دبي مدينة الوهم المذكرة

22-01-2008

دبي مدينة الوهم المذكرة

الجمل- دبي- فادي عزام:  دبي يرمسها- يقولها - أهلها بلطف مؤثر إدْبَيْ، يلفظها الأجانب واللبنانيين دوباي، أما الباقي فيقولون دُبَي بين المد والشد والهمس والمبالغة ثمة مدينة تحت أثر القوجزيرة النخلةل، تصر على صناعة الدهشة وتسويق نفسها كمدينة المعجزة رغم مساحتها التي لا تعدو كونها خمسة بالمائة من حجم الإمارات تبدو الإمارة غاوية جذابة غامضة ومريبة، تسمع عنها الكثير بين ترف باذخ وجنون عصري يتأرجح صيتها فينقسم الناس بين متحمس ومتحفظ بين متهم ومشارك في أخذ حصته منها ولا يمر يوم دون حديث عن شيء ما يحدث في دبي. 

ما تشاهدونه من دبي اليوم هو خمسة بالمائة مما يخطط للمدينة، عبارة جاءت على لسان حاكمها، تمشي بالخمسة في المائة بعد أن تخرج من مطارها الذي يسعى إلى استقبال خمسة عشر مليون زائر أي ما يفوق قاطنيها بثمانية أضعاف، تفكر من أي مكان تدخل المدينة؟ عن أي شيء تخبر لمن لا يعرفها؟ في المطار تتحدد وجهتك وغايتك هل ستذهب إلى الضواحي أم لشارع  الشيخ زايد المترف بالأبراج؟ هل ستقطن في أحد فنادقها التي فاقت الستمائة؟ أم سيستقبلك صديق ينتظرك ويمضي بك إلى الشارقة حيث الإقامة أقل فحشا من الغلاء المستشري؟ فإذا قررت أن تمضي إلى وسطها القديم  ستقف على عتبة مدينة يشقها لسان بحري حاد (يدعى الخور ) إلى برين، بر ديرة وبر دبي.

يتوسع الجسد فضفاضا وينتفخ، الماكينات تخترق الصحراء تحيلها رقعا خضراء وأبنية شاهقة لا ثبات ولا جذور، وتتوه المدينة في مدار الفراغ المكتظ بالأسمنت والمجمل بالنخيل، لسان حالها يردد أطول برج ، أكبر مجمع لتسوق، أعرض جسر، أضخم مطار صيغة المبالغة تمسك لغة المدينة من عرقوبها فيتوه القاع، فإذا كان الجسد في الالجميرامدن هو العمران فإن الناس هم الروح، سهل جدا أن تتلمس جسد دبي، أن  تلتقط معه الصور للتذكر والدهشة، وصعب جدا أن تحدد روح هذه المدينة

لا وجه لديرة ولا لبر دبي لمعان مبالغ به وأبنية مغلقة بلا شرفات، لا حبال غسيل ولا أرصفة للمارة لا مسرح ولا ثقافة، سوى من باب التجميل والتزين والفلكلور فالأرواح هنا شديدة الغموض والثقافة إكسسوار يكمل عزلة الناس في المدينة.

 ولا تبحث في الصحف المحلية عن ملمح من روح المدينة فصحيفة بمئة صفحة بلا خبر واحد عن ماهية الروح ، أرباح  وشركات، أرقام وأرقام كل شيء يتحول من العدد ليصبح رقما، فإذا كان يطلق على أنسنة البشر اسم التعداد السكاني، ففي دبي الترقيم هو الهوية، رقم موبايل مميز يباع بالآلاف ورقم سيارة من خانتين يباع بالملايين، ورقم حسابك  البنكي يحدد مكانك في خارطة المدينة ورقم منزلك ورقم انحدار وارتفاع البورصة، رقم راتبك، ورقم بطاقة الائتمان، إذن أنت  في مدينة رقمية بمئة وجه بلا ملمح ثقافي واحد فقط صيغة افعل هي من تميز عجائب المدينة.

