عيادات فحوص ما قبل الزواج تجارة عشوائية لا يحكمها القانون

08-09-2010

عيادات فحوص ما قبل الزواج تجارة عشوائية لا يحكمها القانون

بدأت الآمال الكثيرة، التي عُلّقت على عيادات فحوص ما قبل الزواج، والتي افتتحت أولاها منذ أشهر، تذهب أدراج الرياح، فالواقع بدّد الأحلام، وأرجع الوضع إلى نقطة البداية، وكأنك «يا أبو زيد ما غزيت»..
2008 كان الموعد الأول للانتهاء من إحداث هذه العيادات في المحافظات كافة، ومن ثمّ مدد الموعد إلى 2009، ومدد بعدها إلى ما شاء الله، لتٌحدث هذه العيادات في بعض المحافظات دون سواها.. فكانت النتيجة إرباكاً في تطبيق القانون وضعف الالتزام  في هذه العيادات..

  و اليوم تعمل كلّ نقابة في المحافظات على هواها، وتتعامل مع شركات مختلفة لتأمين أجهزة هذه العيادات، دونما تنظيم أو توحيد فيها، فكلّ نقابة تعتبر عملها إفرادياً وليس تكميلياً..
 - من 200 ليرة (ثمن التقرير الطبي الذي يجري قبل الزواج) إلى 2500 ليرة، ومن فحص شكلي إلى فحص شكلي آخر، وربما كان الفرق المادي بين الفحوص السابقة والفحوص الحالية، هو الفرق الأكثر وضوحاً بينهما..
فلم تثبت هذه العيادات إلى الآن، إلا أنها فرضت نفسها لعبةً تجارية الهدف منها زيادة أموال صندوق نقابة الأطباء في الدرجة الأولى.. أمّا التخفيف من الأمراض الوراثية وحالات الإعاقة، فهذا ما لم تستطع هذه العيادات القيام به بشكل واضح حتى الآن، لأنّ من أراد إجراء فحوص حقيقية كان بإمكانه القيام بها حتى قبل إحداث هذه العيادات الجديدة، أمّا وجود هذه العيادات والالتزام بنتائجها، فلم يصل إلى المستوى المرجو منه بعد..

- القانون لا يُلزم بهذه العيادات، والدين يحبذ الالتزام بها، أمّا الواقع، فما زال مزيجاً من اللامبالاة وقلة الوعي..
رئيس نقابة الأطباء أكّد في تقرير صحفي أن تقرير هذه العيادة لا يعدُّ مانعاً أومانحاً للخطيبين بالارتباط من عدمه, لكنه فقط يبيّن للطرفين الواقع الحقيقي وإمكانية إصابة أولادهما في المستقبل ببعض الأمراض الوراثية.
أمّا القانون، فقد ألزم بإجراء الفحص، إلا أنّه لم يلزم بإجرائه في العيادات الجديدة.. أسامة برهان، رئيس نقابة المحامين في ريف دمشق، أكد أنّ من أحد شروط معاملة الزواج تقريراً طبياً بأن الزوجين غير مصابين بأمراض معدية، والمشكلة أنّه إلى الآن مازالت هذه التقارير مجرّد تقارير نظرية لا تتضمّن فحصاً حقيقياً حتى بعد وجود العيادات الجديدة.

- قانونياً لا يتمّ عقد الزواج إلا إذا كان التقرير الطبي يؤكد خلو الزوجين من بعض الأمراض المحددة.
فالمادة رقم 40 من قانون الأحوال الشخصية ـ الفقرة ج تشير إلى أنّه من الثبوتيات الأساسية في معاملة الزواج شهادة من طبيب يختاره الطرفان تؤكد خلوّهما من الأمراض السارية، ومن الموانع الصحيّة للزواج، وللقاضي التثبّت من ذلك بمعرفة طبيب يختاره.
وللالتزام بفحص العيادات المتخصصة لا بدّ أن يطلب القاضي ذلك من الطرفين، إلا أنّ هذا لا يحدث حالياً، ومازال القضاء والأطباء خاصة في بعض المحافظات، كريف دمشق، لا يلتزمون بزيارة هذه العيادات الجديدة لوجودها في دمشق دون الريف، ما يشكّل صعوبة على المواطنين في زيارتها..

