9 أسباب لخسارة المعارضة اللبنانية الانتخابات

11-06-2009

9 أسباب لخسارة المعارضة اللبنانية الانتخابات

في انتخابات الأحد، قدمت الأكثرية في كل الدوائر التي قررت خوض انتخاباتها عرضاً كبيراً، فاجأ الخصوم وأربكهم. وقد بدت المعارضة قبل ساعات من إقفال صناديق الاقتراع عاجزة عن مواكبة التكامل الهائل في عمل ماكينة الأكثرية والتوزيع المميز للأدوار. ومع بدء المعارضة استعادة أنفاسها، يتضح لمسؤوليها أن 9 لاعبين صنعوا انتصار الأكثرية:
1ـــــ الماكينة المنظمة: كانت المعارضة تثق بما يردها من معلومات عن توجه مرشحي الأكثرية في طرابلس كما في كسروان والمتن وجبيل والكورة إلى تشطيب بعضهم بعضاً. وكانت تعتقد أن تأخر توقيت تفاهم مرشحي الأكثرية مع مرشحي رئيس الجمهورية سيحول دون انسجام ماكينات الطرفين. وفي الأشرفية مثلاً، كانت ماكينة التيار الوطني الحر تعتز بأنها بعد اجتهاد 6 أشهر صارت تعرف أين يقيم 60% من الناخبين. لكن تبيّن يوم الأحد أن المعارضة لم تُصب في توقعاتها، وكانت غالبية معطياتها المفترضة غير دقيقة. فمن جهة، أسقطت الأكثرية مبدأ التشطيب، فلا سامي الجميل شطّب سركيس سركيس، ولا فارس سعيد شطّب ناظم الخوري. وبدا أن التزام مرشحي الأكثرية باللوائح «زي ما هي» في الدوائر الحساسة يتجاوز تسعين في المئة. ومن جهة ثانية، تبيّن أن ماكينة الأكثرية تملك إحصاءً دقيقاً لغالبية اللبنانيين في الدوائر الحساسة، المقيمين والمغتربين. فماكينة الأكثرية في الأشرفية مثلاً، كانت تملك إحصاءً دقيقاً بالناخبين كافة من دون استثناء، وتملك ملفات ممكنة عن كل شخص بشخصه تقريباً، وكانت الماكينة موصولة على شبكة الإنترنت عبر برنامج مميز جداً مكّنها من أن تعرف كل نصف ساعة من انتخب ومن لم ينتخب، ونتيجة الصناديق. وفي موازاة تفوّق ماكينات الأكثرية تقنياً (في غالبية الدوائر لم تستطع ماكينات المعارضة معرفة النتائج إلا بعد يومين من إقفال الصناديق)، بدت هذه الماكينات متماسكة جداً، ومنسجمة في العمل ومتفوقة على صعيد المندوبين (عدداً وخبرة وانضباطاً)، وعلى مجمل الأمور اللوجستية (الملابس، مكبّرات الصوت، سيارات الأجرة والطعام)، ما جعل الجو العام يميل إلى مصلحة الأكثرية.
2ـــــ المغتربون: كان يفترض أن الصراع على المغتربين بدأ بين الأكثرية والمعارضة قبل نحو 6 أشهر، وكانت المعارضة تفترض وتردّد في العلن والسر أن الجولات الانتخابية للأكثريين على الاغتراب لم تحقق هدفها، وأن المغتربين الذين سيأتون سيوزعون أصواتهم بالتساوي بين المعارضة والأكثرية انسجاماً مع ترداد أحد مسؤولي المعارضة أن انقسام الاغتراب يشبه انقسام عائلاتهم في لبنان. لكن يوم الانتخابات بدا أن المعارضة أخطأت الحساب أيضاً. ففي دائرة زغرتا مثلاً، تبيّن أن عدد المغتربين الذين عادوا من مختلف أصقاع العالم لينتخبوا ميشال معوض تجاوز خمسة آلاف.
3ـــــ المال الانتخابي الذي لم تلمحه جمعيات مراقبة الانتخابات المحلية والدولية رغم الكلام الكثير عنه. وفي هذا السياق، يروي أحد نواب زحلة، الذين ستنتهي ولايتهم بعد عشرة أيام، أن الأكثرية عرضت المال على كل الناس، وضمناً الناخبين الشيعة المعروفين بتأييدهم لحزب الله، مؤكداً أن خصومه كانوا يوزعون الأموال في ساحة بلدة المعلقة من خلف صورة عملاقة للائحة «زحلة في القلب» كانت بمثابة ستار لعمليات الرشوة. وعلى ذمّة النائب نفسه، دُفع لكل رجل دين سني 5 آلاف دولار. ويشير النائب إلى استئجار ماكينة الأكثرية بطاقات هوية لبعض مؤيدي المعارضة ليضمنوا عدم اقتراعهم للمعارضة في يوم الانتخاب.