مدينة الذكورة مدينة ليلية

بالإحصاءات القريبة نسبة الذكور تتراوح بين ثمانية وتسعة من عشرة في دبي أنت في مدينة ذكورية بامتياز، غلاء المعيشة جعل الوافدين ينزحون بعائلاتهم إلى الإمارات المجاورة او يعيدون أسرهم على أوطانهم، ونساء النوادي الليلية  يشكلون تخفيفا كبيرا للضغط الذكوري الحاد. تدق الساعة السادسة مساء تحتشد الشوارع بما يزيد على ثلاثمائة ألف سيارة يطلبون العودة إلى بيوتهم الناس أدمنوا الزحام، وسيارات هي بيوت مؤقتة، زحام يفتت الأعصاب ويجعل من السائقين بمنتهى الأنانية الصامتة ويتكفل حادث واحد على احد الجسور أو الأنفاق وقت الزحام بإطالة أمد الرحلة من الميديا  ستي وشارع الشيخ زايد وجبل علي إلى الشارقة وجعلها تصل إلى ثلاث ساعات فالستون كيلو متر هي عقوبة يومية يقطعها من يود توفير في الإيجار فيدفعها من وقته وأعصابه، بانتظار مترو دبي والتحسينات الحديثة وسنتين على الأقل لحل الأزمة الخانقة يبقى الحشد المتوحش من الآلات يشكل خطوطا  تصل إلى سبع مسارات مكتظة على أخرها بالسيارات.

دبي مدينة ليلية بامتياز، ولكن الاستتار وعدم الإشهار علامة يتقنها جميع رواد الليل، (يورك)  نموذج لنادي الليلي العصري في قلب دبي، فندق بأربع نجوم وناد ليلي يُفتش القادمون إليه بجهاز كشف المعادن، تبدأ سيدات الليل بالتوافد، من الصين الشعبية، وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، بعض التركيات والإيرانيات والأثيوبيات بجدائل (الراستا ) كأس البيرة باثنين وعشرين درهما، والسيدات يجلسن على البار أو يتمشين متفقدات زبائن الليلة، الذين بدؤوا بالتوافد عرب وعجم أوربيون وهنود روس وأتراك حشد من الزوار والمقيمين البعض قادم لاطلاع والمعظم قادم ليحضا بسيدة بأرخص سعر ممكن  يعوض معها وحدته العاطفية الشائهة، وتبدأ المحادثات غالبا بي (وير أر يور فروم)،  جنسيتك تحدد المساومة، الأسعار تتراوح بين خمسين دولارا وخمسمائة دولار، العرب الأكثر مساومة ووقاحة والأوروبيون العجزة الأكثر كرما قالت تانيا.

ماريا القادمة من أوكرانيا عازفة كمان وبيانو تعشق بغانيني و موزارت دفعت ثلاثة آلاف دولار لسمسار الفيزا، أخبروها أنها ستعمل عازفة في فندق محترم، وما أن وصلت حتى اكتشفت أنها أصبحت مديونة بعشرة ألاف دولار لتجار الرقيق، وجواز سفر محجوز، وإن عليها أن تسدد المبلغ خلال ثلاثة أشهر وإن عملها الحالي سيكون أقدم مهنة في التاريخ، ماريا تطمح بتسديد  الدين خلال شهرين وتجميع مبلغ لتعود لتكمل دراستها في الموسيقى، فهي في الواحدة والعشرين من العمر،وتعتبر تجربتها هنا جعلت منها امرأة ناضجة وقاسية القلب قبل الأوان. لكنها علمتها الكثير.

سيدات الليل في دبي جزء من فضاء المدينة الصامت، وضرورة لابد منها ما دمن يعرفن ما لهن وما عليهن.

مدينة في مشهد أم مشهد يختصر المدينة

مشهد لا مدينة هكذا قال أدونيس يوما عن بيروت، ترى ماذا سيقول عن  دبي؟ وهو الزائر الفصلي لها، فلا تمضي ثلاثة أشهر إلا وتدعو دبي أدونيس وصحبه لمؤتمر أو مناسبة، هل دبي حقيقة واقع بات من الصعب تجاهلها؟ أما آن للعرب أن يتخلوا عن نرجسيتهم ويعترفوا  بفرادتها ويبدؤوا باستيراد تجربتها؟  هل دبي فقاعة ستنفجر بعد حين ؟ أم دبي مدينة يحكمها عربي ذو رؤية خاصة لم ينتظر إلى أن تحل المشاكل العربية المزمنة فسارع لصناعة تنمية مستدامة خاصة؟ هل دبي حلم واعد كما تملقها مطرب لبناني وأردف أنها أمل الجيل الصاعد، أم دبي تواطأ لابد منه على الروح والإحساس للانخراط في العولمة على الطريقة العربية؟ أسئلة تتلوها أسئلة، فالمدن لا تكتمل إلا بالإبداع الإنساني والإبداع هنا مقصور على التجار ورجال الأعمال والشركات الكونية، التي بنت صروحا في دبي، ولم تأسس منظومة اجتماعية وثقافية؟ هل يهم أن تحتفل المدينة بالثقافة وتشارك بالسياسية وتمور بالحراك الاجتماعي أم أن كل ذلك يحصل عندما تغيب الفرص التي تخص البشر لبناء مستقبل كريم بوظيفة تحفظ كرامة الإنسان من العوز وترضي شغفه بالتسوق، وتدجج حياته بالتقنية، وتقسط له رواتبه توزعه على البنوك المنتشرة في فضاء دبي الواعد. 

