها، حتى بدا النزلاء فيه أبطالاً لجرائم خطرة، ليبقى السؤال الأكثر خطراً، إذا كان الطفل (مجرماً) فما الذي نتوقعه منه بعد منحه الحرية من جديد، إذا ما نأينا بأنفسنا عن مساعدتهم في الاندماج بالمجتمع بصورة تليق بطفولتهم؟
تسمية خاطئة
بدأ مركز ملاحظة الأحداث عمله عام 2001، وكان عدد الأطفال والأحداث الذين استقبلهم أول مرة 37 نزيلاً قدموا من السجن المدني حينها، ما لبث أن انخفض هذا العدد إلى ستة فقط، وهذا يشير إلى أهمية إحداثه، غير أن حال الأحداث ما قبل المركز وبعده اختلف كثيراً، ولاسيما أنه يهتم بإصلاح ومراقبة النزلاء، ويتقدم بتقارير دورية إلى القضاء التي على أساسها يتم منحهم الحرية ليندمجوا بالمجتمع من جديد.
وقد درجت العادة بين المواطنين على تسمية المركز بـ(سجن الأحداث) وهي تسمية خاطئة جداً، لأن المركز فعلياً يهتم بإعادة التأهيل والتقويم، ولا يمت لحال السجون بصلة إلا بحجز الحرية، التي يستغلها المركز للعمل على تطوير الحدث بصورة قويمة.

أصحاب سوابق
يبلغ عدد الأحداث اليوم داخل المركز 41 حدثاً، غير أن نسبة 23% منهم من أصحاب السوابق، وهذا الرقم يعد خطراً جداً، ولاسيما أن نوعية الجريمة المرتكبة هي جنائية الوصف في الأغلب، وهذا يؤكد أن عودتهم إلى ارتكاب الجرائم ضيَّع على المركز جهده في إعادة تأهيلهم أول مرة، لذا لابد من القول (إن من شروط التوبة تغيير الجماعة).
لم تــخن الذاكرة أياً من الأحداث وهو يسرد لنا قصته بالكامل، وسواءً كذب البعض فيما روى أم لا فإن الحقيقة الثابتة لدى الجميع أنهم يعرفون كم يوماً لبثوا في المركز، حتى إن الأغلبية لم يدرك ماذا تعني السنة، فنجده يقول (أنا هنا منذ 17 شهراً و11 يوماً)، ويضيف غداً اليوم الثاني عشر، ولم يخف الجميع أنه يضيف رقماً جديداً كل صباح، وأن الذاكرة لن تخونه في إحصاء عدد الأيام التي أمضاها ويمضيها داخل المركز، والتفسير الطبيعي لتلك الذاكرة النشطة أنها مرتبطة بمعنى الحرية وأن الأحداث يتوقون لها، غير أننا سمعنا بالمقابل عبارة قد تكون مؤلمة ولاسيما أنها صادرة على لسان طفل وهو يقول (ما أغلى من الحرية إلا اللي خلقها).

الفقر وتعدد أفراد العائلة
تبين من خلال معرفة عدد أفراد عائلة الحدث أن معدل العدد للأسرة الواحدة وصل إلى 12 فرداً، وأن الأب في الأغلب متوفى، وأن الإخوة الكبار هم المعيلون الحقيقيون لأسرهم، ووصل الحد إلى أن منازل بعض الأحداث لا تحتوي على أكثر من ثلاث غرف، يستأثر الأخ الأكبر بواحدة منها للزواج، وهذا ما يزيد من عدد أعضاء الأسرة، ويضيِّع على ذوي الأمر إمكانية الإشراف التربوي الصحيح على أبنائهم، ما جعل أغلبية الأبناء يعزف عن الدراسة والاتجاه إلى الشارع بحثاً عن عمل غير منتظم (ثمانية من الأحداث فقط يجيد القراءة)، والحقيقة المرة هنا أن ما يجنيه أولئك الأحداث من مال يتم صرفه بطريقة همجية تتجه إلى التدخين والسهر ومرافقة كبار السن، ورفاق السوء، وكل هذه العوامل هيأت الحدث لأن يكون مجرماً، ولاسيما أن عالم الكبار قد استهواه، أو أنه حرص على تقليدهم بحكم الاحتكاك المباشر بهم، وهنا تضيع معالم الطفولة، وتستقر الأمور عند شخص ضائع لا مانع لديه من ارتكاب الجريمة في سبيل نيل مراده.
وعلى الرغم من أن أغلبية الأحداث يقيم حالياً في المدينة، غير أن الجميع تقريباً ينحدر من الريف، ويبدو أن المناطق الأكثر فقراً (طب الجورة– طب الصناعة) هي مكان إقامتهم، والمفارقة أن بعض الأحداث لم يمض على إقامته مع ذويه في المدينة سوى سنوات قليلة، ويشير الأغلبية هنا أن ذويهم من المتقاعدين، الذين واجهوا شحاً في الإيراد المالي ما حدا بهم إلى السكن في المدينة بحثاً عن فرص العمل، ويضيف بعض الأحداث: إنه يتمنى العودة إلى القرية فهي (أحلى).
يقول أحد النزلاء الأحداث: قمت بضرب جدي على رأسه بالـ(كريك)، ويقول آخر: لقد أتعبني والدي في عصبيته فأطلقت النار عليه، ويضيف آخر: لقد ضربت فلان بالخنجر على رقبته وتأكدت أنه مات، وآخر يقول: ضربته على رأسه، وربطته بحجر ثقيل على صدره، وألقيت به في النهر..!
وبالتأكيد يتخلل الرواية الكثير من الكذب وادعاء البراءة، غير أننا اتفقنا على ضرورة الصدق كي نؤكد أننا في حالة حوار سليمة وهذا ما شجع البعض على سرد روايته بتأن وتفصيل، والمفارقة هنا أن بعض الجرائم تم ارتكابها بالاشتراك مع كبار، وهم حالياً في السجن المدني، ما يعني أن رفاق السوء كان لهم الدور الكبير في زج الأحداث إلى عالم الإجرام.
على الجانب غير البعيد يروي لنا البعض الآخر كيف قام بالسرقة، وكيف خطط لها بنفسه، فمنهم من سرق خرافاً، ومنهم من سرق (معلمه) في الحرفة، ومنهم من سرق دراجات آلية باعها بأسعار زهيدة.
مخدرات وأشياء أخرى
استغربنا أن يكون من بين الأحداث من تعاطى المخدرات رغم صغر سنه، وهذا يؤكد أنه بدأ بالتدخين في مرحلة مبكرة من الطفولة، والغريب أنه بدأ بتعاطي المخدرات دون علم منه، والقضية لم تتعد سوى سرقة المخدرات من آخرين (الأخ في الأغلب) ودسها في السجائر، وعلى الرغم من نفي تعاطيهم المستمر للمخدرات إلا أن طريقة الحديث والتصرفات تؤكد ذلك التعاطي، فمنهم من (وشم) ذراعيه بعبارات الحب والتحدي ولوم الزمن، ومنهم من رمى بالتهمة على صديق له، ومنهم من رمى بها على شخص راشد ورطه في المخدرات، وعلى الجانب الآخر تماماً نجد ممارسين لأفعال منافية للحشمة، غير أن هؤلاء يؤكدون أنهم مارسوها لمجرد الممارسة دون وعي منهم لحقيقة ما يفعلونه.

