أمراض الرحم: الحلّ الأخير الاستئصال

28-05-2010

أمراض الرحم: الحلّ الأخير الاستئصال

أصيبت بنزف رحمي شديد فأدخلت الى المستشفى على عجل بين نصف مستيقظة ونصف غائبة عن الوعي. حاول الأطباء إيقاف النزيف المستمر بكل الوسائل الممكنة، لكن محاولاتهم باءت بالفشل. ما العمل؟ لم يبق أمامهم سوى استئصال الرحم كحل أخير لإنقاذ المصابة من الموت المحتم.

الرحم عضلة مجوفة شكلها يشبه الكمثرى، وظيفته الجوهرية الترحيب بالبويضة الملقحة الآتية من البوقين (قناة الرحم) كي تقيم وتنمو في ربوعه (إذا سارت الأمور على ما يرام) فترة تقارب تسعة أشهر ونيف، لأن تركيب الرحم وموقعه التشريحي ونموه وتطوره تسمح له بتأمين الظروف المناسبة لحضانة الجنين منذ اليوم الأول إلى أن تدق ساعة الولادة.

لسبب من الأسباب قد يضطر الطبيب الى استئصال الرحم، وتعتبر هذه الجراحة شائعة عند النساء في أنحاء المعمورة. ويقال إن امرأة واحدة من أصل ثلاث الى خمس نساء تخضع لهذه الجراحة بين الأربعين والستين من العمر. وتحتل هذه العملية الذروة بين العمليات النسائية في الولايات المتحدة، إذ تشير الإحصاءات الى إجراء أكثر من 650 ألف عملية استئصال رحم سنوياً.

ان إزالة الرحم تصبح أمراً لا مهرب منه في عدد من الأمراض نذكر أهمها:

* الورم الليفي للرحم، وهو من الأورام الشائعة عند السيدات، فواحدة من أصل خمس تصاب به بين سن الـ 30 و الـ 50، ويشاهد في شكل أكبر لدى النساء الأفريقيات مقارنة بغيرهن. في المقابل، فإن النساء الآسيويات هن الأقل تعرضاً له.

والورم الليفي للرحم هو نمو غير طبيعي وعلى علاقة وثيقة بالهورمونات الانثوية التي تحرضه على النمو. وينشأ الورم بصمت لأسباب ما زالت مجهولة حتى الآن، وهو لا يعطي عوارض تذكر ما دام صغير الحجم وفي إمكان المصابة أن تتعايش معه، ولكنه قد يبلغ حجماً كبيراً، فيؤدي الى حدوث مشاكل، خصوصاً اذا وقع في منطقة حساسة، فعندها يسبب عوارض وعلامات تتباين من مريضة إلى أخرى.

ويعتبر الورم الليفي للرحم مسؤولاً عن نصف حالات بتر الرحم تقريباً، وهذا الحل يلجأ اليه الطبيب مكرهاً لتفادي المضاعفات التي يسببها الورم خصوصاً النزف وفقر الدم والضغط على الأحشاء المجاورة في حال بلوغه حجماً كبيراً وتدهور الوظائف الحيوية. ان بتر الرحم عند المرأة في سن الخصوبة سيمنعها من إنجاب الأطفال في المستقبل.

* داء البطانة الرحمية، وهو مرض يتمثل في وجود أنسجة باطن الرحم في أمكنة خارج الرحم مثل المبيضين، أو الرئة، أو المثانة، أو الأمعاء، أو الجلد وغيرها من الأعضاء. وهذه الأنسجة الهاجرة تتأثر بالهورمونات الأنثوية، خصوصاً هورمون الأستروجين الذي يؤدي الى نمو تلك الأنسجة وزيادة سماكتها، وعندما يقل مـستوى تلـك الـهورمونات تبدأ هذه الأنسجة بالنزف وما يعقبة من التهابات والتصاقات تسبب الكثير من المضاعفات مثل الآلام الحوضية الثقيلة قبل الحيض وخلاله والعملية الجنسية والإعياء والاكتئاب.

ولا يوجد علاج يشفي في شكل نهائي من مرض داء البطانة الرحمية، ويتم العلاج دوائياً أو هورمونياً أو بالجراحة المحافظة، ولكن في بعض الأحيان يسبب الداء آلاماً شديدة لا ينفع معها العلاج الدوائي او الهورموني أحياناً، فيلجأ الطبيب الى بتر الرحم والمبيضين للسيطرة على الآلام، أو عندما تكون المرأة لا ترغب بإنجاب المزيد من الأطفال.

