فصل جديد من فصول الحروب السرية بين طهران وتل أبيب

12-04-2020

فصل جديد من فصول الحروب السرية بين طهران وتل أبيب

تخوض إيران وإسرائيل حروبا أمنية وجاسوسية منذ أربعة عقود. تل أبيب ومنذ سقوط الشاه محمد رضا بهلوي، خسرت حليفاً إستراتيجياً وتعاملت مع النظام الإسلامي الجديد بوصفه "عدواً". بالمقابل، فإن طهران، ومنذ إنخراط المجموعات الأولى من الحرس الثوري في التصدي للإجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982، قررت أن تكون جزءا من الصراع ضد إسرائيل عبر البوابة اللبنانية.

ندر أن تمر سنة إلا ويخرج فصل من فصول الحروب السرية (تجسس، عمليات امنية، حروب السايبر) بين إيران وإسرائيل إلى العلن. ثمة جولات يكشف النقاب عنها واخرى لا يعلن عنها الطرفان وتبقى طي الكتمان إلى أن يأتي أوان الكشف عن أوراقها في هذا الأرشيف أو ذاك، بعد فترة طويلة من الزمن. ويقول المحلل في “معاريف” يوسي ميلمان، وهو وثيق الصلة بالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية إن إيران لديها شبكة من أجهزة الأمن الاستخبارية المكلفة بجمع معلومات أمنية خارج إيران، “وجزء من عملائهم ينتحلون صفات دبلوماسيين في السفارات الإيرانية حول العالم، كما أن الحرس الثوري وفيلق القدس لديهما عدد من المجموعات الأمنية العاملة في صفوفهما، وهناك أجهزة أخرى تعمل في مجال التزود بالأسلحة والمعدات القتالية، خاصة في ما يلزم المشروع النووي من أدوات ووسائل لإنجازه”.

كتب ميلمان هذه الكلمات قبل سنتين، غداة حادثة الوزير الإسرائيلي الأسبق الطبيب غونين سيغيف الذي إتهم بالتجسس لمصلحة إيران (وهو عضو كنيست سابق أيضاً)، وإعتبر أن هذا التجنيد “يشكل نموذجا صارخا في سلسلة النجاحات الاستخبارية الإيرانية ضد إسرائيل خلال الربع الأخير من القرن العشرين، وهو ما شكل، في المقابل، عنوانا للفشل الأكبر للمخابرات العربية والفلسطينية في عدم قدرتها على اختراق الزجاج الخاص بالمجتمع الإسرائيلي، والعجز عن فهمه”.

ضجّ الإعلام الإسرائيلي امس الاول (الثلاثاء) بالخبر الذي سرّبه جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، وجاء فيه أن النيابة العامة الإسرائيلية قدمت لائحة إتهام إلى المحكمة المركزية في اللد ضد “مواطن من إسرائيل”، قررت المحكمة حظر نشر هويته، ونُسبت إليه شبهة إجراء اتصالات مع جهات تابعة للمخابرات الإيرانية.

وقال “الشاباك” إنه اعتقل هذا المواطن في 16 آذار/مارس 2020 وهو في العقد الخامس، وبحسب بيان الجهاز، فإن الموقوف يشتبه بإجرائه “اتصالا سريا” مع جهات من قبل المخابرات الإيرانية، كما التقى مرتين ناشطا من “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” في لبنان، يدعى خالد يماني، وذلك في الدانمارك، في نيسان/أبريل 2018 وفي باريس، في أيلول/سبتمبر 2018.

وزعم “الشاباك” أن “المواطن المشتبه به” عقد عدة لقاءات مع “جهات في المخابرات الإيرانية” خارج إسرائيل، وأنه “تلقى مالا وإرشادا ووسائل تشفير سرية، كي يتمكن من مواصلة الاتصال معهم بصورة مشفرة بعد عودته إلى إسرائيل”، وأنه تم العثور بحوزته على وسائل تشفير و”ديسك أو كي” الذي حاول تحطيمه أثناء اعتقاله.

