نشيد الصباح الصغير: نشيد الحب و الكراهية

28-06-2008

نشيد الصباح الصغير: نشيد الحب و الكراهية

الجمل- أيهم يب: تحتاج الآخر لنكتشف قوتنا في ضعفه و هناءنا في بؤسه و نجاحنا في فشله  و لنقيس ربحنا في خسارته و فحشنا في خجله و لنلمس صورتنا في مرآته و لنحيا في حبه و نموت في كبريائه.
نحتاج الآخر لمعرفة الصورة من الانعكاس, الحقيقة من الوهم , نحتاج الآخر ليمنحنا اليقين, يقيننا بأنفسنا و بالأشياء.
نحتاج الآخر لنقيس غنانا في ما نمنح و سلطتنا في ما نمنع.
نحتاج الآخر لنتفق على ما نختلف - مع ثالث - عليه.  نحتاج الآخر لنكره معاً ثالثنا.
يحتاج جوزيف نادج و دومينيك ميرسي إلى بعضيهما ليخبرانا بقصصنا نحن مع الآخر الذي يعيش معنا فينا و خارجنا.
لم أحب في العرض حركته.  التي هي استثمار العرض الأبرز. هنا أتحدث عن ذائقة شخصية تجاه الحركة. و هي ذائقة ناتجة عن مشاهدة أشكال متعددة من الأداء الحركي بما يسمح لي التفريق بين قراءة الحركة و بين الاستمتاع الشخصي بها فأنا- أحياناً- لا أحب البراعة الفائقة لراقص التانغو التي تحول الرقص إلى منظومة رياضية بحيث تتحول عينيه إلى جورتين. هذا ليس تعميم و لكن فقط أقول أن ما يمكن أن يكون مثيراً في مستوى ما قد يخلق عندي- كمراقب-  شعوراً معاكساً ليس ناتج عن خطأ في القراءة  بقدر ما هو شعور حيواني بالألفة  أو الوحشة.
عندما يكون الرقص جيداً و لا تحبه كيف تتحدث عنه؟
تتحدث عنه كما يجب, بأن تقول ما تكره و تخفي ما تحب.
لكن عندما يكون أنا من يتحدث فعندها قد أنتقي الحديث عن اللحظة السوريالية عندما يضع الفنانان نفسيهما في إطار يقومان بتشكيل أيقونتيهما من خلاله. هذا يعيدنا إلى لوحات (رينيه ماغريت) و صوره الفوتوغرافية
و إن كان الحديث عن ماغريت لا يلزمنا بالإشارة إلى معاطفه الشهيرة و ديكوراته البديعة لأن معطفا الفنانين لم يكونا في نفس السياق المرغريتي و لا خشبة المسرح كذلك.  عندما نتحدث في الفن من الأفضل ان لا ننجرف ,بل ان نقيس بمكيال لأن الإسراف يحرم الآخرين من النمو و من متعة الإضافة و التجديد.
في حركة أخرى يقدم الفنانان ما يشبه مزيج طقسي من العرس اليديشي - القبالي - و الخيميائية
إنها لحظة حجاب رمزية للفم بوابة الأسرار و الكلام. حيث يتبادلا نفسيهما في كأس  - التي لا تنكشف إلا لهما  -
دليل اتحاد العناصر: العريس و العروس. الأستاذ و التلميذ, السيد و المريد. من الغريب أن المسلمين يصرون على القطيعة مع المعارف الكهنوتية العريقة مما يجعل تفسير الكتاب المقدس دون البحث في الإطار الكهنوتي للمعنى نوع من السياحة اللفظية التي توصلنا في الغالب إلى أسئلة عصية عن المنطق الطبيعي من قبيل ما الذي يجعل الرجل أحق بأربع خليلات مقابل المرأة التي لا يحق لها إلا بعلها.  و لماذا أمام هذا الأمر الشديد اللهجة لم يقدم الرب أي شرح في حين أسهب في رواية  قصص الأقوام الغابرة؟   لماذا امتنع الرب عن الشرح في حين أسهب في الوصف و المقارنة. من اللطيف أن تقرأ المسرح لأنه قد يقودك إلى التفكير بالرب حتى و لو كانت المسرحية هي أناشيد الصباح و ليست المفتش الكبير .
