«الساخطون» في اليونان لن يذهبوا إلى الشاطئ حتى تحقيق المطالب

25-07-2011

«الساخطون» في اليونان لن يذهبوا إلى الشاطئ حتى تحقيق المطالب

تختلف الثورة التي شهدتها اليونان خلال الفترة الأخيرة نوعاً ما عن الثورات التي كانت تعرفها سابقاً، لكنها غير منفصلة تماماً عن التطورات التي عاشها العالم، ولم تخل من بعض تأثر بثورات وانتفاضات الشعوب العربية.

الثورة الأخيرة، وهي انتفاضة شبابية بالدرجة الأولى، تمت الدعوة إليها عبر شبكات التواصل الاجتماعي وبدأت تكبر يوما بعد يوم، من دون أن تزعج الحكومة في البداية كما أنها كانت بعيدة عن الأحزاب السياسية المعارضة والنقابات العمالية من حيث التخطيط والإعداد، وإن كانت الاحزاب اليسارية وخصوصاً حزب التجمع اليساري، نجحت في الانضمام إليها عبر شبيبتها.

وتدريجاً تحول التظاهر إلى واقع يومي، فأصبحت ساحة البرلمان مغلقة بشكل يومي أمام السيارات، وتحولت إلى مجال خصب لإظهار إبداعات المتظاهرين الشباب في ابتكار الهتافات والشعارات والرسوم المنددة بالحكومة وسياسييها.

بعد ذلك، أصبحت التظاهرات مناسبة يومية لخروج الأسر بأطفالها ومجموعات الشباب للتنديد بسياسات التقشف الحكومية. وما شجع الشباب الذين كانوا سابقاً يتجنبون التظاهر لأسباب تتعلق بعنف الشرطة، أن هذه التجمعات كانت سلمية تماما وخالية من أي مصادمات مع قوات الأمن، وثانياً أن التظاهرات كانت خالية ظاهراً على الأقل، من الصبغة السياسية وبالتالي استغلال الأحزاب لها.

وتضخمت التظاهرات حتى قُدرت إحداها بحوالى نصف مليون متظاهر، وكانت بداية تحول ظاهرة التظاهر الشبابي إلى تظاهر اجتماعي بدأ الجميع يحسب له حسابات.

الشباب عرفوا أنفسهم بأنهم «الساخطون» على الفساد والفشل الحكومي، وبدأ المصطلح يجد طريقه في وسائل الإعلام والتداول السياسي في البلد، حتى أصبح المراقبون والمحللون يأخذونهم في الاعتبار في أي تحليل أو إشارة، بل ذكر أكثر من مراقب عند إقرار موازنة التقشف الأخيرة التي عرضت الحكومة لخطر السقوط، أن المهم في كل هذه المعادلة هو رد فعل المتجمهرين الغاضبين خارج ساحة البرلمان، أما غضب نواب الحزب الحاكم فيمكن تجاوزه بخسائر غير موجعة.

وفي تلك الأيام العصيبة على الحكومة، وفيما كان رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو يسعى للملمة آراء نوابه على رأي واحد لتأييد خطة التقشف، بدا أن السلطات ضاقت ذرعاً بساخطي ساحة البرلمان، فألقت عليهم كميات ضخمة جداً من الغازات المسيلة للدموع، جعلت الأجواء وسط أثينا خانقة، وفرقتهم بطريقة قاسية، ما دفع ببعض السياسيين إلى إقامة دعاوى على الشرطة ومحاكمتها.

ولا يخفى على المراقب ملاحظة التطورات الاجتماعية في اليونان خلال السنوات الأخيرة. فنتجت شرائح من الشباب لم تعد مقتنعة بالأحزاب السياسية ولا ببرامجها، وقد كانت هذه الشرائح لفترة طويلة زاهدة في المشاركة السياسية، لكنها تطل برأسها مع الأحداث الغاضبة لتعبر عن رفضها وشكوكها بمجمل النظام السياسي اليوناني وتطالب بتغييرات جذرية وإبعاد السياسيين الفاسدين ومعاقبتهم.