4ـــــ المخاتير ورؤساء البلديات: وقد مثّل هؤلاء ماكينة متكاملة لم تحدّ من تأثيرها ولا من تطلعاتها ضوابط قانون الانتخاب الجديد. وقد توسع دور هؤلاء من المتن حيث درجت العادة على تأليفهم قوة أساسية تعمل لمصلحة النائب ميشال المر إلى بعبدا وكسروان ومعظم الدوائر الأخرى. ففي ماكينة النائب ميشال فرعون مثلاً، مثّل المخاتير العمود الفقري قبل الانتخابات ويومها، وكان هؤلاء هم اللاعبين الأساسيين في ماكينة فرعون. أما في بعبدا، فنشط ما يشبه «جيش رؤساء البلديات» الذين أشرف المر على انطلاقهم وشد عصبهم لمصلحة صهره الرئيس السابق لبلدية الشياح إدمون غاريوس. وبحسب النتائج والوقائع على الأرض، يعود لرؤساء البلدية في الشياح والحازمية وكفرشيما الفضل الأساسي في النتائج الجيدة التي حققتها الأكثرية. مع العلم بأن رئيس البلدية ينطلق من حيثيته الخاصة، إضافة إلى حيثية أعضاء المجلس البلدي الذي يترأسه، والموظفين، والمنتفعين مباشرة من البلدية. أما في كسروان فأدى مخاتير صربا وغدير وذوق مصبح دوراً كبيراً في دعم النائب الأسبق منصور البون. والمعارضة لم تحاول قط استمالة رؤساء البلديات على اعتبار أنها تريد نموذجاً انتخابياً جديداً.
5ـــــ رؤساء الأقلام الذين بدوا في غالبية الدوائر الحساسة منسجمين مع مصلحة الأكثرية. وفي هذا السياق يقول أحد نواب المعارضة إن رؤساء الأقلام كانوا ينشطون ويتحمسون في الأقلام حيث الأرجحية للأكثرية، ويتباطأون جداً في العمل في الأقلام حيث الأرجحية للمعارضة، مشيراً إلى أن الأكثرية كانت تملك جدولاً كاملاً برؤساء الأقلام وتوجهاتهم السياسية. وبدا واضحاً يوم الأحد أن توزيع هؤلاء على الأقلام كان مدروساً. ويشير النائب حسين يعقوب إلى أن رؤساء الأقلام في البلدات الشيعية تعمدوا قهر الناس تحت الشمس وتأخيرهم قدر المستطاع حتى يغادروا المركز من دون أن يقترعوا، فيما بذل زملاؤهم في الأقلام السنيّة جهداً استثنائياً ليكون الاقتراع سريعاً جداً. وفي السياق نفسه، يقول يعقوب إن عدد الأصوات التي نالها هو وخصمه عقاب صقر تجاوزت في عدّة أقلام عدد أصوات المقترعين المسجلين في اللوائح، ما يوحي أن ثمة تزويراً قد حصل، وخصوصاً أن ضغوطاً كبيرة مورست على مندوبي المعارضة في بلدات سعدنايل ومجدل عنجر وغيرها، ما حال دون حصول مراقبة حقيقيّة وسمح للأكثريين بفعل ما يشتهونه.
6ـــــ البطريرك ورجال الدين: أدت مخالفة البطريرك الماروني نصر الله صفير لقانون الانتخاب في تصريحه العروبي المتخوّف من تغيير هوية الكيان اللبناني في «يوم الصمت السياسي» دوراً إيجابياً كبيراً لمصلحة الأكثرية. ولم تستطع المعارضة الرد، وهو كان بمثابة الوصية الأخيرة للمقترعين، بعد سلسلة مواقف بطريركية وصفتها المعارضة بالإيجابية، ما عزّز صدقية البيان الأخير للبطريرك بالنسبة إلى الناخبين. وفي موازاة كلام البطريرك، نشط «الجيش الأسود» بكل إمكاناته لإلحاق أكبر هزيمة ممكنة بالعماد ميشال عون: في بيروت كان المطران إلياس عودة يتصل بالناخبين واحداً تلو الآخر ليطلب