جرائم طريفة
أكثر ما لفت نظرنا داخل المركز أن أحد الأحداث قام بفعل التحرش (دون ذكر كلمة جنسي على لسانه)، وآخر استخدم الجهاز الجوال في التحرش بفتاة لا يعرفها عن طريق إرسال رسائل غزل ورغبة في التعارف، واكتشف فيما بعد أنها تكبره بعشرات السنين، وآخر روى لنا حكاية لا تخلو من الطرفة وهي أنه (قاوم دورية)، ولا ندري ما صحة الرواية غير أننا نذكرها وفق ما سمعناه على لسانه فقط، حيث أشار إلى أنه واجه الدورية بـ(شنتيانة) قام بتفصيلها في المنطقة الصناعية، مؤكداً فرحه وهو يسمع مديح رفاقه لسلاحه (الفلتة).
محمد علوني هو مدير المركز، وهو الرجل الأكثر قرباً إلى قلوب الأحداث، ولاسيما أنه يمنحهم الكثير من وقته، ولا يتأخر في تقديم النصح وفض الخلافات، والاجتماع بذويهم كلما أتيحت الفرصة، ويشير إلى نجاح المركز في الوصول إلى الكثير من الضروريات التي كانت غائبة عن الذهن، أو التي تأخر توفيرها بعض الشيء، غير أن العلوني ركز في حديثه على ما سماه الرعاية اللاحقة التي يعول عليها نجاح المركز في إعادة تأهيل الحدث، ويجد أن متابعة الحدث لما بعد خروجه أكثر أهمية من متابعته داخل المركز، فالبيئة التي سيعود إليها تلعب دوراً كبيراً في تقويم السلوك، ويجد أنه من الأهمية النظر في تلك البيئة وخلق الأرضية المناسبة كي تكون مؤهلة لمتابعة مشوار المركز مع الحدث بعد خروجه، ويركز العلوني على تكاملية العمل ضمن المركز مع بقية الأعضاء والبالغ عددهم 11 عضواً، ويشكر بدوره رجال الأمن المفرزين للمساعدة بمتابعة الأعمال ضمن المهاجع الثلاثة (33 سريراً)، غير أن العلوني يتوجه وبشدة إلى المجتمع الأهلي في تقديم الدعم الكافي للمركز، مضيفاً: إن المركز يتلقى الكثير من الدعم الحكومي والرسمي، ويأسف لتقصير الجهات الخاصة في تقديم المعونة.

الأحداث (البنات)
وهؤلاء على قلتهن إلا أنهن يقضين أيامهن داخل السجن المركزي، ومع النساء الكبيرات اللاتي مارسن الجريمة وتبحرن فيها، ويعشن مجتمع السجن بكل تفاصيله ما يعني صعوبة إعادة تقويمهن وتأهيلهن ليكن عضوات طبيعيات في المجتمع، لذا نناشد الجهات المعنية إمكانية النظر في تخصيص الأحداث (البنات) بمكان مستقل وبإشراف أنثوي بحت يبعدهن عن الخلطة مع النساء المجرمات.

وائل حميدي

المصدر: الوطن السورية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...