 - من جهته، أكّد الدكتور قصي الزير، رئيس مجلس إدارة جمعية أصدقاء مرضى التلاسيميا، والاختصاصي في أمراض زواج الأقارب: «أنّ نقابة الأطباء أعطت تعليمات للأطباء بألا يكتبوا تقارير طبية دون الرجوع إلى العيادة المتخصصة، ومن جهة أخرى أصدرت وزارة العدل تعميماً على القضاة للالتزام بالتقارير الطبية التي تصدر فقط عن العيادات المتخصصة في فحوص ما قبل الزواج».
والواقع الذي تحدث عنه أطباء آخرون هو أنّ هناك الكثير من الأطباء الذين لم يلتزموا بهذه التعميمات، وأنه إلى الآن هناك تقارير لا تمر على العيادة المخصصة يطلبها المواطنون للتخفيف من الأعباء المادية من جهة، ولقلة وعيهم بضرورة إجراء فحوص حقيقية من جهة أخرى، إضافة إلى عدم وجود عيادات لهذه الفحوص في المحافظات كافة.

- أمّا من الناحية الدينية، فيشير الدكتور محمد حبش، إلى أنّ: «الفحص الذي يتمّ قبل الزواج هو من الوسائل التي منحت الشريعة فيها السلطة التقديرية لولي الأمر، فإذا أوجدت الدولة هذا النوع من الفحص تعيّن وجوده شرعاً، ويعتبر بمثابة الواجب الشرعي، ونتمنّى أن يذهب الناس إلى هذا الفحص بدافع ديني لأنّهم بذلك يرجون مرضاة الله».
كان الهدف من إنشاء هذه العيادة الكشف عن الأمراض الوراثية الموجودة لدى الراغبين في الزواج، كالأمراض الإنتانية والخدجية والإيدز وفقر الدم وغيرها من الأمراض السارية الوراثية, وذلك حرصاً على صحّة المواطن، ولا سيّما الأطفال لإيجاد الصيغة المناسبة التي تحافظ على الصحة العامة، ما يعود بالفائدة على المواطنين، إلا أنّ الرياح لم تجرِ بما تشتهي السفن. 
 - بالنظر إلى التكاليف المرتفعة التي تترتّب على معالجة الإصابة بالأمراض الوراثية، نجد أنّه بات من الضروري تفعيل عيادة فحص ما قبل الزواج حتى تقلّ التكاليف التي تتحملها الدولة في معالجة المرضى المصابين بمثل هذه الأمراض من جهة، والتكاليف التي يتحملها المواطن في إجراء فحوص شكلية دون فائدة تذكر من جهة أخرى. فالإصابة بالأمراض الوراثية مكلفة جداً للدولة، كما في علاج أمراض مثل «التلاسيميا» و»المنجلي»، وتكلفة العلاج التقريبية لحياة المريض، بحسب الدكتور قصي الزير، تقدّر بحدود 400 إلى 500 ألف، وفي خطط العلاجات الحديثة والأدوية الحديثة يكلّف المريض بحدود 800 ألف إلى مليون ليرة، طوال حياة المريض، وهي تكلفة اقتصادية كبيرة جداً على الدولة، ومرهقة لميزانيتها، ويعاني المشروع الوطني للتلاسيميا، من تأمين الأدوية، بسبب التكلفة العالية جداً والمرهقة.
 - القضية الأساسية أنّ هذه العيادات جاءت دواء لداء مستقبلي وحماية لزوجين من غضب المستقبل عليهما، ولكن ـ من أسف ـ بقي الحال كما هو عليه، «حبراً على ورق»، الطبيب الاختصاصي في أمراض زواج الأقارب أشار إلى أنّ: «وجود هذه العيادات مهمّ جداً إلا أنّه، حتى الآن، لم يقدّم النتيجة المفروضة والمثلى، فنحن نتمنّى أن يكون تواترَ نضجٍ وأن تكون فعالية هذه المراكز أكبر لتعطي الهدف المرجو منها، وكي لا تكون فائدتها محصورة في العائدات المادية، وإنما يكون لهذه العيادات فائدة اجتماعية تحسّن واقع المجتمع، وتسعى إلى خلوه من الأمراض».