ندوة الثلاثاء الاقتصادي ومشروع سورية 2005

27-05-2009

ندوة الثلاثاء الاقتصادي ومشروع سورية 2005

يمكن القول أن الشركات والمؤسسات في سورية حتى تاريخه، تتبّنى إستراتيجية الكلفة المنخفضة التقليدية والحماية في مجال التنافس في الأسواق المحلية والعالمية دون مواكبة التطورات الهائلة في العمليات الإنتاجية للمنتجات الاستهلاكية والمعمرة الجديدة بالشكل المطلوب. لكن هذه الإستراتيجية وبالرغم من نجاحها المحدود لدى عدد ضئيل من الشركات والدول، ليست قابلة للصمود في بيئة الاقتصاد العالمي الجديد المقاد معرفياً، لأنه يجب دوماً الأخذ بالاعتبار أنه توجد منتجات عالمية أجود وأرخص وبمواصفات أرقى. لذلك نجد أن إستراتيجية الكلفة المنخفضة للمنتجات، سوف تؤدي أو ربما أدت بالدول وبالشركات التي تعتمدها إلى الدخول في حلزون اقتصادي تتناقص فيه القيمة المضافة وتتقلص فيه الهوامش الربحية حتى اندثارها تماماً وهذا ما نشهده في حركة الحلزون الاقتصادي السوري الذي يدور بالاتجاه السلبي ببطء أو ربما هو جامد إذا ما أفرطنا بالتفاؤل.
لقد فجرت ندوة الثلاثاء الاقتصادي المخصصة لعرض مشروع سورية 2025 والتي تصدى لها الدكتور الباحث محمد جمال باروت المدير الوطني للمشروع وبحثه الرئيس المشاكل التي تنتظر سورية في جميع محاور الحياة : الاقتصاد والإنتاجية، التحولات السكانية والمجالية، العلم والتقانة، الطاقة، السكان (منجز)، التحولات الاجتماعية والثقافية، القضايا الجيو- بوليتيكية (أنجزت مراحلها الأساسية.....؟؟).