في البدايات كانت تجمعات ساحة سينداغما أو الدستور، تضم مئات من الشباب الغاضبين الذين كانوا يبحثون عن هوية وأهداف لحركتهم، الأمر الذي دفعهم إلى عقد العشرات من حلقات النقاش الجماهيري التي يشارك فيها مفكرون وناشطون سياسيون وشباب أرادوا أن يدلوا برأيهم في مشكلات بلدهم الاقتصادية والاجتماعية.

بعد ذلك نظم شباب الساحة أنفسهم أكثر، وكوّنوا لجاناً مختلفة لمتابعة اعتصامهم، فهناك لجنة التموين التي تعنى بأمور إمداد المعتصمين بالطعام والشراب، ولجنة النظافة التي تهتم بتنظيف الساحة من مخلفات الاعتصامات وغيرها، ولجنة الإعلام المعنية بكتابة البيانات الصادرة عن حلقات النقاش ومواقف المعتصمين حيال القضايا المختلفة. وأخيراً أنشأ الشباب المعتصمون موقع انترنت لتحركهم كما أقاموا محطات اتصال تبث في شكل مباشر عبر إذاعات راديو محلية.

الجو السلمي المريح في الساحة جذب العديد من التيارات لتنصب خيماً ومكاتب موقتة تدعو من خلالها إلى مسائل تهمها، مثل طلب محاسبة سياسيين أو نزع الثقة من الحكومة أو التراجع عن قرار حكومي ما.

ولم تختلف مطالب الشباب عن مطالب أحزاب المعارضة عموماً، من وقف إجراءات التقشف الحكومية التي أرهقت المواطنين، ومنع نزيف المال العام عن طريق الفساد الإداري والسياسي، ومحاسبة المسؤولين عن وصول اليونان لهذه الحالة، ومنهم من رفع السقف حتى إلى رحيل الحكومة.

لكن السؤال الذي يتجنب الشباب الإجابة عليه، أو بالأحرى لا يملكون الإجابة عليه، هو ماذا بعد رحيل الحكومة ومحاسبة السياسيين الفاسدين؟ وهو السؤال الذي يبدو أنهم لن يكلفوا أنفسهم عناء الإجابة عليه حالياً، فهم يطالبون برحيل الحكومة، وبعد ذلك «ينظرون في الخطوات القادمة».

والواقع أن حكومة باباندريو جمعت في إجراءاتها التقشفية الصيف والشتاء تحت سقف واحد. فقد اقرت سلسلة تخفيضات لمصلحة موظفي القطاع العام وصلت في بعض الحالات إلى 40 في المئة، وفرضت في المقابل المزيد من الضرائب على سلع أساسية مثل الوقود، الأمر الذي رفع سعر الوقود في اليونان ليصبح الأغلى في أوروبا.

وبدت الحكومة في سباق ماراثوني للبحث عن كل مصدر محتمل لجلب المال من المواطنين، ما خلق جوا خانقا لدى الشباب الذين يواجهون صعوبة في إيجاد أي فرصة عمل، فبدأوا بالسعي إلى الخروج من اليونان والبحث عن أي فرصة عمل أو دراسة في الخارج، كما استغل العديد من أرباب العمل الأزمة لجعل العمال لديهم يوقعون على عقود عمل جديدة بأجور أقل.

الساخطون نجحوا حتى الساعة في تشكيل صفوف وقضية لهم ومبادئ لحركتهم، وخوفاً من اندثار احتجاجهم مع قدوم فصل الصيف وانصراف النشطاء إلى القرى والجزر اليونانية، فقد بدأوا منذ فترة يروجون لفكرة أنهم «لن يذهبوا إلى الشاطئ، بل سوف يبقون في الساحة» لمتابعة احتجاجهم. وفي ذلك إشارة إلى ما سبق وحدث عام 2008 عندما أنقذت عطلة الميلاد ورأس السنة حكومة اليمين آنذاك من غضب الشباب والمراهقين الذين احتجوا على مقتل الفتى أليكسيس غريغوروبولس على يد رجل شرطة.

شادي الأيوبي

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...