ووفق البيان الذي عمّمه “الشاباك”، فإن المخابرات الإيرانية “طلبت من المواطن المشتبه به تسليمهم معلومات عن مواقع أمنية وإستراتيجية في إسرائيل؛ إمكانية تعميق الشرخ في المجتمع الإسرائيلي؛ العثور على جهات بين المواطنين العرب في إسرائيل بإمكانهم مساعدة إيران؛ تنفيذ نشاط ضد أهداف في إسرائيل(…)”.

وحسب البيان الإسرائيلي، أبلغ خالد يماني المتهم الإسرائيلي، خلال لقائهما في باريس، أنه وسيط يعمل لمصلحة المخابرات الإيرانية. كذلك ادعت لائحة الاتهام أن المتهم وافق على التعاون، وحصل على جهاز تشفير لاستخدامه بعد عودته إلى إسرائيل، لكنه لم ينجح باستخدام الجهاز، وأجرى اتصالا مع يماني، بواسطة “فايسبوك” وأبلغه بعدم تمكنه من تفعيل الجهاز، وبعد أن تخوف المتهم من هذه المراسلة، ألقى بجهاز التشفير في أقنية الصرف الصحي.

وحسب لائحة الاتهام، فإن المتهم التقى في العاصمة الهنغارية بودابست، في شباط/فبراير الماضي، وبوساطة خالد يماني، برجلين عرفا عن أنفسهما “بأنهما مندوبين عن جهاز أمني إيراني”. واتهمت النيابة العامة المواطن نفسه بأنه تحدث مع هذين الرجلين حول قضايا مختلفة، “وذلك بهدف مساعدة إيران في جهودها للمس بدولة إسرائيل، عن طريق جمع معلومات استخبارية، أمنية، سياسية، مدنية، اجتماعية وإعلامية”.

وحسب ادعاء النيابة، فإن المتهم اتفق مع الإيرانيين على استمرار الاتصال السري بعد عودته إلى إسرائيل، بواسطة جهاز تشفير آخر، وأن المتهم تلقى مبلغ 5000 يورو، لتغطية تكلفة سفره إلى بودابست وتكاليف أخرى. وحوّل المتهم المبلغ إلى شيكل لدى صراف في مدينة طولكرم في الضفة الغربية.

وتابعت لائحة الاتهام أن المتهم حاول في 10 و11 آذار/مارس الفائت، تمرير رسائل إلى الإيرانيين بواسطة جهاز التشفير الثاني، وفي يوم 16 من الشهر نفسه، تلقى المتهم رسالة مشفرة من الإيرانيين، وحاول تحليلها بواسطة جهاز التشفير، لكنه لم ينجح في ذلك، وبعد ذلك اعتقلته الشرطة الإسرائيلية.

وذكرت مواقع عبرية أن نتائج التحقيق “تظهر عمق العلاقات بين إيران والجبهة الشعبية، وجهودهم للقيام بأعمال تجسس وأنشطة إرهابية داخل إسرائيل، حتى خلال المواجهة العالمية مع وباء كورونا الذي انتشر بشدة حتى في إيران”.

أخطر قضايا التجسس

عندما إعتقل الوزير الإسرائيلي الأسبق غونين سيغيف، في أيار/مايو 2018، قالت القناة العاشرة الإسرائيلية إنَّ “إحدى أخطر قضايا التجسس في تاريخ (إسرائيل) تكشف هذا المساء”. وقال معلق الشؤون العسكرية في القناة اور هيلر، إنّ هذه القضية تسلّط الضوء على الحرب السرية الدائرة يومياً بين الاستخبارات الإسرائيلية بكل تفرعاتها والاستخبارات الإيرانية، مضيفاً “هي حرب عقول على طول كل الجبهة، فتشغيل وزير سابق على مدى ست سنوات، أمر لم نره من قبل”.