* هبوط الرحم، وهو يشكل الدافع لخمسين في المئة من عمليات استئصال الرحم، ويحصل الـهـبوط نتيـجة عـوامل مثل تكرار الـحمل والإنجاب وما يرافقـهـما من تمطط وتـمزق فـي الأربـطة الـداعمة للرـحم، ما يسبب خللاً في عملية تثبيت الرحم داخـل الـحوض فينزلق (الرحم) رويـداً رويداً داخل المهبل الى درجة قد يخرج كلياً من فتحة المهبل وما يرافق ذلك من آلام شديدة وعوارض مثانية وبولية وتناسلية.

ومن بين المبررات التي تستدعي استئصال الرحم:

1- النزف الدموي الحاد بعد الولادة أو بعد عملية «الكورتاج» للرحم.

2- تعرض جدار الرحم للانثقاب أو للتمزق عقب الولادة أو العملية الجراحية تلاهما التهاب حوضي واسع مع وجود تجمع قيحي في جوف البطن.

3- إصابة الرحم وملحقاته بالسرطان.

4- وجود خلايا ما قبل سرطانية نشطة مشبوهة في بطانة الرحم أو في عنق الرحم قد تتطور لاحقاً الى السرطان.

5- قد يتم بتر الرحم كخطوة لمنع الحَبَل نهائياً.

6- الإصابة بمرض يهدد حياة المرأة مثل التهاب الرحم الشديد الذي لم يستجب للعلاج المحافظ، او وجود الحمل الهاجر في أحد البوقين أو في عنق الرحم.

نصل الى بيت القصيد وهو السؤال الأساسي المتعلق بالعلاقة الجنسية بعد عملية استئصال الرحم، فماذا حولها؟

ان الغاية من طرح هذا السؤال هي تبديد معتقد خاطئ ما زال يسيطر على أذهان الكثير من النساء والرجال ومفاده أن الرحم هو مركز الأنوثة والعلاقة الجنسية، وبالتالي فإن بتر الرحم سيجرد المرأة من أنوثتها وستفقد أحاسيسها العاطفية والجنسية. وطبعاً هذا المعتقد باطل من أساسه ولا محل له من الإعراب في قاموس الحقيقة.

على كل امرأة، وكل رجل أيضاً، أن يعرف أن الرحم هو عضو تناسلي وليس عضواً جنسياً، أي لا علاقة له بالإحساس العاطفي، ولا بالانفعال الجنسي، ولا بالتفاعل الجنسي مع الشريك أثناء الوصال، فهو مجرد وعاء، اذا صح التعبير، وظيفته الحمل فقط وتأمين استمراره، وأن لا ناقة له ولا جمل بالرغبة الجنسية، التي هي عبارة عن طبخة يشرف عليها المخ ضمن معادلة تشارك فيها الأعضاء الجنسية وبعض الغدد من دون الرحم.

وفي هذا الإطار كشفت دراسة بريطانية أن المتعة الجنسية يمكن أن تتحسن عند البعض بعد إجراء عملية استئصال الرحم.

وتجري عملية استئصال الرحم بطرق عدة:

- من طريق البطن من خلال فتحة في أسفله.

- من طريق المهبل من دون فتح البطن، وميزتها أنها لا تترك أثراً مرئياً.

- من طريق المهبل بمساعدة المنظار.

هل من مضاعفات للجراحة؟

مثل كل الجراحات لا تخلو من بعض المضاعفات مثل:

- النزف الشديد بعد العملية.

- التهاب جرح العملية.

- تمزقات في الحالب والمثانة.

- جلطة الأوعية الدموية العميقة في الساقين.

في المختصر ان الكثير من الأوهام التي كانت تحيط في الماضي بموضوع استئصال الرحم تبين عدم وجود أساس لها من الصحة. لا شك في أن ابلاغ المرأة المعنية بأن نزع الرحم من الحوض هو أحد الحلول المقترحة لمشكلتها يشكل صدمة ما بعدها صدمة ليس لها وحسب بل لزوجها أيضاً، لهذا على الطبيب ان يكون بارعاً في نقل هذه المعلومة والتأكيد أن هناك أسباباً ملزمة طبياً لإجراء عملية استئصال الرحم، وأن الفائدة المرجوة منها هي الهدف الوحيد من إجرائها، وأن أنوثة المرأة لن تتأثر قط جراء هذه الجراحة. فقليل من الكلمات الواقعية وسرد بعض المعلومات الحقيقية، وتهيئة المريضة نفسياً، تساهم في تعزيز صمود المرأة أمام نتائج هذه العملية وبالتالي تسريع الشفاء.

د. أنور نعمة

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...