هينينغ مانكل.. الكاتب القلق

02-11-2011

هينينغ مانكل.. الكاتب القلق

يروي هينينغ مانكل, كيف استوقفه أحد القراء ذات يوم على رصيف شارع في ستوكهولم, ليسأله مداعباً فيما إذا كان كورت فالاندر, بطل رواياته البوليسية, سيصوت لمصلحة انضمام السويد إلى الاتحاد الأوروبي أم لا.

كان ذلك في تسعينيات القرن الماضي, إبان الاستفتاء على معاهدة ماستريخت. وكان رده بالقول: سيجيبك فالاندر بنفسه عن رأيه في الرواية المقبلة. ‏

قادته قدماه في سن مبكرة جداً إلى أدغال أفريقيا, ككل الشبان الأوروبيين الباحثين عن المغامرة التي تكسر جمود الحياة السائدة في أوطانهم. لكنه عاد منها ليخوض تجربة مختلفة في تعامله مع دفق الصور الحسية والأصوات والموسيقا, وأنماط الحياة المغايرة التي اختزنها في ذاكرته وبين ثنايا أحاسيسه المرهفة, ولتجعل منه, منذ بواكير رواياته الأولى, التي تجاوزت الثلاثين حتى الآن, كاتباً يحلق فوق عوالمه المحلية, وينشئ علاقة صلة مع قراء في سبع وعشرين لغة حية عبر العالم, بإجمالي طباعة تجاوز الخمسة ملايين نسخة حتى الآن. ‏

يقول الكاتب: ‏

« عندما حطت قدماي في القارة الأفريقية للمرة الأولى, شعرت برغبة جامحة في الابتعاد عن أوروبا لفترة من الزمن, كي أمتلك بعداً في رؤيتي للعالم, تنأى عن الأنانية الفردية التي تأسرنا في المجتمعات الغربية. إني أعيش منذ ذلك التاريخ متعة الحياة في عالمين مختلفين جغرافيا وثقافيا. قدم تغوص في الثلج وأخرى في الرمال الملتهبة. ومن خلال هذين العالمين المختلفين استمد رؤى للعالم, للكون, وللناس, جعلتني على سبيل المثال, أنسج علاقة حب مع أوروبا, لم أكن أشعر بها قبل أن ابتعد عنها». ‏

في روايته التي صدرت عام 2007 في ستوكهولم وباريس في آن واحد تحت عنوان «تي- باغ» يسرد تفاصيل حياة امرأة شابة, هاجرت إلى أوروبا, مثل أي إنسان يطمح لمستقبل أفضل في بلاد الثروة والحرية. لكنها تصدم بالتعرف إلى مجتمع مختلف تماما عن الصورة التي كونتها مسبقا من خلال المجلات وأفلام الدعاية. ‏

هناك تبدأ رحلتها الحقيقية في تلمس قسوة الحياة بنبرتها الفردانية, وعدم اكتراث المجتمع بها, ووقوفه في وجه طموحاتها, لأنها ببساطة, تختلف عنه, ولا تتمثل قيمه الثقافية والروحية والاجتماعية. لكنها بعنادها, وتصميمها على عدم التنازل عن الهدف الذي قدمت من أجله, ترفض الانزلاق في طريق الدعارة من أجل لقمة العيش, وتقبل بأعمال وضيعة, ضئيلة المردود مادياً, وتتابع دراستها مع كل المصاعب, وصولا إلى نيل شهادة الدكتوراه في البيولوجيا الحيوية, لتنتزع اعتراف المجتمع السويدي بها. ‏

«الإنسان القلق», التي صدرت العام الماضي 2010 عن دار النشر التي يمتلكها الكاتب في السويد, هي الرواية المنتظرة للكاتب منذ سنوات, والتي أجاب من خلالها على العديد من تساؤلات قرائه, وكشف من خلالها عن الوجه الآخر للسويد الذي لايعرفه الكثير من الناس, وجه يخفي الكثير من البؤس والعنصرية, وعدم المساواة في الحقوق والواجبات. ‏

هينينغ مانكل, كاتب ملتزم منذ بداية مشواره الأدبي قبل أكثر من ثلاثين عاماً, بقضايا بلاده والمسألة الأوروبية, وتشابك علاقاتها مع القضايا الإنسانية الأكثر شمولية. ‏

لهذا لم يكن مستغرباً أن يكون في عداد أحرار العالم على متن قافلة الحرية التي انطلقت لفك الحصار عن غزة الجريحة في 31 أيار من العام الماضي, وليكون شاهد عيان على جرائم المحتل الصهيوني, التي نقلها عبر العديد من المقابلات الصحفية التي أجريت معه فور عودته إلى ستوكهولم. ‏

يقول ردا على سؤال لمراسل صحيفة ليبراسيون الفرنسية الذي قابل الكاتب بتاريخ الحادي والعشرين من شهر تشرين أول من العام الماضي 2010, إثر صدور روايته الأخيرة, الإنسان القلق, عن حقيقة مشاعره حيال ماجرى صباح ذلك اليوم الدامي على متن قافلة الحرية: ‏

«أعتقد أننا, بهذه المبادرة المتواضعة, تمكنا من تغيير وجه العالم. لا أدعي أننا نجحنا في مهمتنا الانسانية, لأننا للأسف فقدنا تسعة من المتضامنين, إضافة إلى العديد من الجرحى. لكننا نجحنا في جعل العالم برمته يرى الوجه القبيح لإسرائيل, وهي تقوم بقرصنة موصوفة في عمق المياه الدولية للبحر المتوسط. وقد لمس العالم عبر شاشات التلفزة كيف تحول هذا الكيان المنشأ بقرار من الأمم المتحدة, إلى عصابة من المجرمين والقتلة». ‏

في معرض حديثه عن دار النشر التي أسسها في بداية الألفية الحالية, يشير الكاتب السويدي هينينغ مانكل, إلى أنه ظل يتعامل طيلة ثلاثين سنة خلت مع دار النشر في السويد نفسها. وأنه قد حان الوقت لكي يوظف هذه العائدات الضخمة التي جناها من نشر كتبه, في مؤسسة كبرى «ليوبارد – فولاغ» تعنى بشكل رئيسي بترجمة ونشر آداب من ثقافات مختلفة ومتنوعة, سواء من أفريقيا أو من العالم العربي, هؤلاء الأدباء, الذين لاتمكنهم إمكاناتهم الخاصة من الوصول إلى القارئ الأوروبي أو الأمريكي. ‏

يؤكد الروائي مانكل في مقابلة صحفية أجريت معه بالقول: هناك العشرات من الكتاب العرب والأفارقة المميزين الذين لايعرف القارئ الأوروبي عنهم شيئا, معرباً عن رغبته بأن تصل مؤسسته إليهم ذات يوم, وتكون الجسر الذي يصلهم بالقارئ الأوروبي.

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...