من أية زاوية ترى المشهد في دبي، من الإعلانات التي تروج طوال الوقت داعية الجمهور ليصبحوا من أصحاب الملايين، أم من كم الاستهلاك الطاغي الذي لا يتوقف عن جلد المدينة، تفتح صحيفة تراها تخصص أكثر من عشرين صفحة للإعلان، سيستفزك واحد منها إذا دققت النظر

(خادمة مكفولة لمدة ثلاثة أشهر، اندونيسية بألف ومئتي درهم،  إثيوبية بسبعمائة درهم  سيريلانكية بثمانمائة درهم البضاعة مكفولة لثلاثة أشهر، وأخر يحمل عمق مزاج المدينة نورد العمالة الماهرة من سورية ومصر وكوفيرات من المغرب ولبنان لا تعليق ولا دهشة فحتى الأوربيون لا يتوانون عن تشغيل خادمة في بيوتهم مع طلب الضمان، دبي مدينة تغير قاطنيها فإيقاع الآلات الحاسبة للأرباح والخسائر هو الموسيقى التي تفرح وتغضب القاطنين والوافدين فدبي لا تأخذ من القادمين من جهة الديمقراطيات العريقة إرثهم مع الخدم إنما  تعدهم لاقتناص الحصة من كعكة الاستثمار الكبيرة الشديدة الحلاوة ، مدينة ضد الطبيعة هكذا صاح السائح  الفرنسي. ما ينتج هنا لا يمكن أن  يكون طبيعيا، وأردف بحزن ثقافي فرنسي واضح نحن نائمون، دبي والصين هما المستقبل، عن أي مستقبل يتكلم الفرنسي السائح سألت نفسي وأنا أحاول مد النظر إلى ما يرى كان برج العرب أمامنا وليلة فيه تعادل سبعة ألف درهم، مشينا بمحاذاة الشاطئ حتى وصلنا جزيرة النخلة من أكبر الجزر الصناعية في العالم، قديما كانوا يقولون روح بلط البحر، هنا يحرثون البحر وينبتون منه فللا راقية وملاعب غولف وفنادق جديدة إلى أين تأخذ دبي ناسها؟ الغرباء سيبقون غرباء لا انتماء لهم هنا سوى وقت سيمر سريعا بين  إحصاء الدراهم الهاربة واللهاث خلف إرضاء المدير المباشر وفواتير البنوك وبين عدم الاكتراث لسنوات التي تمتصها الدروب المزدحمة والصحراء الشرهة لنسوغ البشر

العابرون يتوهمون الألفة والأبدية يعملون لأخرتم وكأن الأبد حليفهم ولدنيهم وكأنهم لن يموتوا يوميا.إذا انقهروا أو فرحوا، انتصروا أو خسروا ربحوا أو أفلسوا فهم يتسوقون وكأن التسوق التعويذة الأبهى لرد الاعتبار للإنسان الذي فيهم، يرشون أنفسهم بثياب من ماركات عالمية وساعة ضد الماء وموبايل ضد الصدمات وسيارة ضد السرقة.

ضد من ؟ هكذا صاح أمل دنقل يوما.

الساعات متأخرة عن توقيت قلوبهم، سيارات ضد السرقة تعطب أرجلهم وتصنع لهم كروشا عملاقة تحشى بكل أصناف الطعام، هواتف نقالة تلتقط صور البلادة في حياتهم ونغمات شخير، والعابرون منها يتسوقون من كل ماركات الكون من متاجرها .ومواطنيها .يمارسون الرياضة الصباحية بالملابس التقليدية فلا أحد منهم يطيق التباسا واحدا فالمواطن لن يعرف أنه مواطنا إذا خلع الزي الشعبي وسيخاف من التباس مدمر عندما يكلمه أحدا بلغة الإمارات الثالثة التي هي مزيج من الأوردو والعربية والانكليزية،  المواطن مواطنا والوافد وافدا ولك القرار. 