منهم انتخاب نايلة تويني لا عصام أبو جمرة، فيما كان خوري كنيسة السيدة الأكبر في الأشرفية يتحرك كرأس حربة للأكثرية في مواجهة المعارضة. فيما تقاسم المطرانان المارونيان رولان أبو جودة ويوسف بشارة مهمة توعية الناخبين روحياً، والإيعاز إليهم من موقعهم الكهنوتي أن الاقتراع للائحة العماد ميشال عون في المتن يضر بمصلحة المسيحيين. وقد قام المطرانان المذكوران بزيارات شخصية إلى منازل افتقدت حضورهما لسنوات عدّة. أما عمّة المرشح سامي الجميّل الراهبة أرزة الجميل فقامت بواجبها العائلي ـــــ السياسي كاملاً على مستوى الأخويات. مع العلم بأن بعض المرشحين نشطوا في إرضاء «الأوقاف المسيحية» في معظم البلدات مادياً، بحيث كثف المرشح سركيس سركيس مثلاً مساعداته للوقف.
7ـــــ رئيس الجمهورية: وفّر رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان كل الدعم الذي يستطيع للّوائح المنافسة للوائح عون في جبل لبنان، إذ كان له مرشحون مباشرون، وفي الأقضية الأخرى حيث كان تأثيره معنوياً أكثر منه مادياً. فبعد سكوت الرئيس عن هجوم الأكثرية على عون باعتباره يريد تحجيم الرئيس وإسقاطه بعد الانتخابات، عمد سليمان إلى تبني مرشحين كان استقباله شبه اليومي لهم معبّراً بالنسبة إلى الناخبين. وقد استكمل الرئيس دعمه للوائح الأكثرية عبر شقيقه رئيس رابطة المخاتير في جبيل غطاس سليمان الذي كان العمود الفقري في ماكينة الأكثرية في جبيل، تماماً كما تتهم المعارضة شقيق سليمان، محافظ البقاع أنطوان سليمان، بأنه كان العمود الفقري لماكينة الأكثرية في البقاع، ما استدعى تدخلاً من رئيس الكتلة الشعبية إلياس سكاف عند وزير الداخلية زياد بارود للاعتراض على المحافظ الذي كان عراباً لنقل نفوس الناخبين السنّة إلى زحلة.
8ـــــ الضغط على الناخبين عبر بعض ضباط الجيش، ويؤكد أحد نواب المعارضة في هذا السياق أن ثمة اتجاهاً لدى المعارضة إلى الوضع بتصرف المعنيين في قيادة الجيش لائحة بضباط تمركزوا في بعض المنازل يوم الأحد وبدأوا اتصالات منذ صباح الأحد بعسكريين لإبلاغهم أن اقتراع عائلاتهم لغير الأكثرية سيؤدي إلى تشكيلهم إلى مناطق تبعد كثيراً عن مناطق سكنهم. أما فرع المعلومات فكان بحسب مصادر في المعارضة الجهاز الخلفي الذي سهر على حسن انضباط وتنظيم ماكينة الأكثرية. وبحسب مصادر أكثرية فإن فريقاً خاصاً ضمن الماكينة الانتخابيّة اهتم بتنظيم اقتراع موظفي المؤسسات الرسمية والخاصة الذين سبق أن أعدت لوائح مفصلة بهم وبعائلاتهم وبأماكن اقتراعهم.
9ـــــ بذلت الأكثرية جهداً كبيراً لبثّ أكبر عدد ممكن من الشائعات والمواقف السياسية الصدامية في الوقت القاتل قبل الانتخابات، بحيث لا تستطيع المعارضة توضيح الموضوع وتضييع وقتها في شرح عبثي لوجهة نظرها من موضوع الجمهورية الثالثة إلى تقصير ولاية الرئيس.
في النتيجة، نجحت الأكثرية في تجنيد هذه العوامل التسعة، القانونية وغير القانونية، لتحقق انتصاراً قد يكون في الدوائر التي خسرتها (جبيل وكسروان والمتن وبعبدا) أكبر من انتصارها في الدوائر التي ربحتها، مستفيدة من اعتداد المعارضة بنفسها واعتبارها أن زمن الهزائم قد ولى، وأن أقوى جيوش العالم لن تستطيع هزمها

غسان سعود

المصدر: الأخبار

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...