ويضيف: «المتابعة للخطيبين المقبلين على الزواج، إذا تبيّن وجود مرضٍ ما عند أحدهما أو كلاهما، ضرورية لإيجاد حلول للمشكلات الصحية التي يعانون منها، بالإضافة إلى ضرورة وجود الإرشاد الكافي والتوعية المناسبة لخطورة الزواج، دون إجراء كامل الفحوص بشكل فعلي، والاطلاع على الاحتمالات السلبية التي قد تصيب الأطفال».الدكتور الزير أشار إلى ضرورة متابعة الزوجين بعد الزواج، لأنّه في ذلك الوقت يكونون في أمسّ الحاجة إلى النصح والمتابعة والإشراف الصحي، مشيراً إلى أنّه من الممكن اليوم، مع التقنيات الحديثة، معرفة وجود مرض وراثي أو إعاقة ما عند الطفل في أسابيعه الأولى، ما يسمح بإسقاطه مبكراً.
وهذا ما يسمح به الشرع ويقبله العقل، وفي هذا الخصوص يقول الدكتور حبش: «القاعدة أنّ إسقاط الجنين قبل 40 يوماً مباح، ولو كان من دون سبب، أمّا من عمر 40 يوماً إلى 4 أشهر، فهو محلّ خلاف بين الفقهاء، وما نراه أنّ ثبوت التشوّه في الجنين، يبرّر عملية إسقاطه، وذلك لحماية حياته وحياة من حوله، أمّا بعد الأربعة أشهر فيصبح إسقاط الجنين حراماً لثبوت نفخ الروح فيه، ولا يؤذن بالإجهاض إلا إذا كان هناك سبب طبي قاهر، كأن يشكل الجنين خطراً على حياة الأم، أو أن يكون هناك خطر محقق على حياته».
وأكّد حبش أنّ: «الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإيجاد الوسيلة التي تضمن النسل الصحيح، فإذا تطوّرت الوسائل وجب تأمين النسل الصحيح، وهكذا فإنّ التقرير الطبي، الذي يشير إلى حتمية مجيء أولاد مشوّهين، يعني شرعاً تحريم الزواج بين هذين الطرفين».
مضيفاً: «هنا يكون دور السنة النبوية هادياً ومرشداً إلى هذه الحقيقة، وإن لم يكن موقف الشريعة قد نصّ نصاً على ذلك».
 - أمّا الناحية الاجتماعية، فتتمثل في نشر الوعي عند المقبلين على الزواج للالتزام بهذه الفحوص، لما لها من فائدة، إضافة إلى أنها تجنبهم من مشكلات مستقبلية، فإذا لم ينطلق كلٌّ من نفسه لن يكون بإمكان أيّة فحوص أن تخفّف من النتائج غير المرغوب فيها من الزواج بين أشخاص يحملون مرضاً ما أو صفات وراثية تهدّد أبناءهم بالإعاقة مثلاً، وحتى لو كانت هذه العيادات شكلية أو غير إلزامية، من الممكن أن نستفيد من وجودها، وأن نلتزم بها بدافع ذاتي، لنعبّر عن وعينا أولاً، ومن ثمّ نحصل على نتائج تعود بالفائدة علينا..

لودي علي

المصدر: بلدنا

التعليقات

الكشف عن الامراض الوراثية وغيرها أخر هم لنقابة الاطباء بسورية المهم زيادة فرص الربح لبعض الاعضاء . والحفاظ على مستوى مالي معين للعضو وليس مستوى علمي ودليل ذلك كثرة الاخطاء الطبية والموتى وتجارة الدواء والفحوصات والتقارير الطبية الوهمية والكاذبة وعلمكم كفاية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...