لا تبحث عن شيء يشبهك أو يدهشك لقد تم امتصاص روح المدينة ولم تنتج  ثقافة بل ثقافات من مائتي بلد تعيش في جزر مغلقة ردد شاعر بات يقرض الشعر النبطي ويتحدث عن جماليات الإيقاع في الشعر الشعبي. تكلمنا عن رداءة شاعر المليون، دافع بشراسة عن حق الإمارات في الترويج لثقافتها وهويتها وعن حقدنا نحن أبناء الشام ( سوريا ولبنان وفلسطين والأردن )ومصر على كل ما هو خليجي، وعن (ثورجيتنا )التي أودت بنا متخلفين، وتقليدية الخليج التي صيرته متقدما، تكلم بشراسة عن دبي مدافعا عنها رغم أني لم اتهمها. ظل يتكلم حتى بعد أن غادرته.

الشغف بالبياض والصمت

الشغف بالبياض علامة فارقة لكل شيء من النساء وتبيض البشرة بالمساحيق والمستحضرات  للأسنان لتغدو أقل وطأة عند الالتهام إلى الأموال التي تجاهد لنصاعة تغير الأقدار واستبدال لحاء الشجر الذي تحول إلى عملة ذات قيمة إلى المعابد المسبقة الصنع، البياض هنا مشكوك بنواياه يبتلع ألوان وأشكال وأحجام  البشر ويلفهم بعناية كفوطة على طاولة مطعم خمس نجوم توضع تحت العنق تلف الجسد وتخفيه ويتابع الفك المضغ على مهل لوليمة كبيرة متجددة كل يوم.

أما الصمت فهو وشاح ثقيل يلف جسد المدينة لا صوت في المكان لا ضجيج لا زمير للسيارات لا باعة يصدحون، مدينة بكاتم صوت أبواب مغلقة وأبنية بلا شرفات لا يحتسي السكان فناجين قهوتهم عليها صمت يستحضر الشيخ محي الدين  ابن عربي ليلقى نظرة ويغادر على جمل وهو يتمتم

(كل ما يلمع لا يعول عليه) لا شتائم لا عراك تبدو مدينة بلا غضب مدينة مسالمة، السيارات علب مغلقة تم تحصينها تماما، لا أحد يريد أن يشارك احد، البيوت مساحات مقفلة علب لا مداخن لتنفس الغضب أو الفرح لصراخ أو التأوه الناس من كثرة صمتهم ينتفخون ويزدادون عزلة وراء المقود وخلف جهاز الكمبيوتر وجدار المكتب وأرقام الشقق والحسابات البنكية كل شيء يكبر بلا ضجيج حتى الأبراج الفارهة والمجمعات الضخمة تنبت بلا صخب أو تعطيل للحركة فقط أصوات بعض العمال القادمين من كارلا وبنغلادش وكشمير تكسر إيقاع السلام الصامت بين حين وأخر في المدينة المشرئبة. 

لا احد يموت دبي بين الغيوم

سألت معظم من قابلتهم هذا الأسبوع عن أخر جنازة راؤها في دبي كانت الإجابة شبه مجتمعة، صفنة في المجهول وجواب واحد، ولا جنازة.

لا أحد يرى جنازات في الشارع لا أحد يقرأ ورقة نعوة في الطريق  وكأن للموت صمت رهيب يخيم  على فضاء المدينة، أو لأن لا احد يموت رد صديق سألته، فأجابه أخر ممن أطال الصفنة أو لأن السكان هنا أموات. 

مدينة ليس بها  موت ليس بها حياة، مدينة تتطور شاقوليا، وما زال التنجيم والشعوذة والجن والخرافة والشعر وربح اللكزس والفور باي فور والأجازة السنوية في بانكوك أو لندن هو هاجس معظم أهلها. قال صديق صحفي أمضى عشرين عاما في دبي مشكلة دبي مختلفة عن مشاكل العرب، القيادة فيها تود التغيير والمجتمع لم يتعود ذالك القيادة فيها ترغب بصنع شكل من الديمقراطية العمل ولبرالية الحياة وتحرير المرأة وتخليص المجتمع من كسله والسكان فيه يقاومون ذلك، أجبته بالصمت وغادرت علي أرى جنازة عابرة فأقرأ عليه الفاتحة أو أرسم أشارة الصليب على وجه المدينة المشغولة بأهبة البناء، الرافعات لا تتوقف على العمل  الأبنية تنهض كل يوم.

