مروى والسكّر والحكومة وأنا !!

18-12-2007

مروى والسكّر والحكومة وأنا !!

الجمل- عبد الله علي: " مروى " لمن لا يعرفها سكّر زائد وعينان .....
سكّر زائد في حديثها .. سكّر زائد في حركاتها ... سكّر زائد في غنجها ... سكّر زائد في حبّها ولهفتها وحماستها وإيمانها وغضبها ورضاها ... سكر زائد في دمها ...
نعم ... فدمُ مروى لم يستطع أن يقاوم طوفان السكر الذي داهم ضفاف روحها الصغيرة وهي في ريعان الصبا .
ومروى ، عينان ... فالسكري عندما أغلق عيني "مروى" بغشاوته ، تفتحت كل حواسها الأخرى واستحالت إلى عينين واسعتين عميقتين باتساع الحنان وعمق الألم .
كانت ترى بعينيها مني ، أكثر مما أرى بعينيّ منها . كانت نظراتي تقف دائماً عند حدود بشرتها البيضاء لذلك نادراً ما كانت تعرف أنني أنظر إليها . أما هي فإن نظراتها كانت تشرخني وتقسمني وتشتتني وتبعثرني وتتغلغل كضوء كاشف إلى أعمق أعماقي .. كم كنت أكره عري نفسي أمام عيني مروى !! وكم كنت أكره عينيك يا مروى !
بالأمس ((مروى)) ماتت أو نامت أو أغلقت نوافذ عينيها أو استسلمت لطوفان السكر في دمها . قلْ ما شئت فإنَّ مروى ابتعدتْ ، وغادرَ صباحاتِ هذا العمر فنجانُ قهوتها كثير الحلاوة .
رحماكِ يا مروى !
((مروى)) .. كتبت ذات يوم : لماذا لا تصاب حكومتنا بالسكّري رغم كل أنواع التحلية التي تحظى بها ؟؟ فقلتُ لها ممازحاً : كي يظلَّ السكّري المرضُ الأحبُّ إلى قلبي !! فقالت بحزمٍ أخافني : نقطة ضعفي كانت في دمي الذي لم يستطع أن يبتلع كل هذا السكر المتدفق .. يبدو أن حكومتنا ليس لديها مثل هذه المشكلة في دمها !!
أصابني الذهول وأنا أتصور كل أنواع السكاكر وهي تعبر في شرايين الحكومة وأوردتها وتتحرك ذهاباً وإياباً وصعوداً وهبوطاً في ممراتها السرية والعلنية!!
أتعرف "طاحونة العطري" في منبج ؟؟ سألتني مروى دون أن تنتظر جوابي .
طاحونة العطري في ، منبج حلب، أهدتْ إلينا ((رئيس حكومتنا))  .. أما هو فقد اخترع لنا طاحونة ثانية تنتج مرضى السكري !!
ولأنني خبير في "سكّريات" مروى فقد استطعت أن أعرف من هو الشخص المقصود والذي رمزت له بالطاحونة الثانية .
أنا لست مريضةً !! .. أنا أحتاج فقط إلى مادة واحدة كي تعيد إلى عناصري توازنها المفقود وتصلح الخلل الموجود .. أما حكومتنا فإلى كم مادة تحتاج ؟؟
((تسييس المرض)) هذا ما كانت تتقنه مروى وتتفنن فيه .. وهذا ما كان يجعلني أحبها وأكرهها في نفس الوقت فأنا أحب السكر لكنني أكره السياسة .
تسييس المرض أم مرضٌ مسيّس ؟؟ تضربني مروى بهذا السؤال الحادِّ على قمة رأسي . يا إلهي هل من جرح ينزف جواباً كي أردَّ على مروى ؟ أنا عاجز ... عاجز يا مروى أمام سكّرك الزائد !!
في آخر لقاء لنا قبل ثوان من موتها قالت لي مروى : أنا سأموت بالسكر .. بالسكر الزائد كما يحلو لكَ أن تقول ، سبب موتي فيه حلاوة ! فبماذا ستموت أنت ؟ قلت لها بسرعة ودون تفكير، لكن بغصة خانقة : سأموت بالعطر !! نظرت إليَّ باستغراب وقالت : ها أنتَ تتفنن في تسييس الموت ! سألتها أو سألت نفسي : تسييس الموت أم موتٌ مسيّس ؟
لم أنتظر أن يأتيني الجواب على سؤالي ، فقد أعطتني مروى أبلغ جواب عندما أغلقت نوافذ عينيها واستسلمت لطوفان السكر !!
رحماكِ يا مروى !!

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...