حتمية الحسم بين الحقيقة والوهم

27-06-2012

حتمية الحسم بين الحقيقة والوهم

الجمل- عمار سليمان علي:
الحسم قادم وحتمي. جملة من ثلاث كلمات تتردد كثيراً في سوريا هذه الأيام, ليس على ألسنة الموالين فقط, بل كذلك على ألسنة المعارضين.
فالموالون, ولاسيما المتحمسون منهم, يراهنون على حسم قادم وحتمي يقوده الجيش العربي السوري ببطولاته وتضحياته التي باتت مضرب المثل لمن يريد أن يرى ويتعظ ويتعلم.
أما المعارضون, وخصوصاً المتطرفون منهم, بالإضافة إلى بعض الحالمين الرومانسيين, فيبشرون بحسم قادم وحتمي على يد الثوار أو الجيش الحر, أو حتى على يد الناتو!.
من هؤلاء مثلاً الكاتب الماركسي سلامة كيلة (هو ماركسي حتماً لأنه قال في إحدى إطلالاته الإعلامية الحديثة بكل جدية وخارج إطار التنكيت: إن ماركس معروف في سوريا أكثر من العرعور!) ومنهم أيضاً الكاتب عمار ديوب. وهما مجرد مثالين نوردهما هنا, مع أن مثلهما كثير.
فقد كتب كيلة في أول مقالة له ينشرها في صحيفة "الأخبار" اللبنانية بعد خروجه من الاعتقال وإبعاده خارج الأراضي السورية, مقالة لا تشبهه ولا تشبه ما عوّدنا عليه من تحليلات منطقية (أو على الأقل تتلبّس لبوس المنطق والفلسفة) وتنظيرات متقنة, حتى ولو خالفها الصواب والترابط مع الواقع في كثير من الأحيان. فعلى سبيل المثال في هذه المقالة التي نشرت في "الأخبار" يوم الأربعاء 20 حزيران (وحملت عنواناً دالاً: سوريا والمعركة الأخيرة) ترد جمل أقرب للكليشيهات التي يرددها المهزومون لتقوية الروح المعنوية لهم ولأنصارهم, دون تقديم أدلة وقرائن كافية لتبرير تلك الجمل. يقول كيلة مثلاً: "سوريا في ثورة، لا شك في ذلك. وهي ثورة منتصرة، وليس لدي أي شك في هذه النتيجة". (إنها الحتمية الماركسية, وهذا دليل آخر على أن الرجل ما يزال ماركسياً!!). ويقول أيضاً: " الوضع السوري يسير نحو الحسم، فالشعب بات أقوى، والسلطة تضعف وتصاب بالوهن، هذا هو الأساس الذي سيفرض التغيير". وعلى بعد الشقة بين الحسم والتغيير, يعلق وائل, وهو موال للنظام, على القول السابق, بالموافقة على أن الوضع يسير نحو الحسم إنما على يد الجيش العربي السوري, ولا يتردد في وصف كلام كيلة بالأوهام الزائفة التي مازالت تتراءى للرجل منذ بداية الأحداث, منذ أطروحاته المتكررة عن العامل الاقتصادي المهم في تحريض الاحتجاجات, حتى تسويقه في نفس المقالة لفكرة أن "روسيا تميل إلى تجاوز مرحلة بشار" وهي الفكرة التي نفتها الخارجية الروسية بكل وضوح, وبكلام لا يرقى إليه الشك!
ويأخذ وائل على مثقفين موالين أنهم تعاطفوا مع كيلة إبان اعتقاله, من المنظور الإنساني البحت,وعلى مثقفين معارضين أنهم تاجروا بصوره بعد خروجه من الاعتقال وترحيله للأردن, مع العلم ـ يضيف وائل ـ أن أغلب الأطباء الذين استشارهم لم يجدوا في تلك الصور ما يشير إلى تعذيب أو عنف مورس على كيلة, بل رأوا فيها آفات ناجمة عن مرض جلدي أو داخلي!
أما الكاتب عمار ديوب الذي يكاد يكون نسخة من كيلة فيما يخص أفكاره ورؤاه وأوهامه حول الأحداث السورية, مع اختلاف الأسلوب والشخصية, فيقرر في أحدث مقالاته المنشورة في صحيفة "الأخبار" يوم الخميس 21 حزيران, أن "الثورة ستنتصر بقواها الذاتية"!! وهو إذ يضعنا أمام الحتمية نفسها التي سبقه إليها كيلة وغيره, فإنه يتفوق على كيلة بتأكيده على "قواها الذاتية" متناسياً أو متجاهلاً التحريض المستمر على ضرورة عدم ترك "الثورة" وحدها, وعلى "حتمية" اللجوء إلى قرار من مجلس الأمن وفق الفصل السابع, من قبل ما يسمى "المجلس الوطني السوري" في استنبول الذي يعتبر, شاء من شاء  وأبى من أبى, قائداً "للثورة" ذات "القوى الذاتية"!
فهل يخرج علينا في قادم الأيام من لا يرى فرقاً بين "القوى الذاتية للثورة" وبين "الفصل السابع" أو "الناتو"؟! يتساءل صديقنا وائل, بين السخرية والجد, وهو ينظر بعينين ثاقبتين إلى الأفق البعيد!


 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...