حركة الفنانين على المسرح كانت شبه متناظرة و لكنهما لم يريدا للتناظر أن يتحول إلى سمة تكوينية - لا كمعنى و لا كشكل- و قد أفلحا بتهربهما من التناظرية من خلال الخلخلة البسيطة للفعل الميكانيكي الذي كان من السهل عليهما ضبطه لو أرادا.   ماذا نفعل هنا؟ نتحدث عما لم يفعله الفنان !! هل يمكن قراءة عمل بأن نقرأ ما ليس في العمل؟ كل شيء ممكن لأن الجمل يعيش في الصحراء و يقدر ما يغيب كمن يحضر.
في الحقيقة لا أدري إن كانت إنسانية المقولة هي ما سلبني متعة الفرجة. كان فيها نوع من الوعظ. نوع من التذكير بالإنسانية. شيء ما يشبه كتابات التبشيريين و المدارس اليسارية بل و حتى المدارس الليبرالية التي بات عليها التعامل مع الجماهير الواسعة من تركة الحكومات الاشتراكية الآنفة. 
ثمة شيء مباشر في رمزيته ربما ,رغم الاقتصاد في المقولة و الحركة.  لا أعرف ,و هذا النوع من الجهل لا يخيفني عادة و لا يضر الآخرين- كما يضر جهل المسؤول في مؤسستنا بمصلحة الفن و الفنان حتى أننا نحتل بفضله و فضل زملائه في المسؤولية مراتب متقدمة في سلم التخلف الذي يصادف أن أقرأ عنه بينما أكتب هذه النثرية.
من قبيل المصادفة الجيدة أن يأتي هذا العمل لفنان ذو سمعة طيبة بعد حضوري لحفل جاز قدمته فرقة ألمانية  ذائعة السيط ليلة البارحة- قد يسأل البعض من هي الفرقة - قدمت الفرقة معزوفاتها و كانت من قبيل/ بابل, سنغافورة.../ لكن اللحن لم يكن مقارباً لا من قبيل و لا من بعيد لأي شكل من أشكال تصورنا عن كيف يمكن تقديم المدينة موسيقياً. و هذا لا علاقة له بالإبداع دائماً بل قد يكون سببه الانقطاع المتعمد عن المرجعية أو الفهم الجمعي.  و قد شاركني هذا التصور مجموعة من الفرنسيين و الحماصنة - لا أسماء-  .
اليوم و في أناشيد الصباح وظف الفنان موسيقا من مصادر مختلفة و قد كان ملفتاً بالنسبة لي هو أن علاقة الحركة- التصور- مع الموسيقا الأفريقية كانت غريبة بالنسبة لي  كمراقب للحركة و متذوق للموسيقا. شعرت بفجوة. و كتبت رهاناً على ورقة صغيرة  فيما إذا كان هذا فعلاً إخراجياً أم عفوية إنسانية ناتجة من الاغتراب- أو - الإستشراق.  في الفقرات التالية حيث كانت الموسيقا أوروبية كانت الحركات متسقة مع الموسيقا تماماً مثل أفلام الكرتون. مما يعني أن ثمة فجوة كائنة في الإسقاطات البصرية و الحركية و لم يكن الأمر تكتيكاً قائم على معرفة كبرى. هذا يذكرنا بأسلوب القصيدة العربية الحديثة الذي غالباً ما يشبه الطريقة التي تمت بها ترجمة القصائد الحديثة الغربية. حيث يبدو الصوت بارداً و متأملاً و مغترباً و هذه السمات هي سمات الترجمة و ليست سمات الأدب الأصلي. ما الذي نتعلمه في هذا السياق؟  نتعلم ان لا نأخذ كل نراه بجهالتنا. بل ان نتحلى ببعض العلم و بعض الثقة و بعض الماء لأن الصيف القائظ قد يتسبب بفقد التركيز و العزيمة. - عزيمة! قيظ ! الكلمة التالية ستكون الجهاد  أو الغزو-   قد يكون شيء من هذا القبيل ما منعني من حب الحركة. استخدام لمفردات إنسانية  ليست معاصرة و إن كانت حقيقية و صحيحة و مقننة.


 الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...