أمّا معلّق الشؤون الأمنية في معاريف، يوسي ميلمان فقال إنّ “قضية سيغيف أخطر من قضية موردخاي فعنونو. فعنونو سلّم معلومات إلى صحيفة “صاندي تايمز”، بينما تعامل سيغيف مع دولة عدوة تدعي أنه ليس لإسرائيل الحق في الوجود. هذا الرجل جلس في جلسات حكومة، ويعرف عن منشآت الطاقة والمياه ومنشآتنا السرية. هذا إنجاز هائل لإيران التي نجحت في تجنيد وزير سابق لمصلحتها”.

ألحنان تننباوم

بعيد إعتقال سيغيف، إستعادت الصحافة الإسرائيلية فصولا من حروب الكر والفر بين الجانبين على مدى عقود من الزمن، وتم التركيز على شخصيتين إسرائيليتين بارزتين في هذه الحرب هما ألحنان تننباوم وبن زايغر.

في منتصف العام 2000، كان عقيد الاحتياط الإسرائيلي ألحنان تننباوم يعاني من ضائقة مالية شديدة إثر ديون تراكمت عليه بسبب إدمانه للقمار وفشل أعماله التجارية، ما جعله عرضة لمطاردة دائمة وابتزاز من الدائنين. في خضم أزمته الكبرى، كان الاتصال الذي تلقاه من صديق طفولته العربي الإسرائيلي قيس عبيد بمثابة طوق نجاة لإنقاذ العقيد الإسرائيلي من أزمة مالية خانقة.

عرض عبيد بشكل مباشر على تننباوم العمل معه في صفقة مربحة لتجارة المخدرات يتوقع أن يحقق الثاني منها 200 ألف دولار ربحا صافياً، سرعان ما وافق تننباوم، وقرر السفر إلى دبي لمساعدة قيس عبيد في عملية تهريب المخدرات لإسرائيل. وفي ليلة الثالث من تشرين الأول/أكتوبر 2000، طار تاننبوم إلى بروكسيل، حيث التقى عبيد وصديقه قايد بيرو اللذين سلماه جواز سفر فنزويلي مزور، ومن هناك، إستقل العقيد الإسرائيلي رحلة إلى فرانكفورت حيث استقل طائرة تابعة لشركة طيران الخليج إلى دبي، وهناك وجد في استقباله رجلا يحمل لافتة مكتوب عليها اسمه اقتاده في سيارة ليموزين إلى أحد أحياء دبي، وهناك، تعرض لهجوم من قبل عدة أشخاص قاموا باختطافه ونقله للبنان على متن طائرة خاصة.

حسب المتداول، فإن هذه العملية كان القيادي الكبير في حزب الله عماد مغنية الذي تم إغتياله في العام 2008، هو المشرف على كل تفاصيلها. أدرك تننباوم أنه وقع في فخ وأن قيس وصديقه كانا مجرد أسماء وهمية، وبادر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في تشرين الأول/أكتوبر 2000 إلى تبني عملية خطف تننباوم، لتبدأ رحلة مفاوضات قادها الوسيط الألماني أرنست أورلاو، وإستمرت حتى نهاية كانون الثاني/يناير 2004، حين تم الإفراج عن العقيد الإسرائيلي كجزء من صفقة تبادل شملت الإفراج عن 435 أسيرا، بينهم 23 لبنانيا، وخمسة سوريين، وأسير ليبي، وثلاثة مغاربة، وثلاثة سودانيين، و400 فلسطيني، وأسير ألماني، ورفات 59 مقاوما لبنانيا. وتسلمت إسرائيل من حزب الله ضابط المخابرات الحنان تننباوم، وجثث ثلاثة جنود (عدي أفيطان وعمر سواعد وبيني أفراهام) كانوا قد قتلوا أثناء محاولة أسرهم في عملية عند بوابة مزارع شبعا المحتلة  في الجنوب اللبناني في العام 2000.