ماذا تفعل في دبي ؟ كان سؤالي الثاني لمعظم من قابلتهم هذا الأسبوع الذي فكرت أن أكتب به عنها ؟ دبي مدينة تكشف الوهم قال الروائي السابق، كنت أعتقد أني كاتب في بلادي هنا عرفت أن الكتابة كانت لتعويض نمط الحياة والبلادة والوجع فتخليت عنها، لا بل لا جدوى من الثقافة الحياة تتطور والشاطر من يعرف كيف يقتنص الفرص.

وبحكمة العارفين القدامى ردد لي موظف بنك، جئت إلى دبي  مخططا أن أبقى خمس سنوات، وجدت أن القادمين إلى هنا مثل دودة جوز الهند، تجاهد بكل قوة لتحفر ثقبا في جوزة الهند، وبعد جهد جهيد تستطيع الدخول إلى اللب لتنعم بمتعة بالطعام والشراب، وعندما تدخل تسترخي وتتكرش وتكبر، فلا تستطيع الخروج من الثقب التي دخلت منه، وها أنا الآن هنا منذ 23 وعاما لا أستطيع الخروج من دبي. دودة جوز الهند لا تخرج أبدا من الثمرة وتموت بداخلها هذا قدرها

الهنود في دبي.

الهنود طاقة دبي البشرية الكبرى،حولوا أحياء كاملة إلى أحياء لا تسمع بها سوى أغاني هندية، يعملون بلا صخب ولا رغبة في الظهور أو تسليط الضوء، يتكاثرون بالمدينة ويتجذرون بها، لهم مطاعمهم وحياتهم وسائلهم وقدرتهم المذهلة على التكيف مع الغلاء والاستعلاء، يشكلون غيتو حقيقي يسيطرون على الأعصاب الحيوية في شرايين المدينة، ستلمح في أحيائهم ثقافة( كيرلا وكشمير ودلهي)، ستكون عربيا غريبا إذا ما دخلت لتشرب الشاي السليماني في احد مقاهيهم، سينظرون إليك برهبة واستغراب إذا ركبت وسائط النقل العامة، فالعربي لا يركبها عادة، ويتعجبون إذا ما دخلت أحد الملاهي الهندية، وأخبرتهم انك مقيم ولست زائرا وجودك ليس بسبب فضول عابر بل رغبة بالتعرف عليهم أكثر سيرتابون كثيرا لكنهم سيهزون رأسهم يمينا وشمالا تاركين إياك في حيرة هل صدقوك أم لا .

دبي إذا أنسحب منها أهل الهند ستتوقف؟ ردد صديق إماراتي، المشكلة ليس مع العمال والوافدين المشكلة فينا، نحنا لا نريد أن نعمل، نريد أن نكون فورا مدراء، لا نقبل أن نشتغل سائقي تكسي، ولا بائعين ولا نريد عملا فيه تعب جسدي، أو عملا بساعات طويلة نريد أن نكون أربابا طوال الوقت، شعراء طوال الوقت، علّ قصيدة ما تعجب أحد من أولي الأمر فتتغير حياته. حتى التدريس ليس لدينا الجلد والصبر على هذه المهنة، لسنا من يدرّس أبنائنا، ولا من يشرف على تربيتهم، ولا من يصنع طعامهم ولا من يشاركهم وقتهم، ولا من يعالج أمراضهم ولا من يبيع دوائهم ولا من يكتب لهم مناهجهم وقصصهم ولا من يرفه عنهم وبعد ذلك نتذمر من الوافدين والقادمين، إنهم يغزون ثقافتنا ويغيرون عاداتنا.

يوم أخر في دبي، مطر نارد الحدوث بدأ ينهمر على المدينة مشغولة بزيارة جورج بوش، أغلقت الشوارع أكتظت المدينة بالسيارة والاختناق، أعطي الجميع إجازة قسرية، أعود للمكتبي في الميديا ستي، افتح كتاب رؤيتي لحاكمها وجدت عبارة يمكن أن أختم بها هذه القراءة لسطح المدينة في سباق الحياة إذا كنا غزلانا وتوقفنا ستأكلنا الأسود وإذا كنا أسودا وتوقفنا سنموت من الجوع.

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...