السجين “إكس”

أثارت قضية السجين “إكس” (x) الكثير من الجدل في إسرائيل وخارجها. في شهر كانون الأول/ديسمبر عام 2010، عُثر على وكيل “الموساد” السابق الأسترالي الأصل بن زايغر مشنوقا في حمام زنزانته الرقم 15 في سجن أيالون في الرملة، شمال شرق تل أبيب. هذه الزنزانة مقسمة إلى قسمين، أحدهما يحتوي على سرير ومنطقة جلوس ومطبخ صغير، والآخر عبارة عن غرفة استحمام صغيرة مع مرحاض، وهي مراقبة بثلاث كاميرات مراقبة ومخصصة للسجناء الأكثر خطورة، حيث سبق أن سجن فيها يغال عمير قاتل رئيس الوزراء السابق اسحق رابين.

عاش بن زايغر في كنف أسرة يهودية محافظة جنوب شرق ملبورن، وانضم لمنظمة الشباب الصهيوني اليساري (هاشوم هاتزايير) في مقتبل حياته، وإنتقل إلى إسرائيل في العام 1994 وأقام في مستعمرة “غازيت”. مع مطلع الألفية الجديدة، نشر “الموساد” إعلانات عامة لوظائف شاغرة للمرة الأولى منذ نشوئه، ووجد بن زايغر في ذلك فرصة سانحة لتحقيق حلمه. اجتاز زايغر اختبارات “الموساد” بنجاح، وانخرط في برنامج تدريبي مكثف لمدة عام على التخفي وتزوير الوثائق، قبل أن يرسله “الموساد” لشركة تستخدمها الاستخبارات الإسرائيلية كواجهة لها في مدينة ميلانو الإيطالية عام 2005، وكانت مهمته التسلل للشركات التي تتعامل مع إيران وسوريا.

وفر العمل للضابط الإسرائيلي غطاء مثاليا للاتصال مع الإيرانيين، لكنه لم يظهر كفاءة مناسبة لهذا العمل، ما دفع “الموساد” لإرساله إلى أوروبا الشرقية، قبل أن يتم استدعاءه إلى تل أبيب عام 2007 ليعمل في وحدة “تسوميت”، وهي الوحدة المسؤولة عن إدارة المصادر وتحليل المعلومات في “الموساد”، قبل أن يطلب الإذن للعودة إلى استراليا لدراسة الماجستير.

الحمصي وعواضة

في الأشهر اللاحقة، كانت أنشطة الاستخبارات الإسرائيلية في لبنان تتعرض لانتكاسة كبيرة، من أبرز علاماتها تمكن السلطات اللبنانية من إعتقال أهم عميلين لجهاز “الموساد”، هما رئيس بلدية سعدنايل السابق زياد الحمصي، الذي تم تجنيده في العام 2006، وكان اسمه المتعارف عليه في “الموساد” هو “الهندي”، ومهمته الرئيسية محاولة تزويد إسرائيل بمعلومات تمكنهم من اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، أما الثاني، فهو مصطفى علي عواضة، واسمه المتعارف عليه هو “زوزي”، وكان مكلفاً بجمع المعلومات الأمنية عن حزب الله. وتم تجنيده في العام 1984 وإستمر بالعمل مع الإسرائيليين حتى تاريخ انكشافه وتوقيفه في العام 2009.

بالنسبة للإسرائيليين، كانت تلك أكبر نكسة استخباراتية في المنطقة منذ عقود، وقد جاءت المعلومات حول الثغرة من لبنان على الفور: وكيل لجهاز “الموساد” كان متواجدا في ذلك الحين في أستراليا، وعلى الفور، وفي خلال عشرة أيام، اعتقلت المخابرات الإسرائيلية زايغر بعد أن طلب منه “الموساد” العودة للمقر لمناقشة التحذير الذي تم تلقيه من بيروت، لقد عرف الإسرائيليون الحقيقة أخيرًا: لقد كان زايغر جاسوسًا إيرانيًا رفيع المستوى (المصادر: 180، معاريف، القناة 12، عرب 48، الميدان).

 

 



موقع 180

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...