حيث قدم الأستاذ الدكتور باروت عرضاً أكاديمياً لمشروع (سورية 2025)، الذي يتكون من 11 الف صفحة، وتم بمشاركة 264 باحثاً أكاديمياً، حيث بيّن أن هذا المشروع تجربةً فريدةً بالنسبة للبحث العلمي المرتبط بقضايا التنمية في سورية، وقد بُدئ التفكير به عام 2005 ببادرة من الباحث الراحل عصام الزعيم، على أساس أن يتم إنجازه ليكون إطاراً مرجعياً لبناء ووضع الخطة الخمسية العاشرة، ولكن أموراً ومشكلات عديدة لعبت دوراً في عدم إنجاز أهداف المشروع وتحديداً هذا الهدف: أن يشكل قاعدةً أساسيةً لوضع الخطة الخمسية العاشرة.
وأشار باروت إلى أن المنطقة قد شهدت عدداً من المشاريع الاستشرافية، أكثرها أهمية مشروع استشراف الوطن العربي 2015 وهو المشروع الذي انطلق عام 1985. وعدّد الباحث مجموع المشروعات الاستشرافية في المنطقة مبيناً موقع المشروع السوري بين أبرزها، باعتبار أن مشروع (سورية 2025) هو المشروع الاستشرافي الأول من نوعه في سورية. كما تطرق إلى الصعوبات التي واجهت إعداد المشروع السوري.
وأوضح باروت أن إعداد دراسة المشروع شملت وضع ثلاثة سيناريوهات استشرافية كلية للمشهد الاقتصادي السوري حتى 2025 هي:
 أولاً: المشهد المرجعي-مشهد استمرار الاتجاهات الذي بني من قبل لجنة مشتركة بين وحدة النمذجة والفريق الاقتصادي في مشروع (سورية 2025) وقد اختار المشروع مدى زمنياً طويلاً يقارب 35 سنةً باعتبار أن المدى الطويل الأمد للسلاسل الزمنية يسمح بتبين حركة الاتجاهات العامة الأساسية التي حكمت سيرورة عملية التنمية وتطور اتجاهاتها في الماضي، وتحليل حدود الاستمرارية والانقطاع بين فتراتها الفرعية التي تم تحقيبها بما يعكس الجانب التطوري لسيرورة عملية التنمية على مستوى الاقتصاد الكلي بدرجة أساسية، وعلى مستوى قطاعاته الأساسية التي تشكل المصدر الأساسي للناتج المحلي الإجمالي بدرجة ثانية.
وقد بني المشهد المرجعي-مشهد استمرار الاتجاهات في إطار تحليل "البيانات التاريخية" 2 من خلال عملية مسح التطورات الاقتصادية-الاجتماعية الكلية التي حكمتها.
ثانياً: المشهد الليبرالي ويعني أن سورية تسير في الطريق الليبرالي أي في طريق الاندماج والتوجه إلى الخارج. وتقوم جميع هذه الشراكات على قواعد منظمة التجارة العالمية 8. فليست سورية هي وحدها التي تندمج في الاقتصاد العالمي فحسب بل وإن المنطقة كلها تندمج فيه وإن كان ذلك بسرعات مختلفة أيضاً. فيحرر أغلب أعضاء منطقة التجارة الحرة العربية التجارة وفق الالتزام بقواعد منظمة التجارة العالمية، في إطار هذه المصالح يعمل المشهد الليبرالي على دعم الاتجاه التكاملي الكامن لمنطقة التجارة الحرة العربية باتجاه تشكيل السوق العربية المشتركة والوحدة الاقتصادية في نهاية المطاف إن أمكن في العشرية الثانية من فترة الاستشراف على سبيل الاحتمال، وذلك لأسبابٍ اقتصادية بدرجة أولى على المستوى الاقتصادي لكنها معززة بأسبابٍ ودواعٍ مركبة سياسية وثقافية وقومية عموماً تفسرها اتجاهات الإقليمية الجديدة التي تعطي وزناً لتلك الأسباب في تفعيل التكامل الاقتصادي، وهنا يكون التكامل الوظيفي مدخلاً راسخاً للتكامل السياسي، فيما إذا تم تجنيبه تأثير "النزوات" السياسية على المصالح الاقتصادية المشتركة.
 كما أوضح أن الدراسة قامت بتحديد الفرضيات والفرضيات المضادة في كل مشهد على حدة، وحددت القطاع- القاطرة لتحقيق التنمية في كل مشهد أيضاً، إلى جانب تحديدها للاعبين الأساسيين وتحديد الاتجاهات الإيجابية والسلبية لكل مشهد من المشاهد الثلاثة.
ثالثاً: المشهد التنموي الذي تبدو فرضياته  أكثر تعقيداً من فرضيات المشهد الليبيرالي، إذ يمكن القول إن فرضيات المشهد الليبيرالي تستتند إلى نموذج مبني ومكون وممأسس في نظام اقتصادي- تجاري عالمي مسيطر بقدر ما تبدو فرضيات مشهد الدولة التنموية في طور إعادة البناء والتكون في ضوء الخبرة الجديدة التي تعرضت لها تجربة التنمية في الدول النامية في مرحلة العولمة وتحرير التجارة العالمية. ويكمن التعقيد في أن مشهد الدولة التنموية يقوم على القطيعة عن المشهد الليبيرالي بالمعنى الإبيستمولوجي للقطيعة، أي أنه ينطلق في منظوره للتنمية من مرجعية مختلفة جذرياً عن المرجعية التي تحكم المشهد الليبيرالي، ويضع نفسه في سياق نموذج تنموي جديد بديل، ومن هنا فإنه ينطوي على شحنة معيارية بالضرورة.
وأوضح باروت أن كل المشاهد الاستشرافية تبدأ بالمشهد المرجعي أي بفرضية أن التطور سيكون وفق ما تم خلال العقود الماضية، وأن العوامل والظروف التي حكمت التطور الاجتماعي- الاقتصادي- السياسي ستستمر في حكم التطور المستقبلي خلال العقدين القادمين، وهذا اسمه مشهد استمرار الاتجاهات، وهو مشهد افتراضي.
 وبيّن الباحث أن الاقتصاد السوري شهد خلال العقود الثلاث الماضية ثلاث عمليات إصلاح تحريري، أو عمليات لبرلة هي على التوالي: الأولى جرت عام 1973، والثانية عام 1987 حين أفلست الدولة السورية من القطع النادر، أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة الإصلاح التحريري التي انطلقت بعد عام 2003، وترافقت مع تحرير شامل في عدة مجالات..
وتناول باروت مشهد الدولة التنموية الذي يشتمل على بعض عناصر ما يسمى بالتنمية الوطنية المستقلة المعتمدة على الذات، مؤكداً أن هناك اتجاهاً قوياً في المشروع لاعتماد هذا النوع من التنمية، ولكن الباحثين ارتأوا أن عملية تقرير مشهد معياري للذي يريده السوريون لأنفسهم تحتاج إلى إجراء حوار وطني معمق ما بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني والجهات الاجتماعية كافة، ويحتاج ذلك إلى مسوح معمقة وإلى ندوات مفتوحة واسعة لتقدير هذا المشهد المعياري، ولذلك وقف الباحثون عند حدود الاستشراف.
وتحدث عن الدور التدخلي للدولة بعد أن ظهرت بعض الفرضيات التي تشير إلى أن الموجة الليبرالية الجديدة تنكسر في العالم، وأن هناك اتجاهاً جديداً في نظيرات المداخل التنموية الجديدة تحاول أن تستفيد من تجارب منظمة شرق آسيا، لكن بعض التصورات أكدت على وجوب  وضع الموجة الليبرالية بين الفرضيات المطروحة، نتيجة لتعمق العولمة وتشكل منظمة التحارة العالمية الحرة وفي شروط نشوء محظورات ومقيدات كثيرة لعملية انتقال الاختراعات والابتكارات المثبتة في منظمة حقوق الملكية الفكرية.

وتحدث باروت عن الأرض، والموارد المائية كأساس للتحديات المجالية المستقبلية الأساسية في سورية، وعن مفاهيم وأدوات الإدراك الجديدة، وحيز الإمكانيات والفرص والخيارات خاصة وأن سورية تنتمي واقعياً إلى دول العالم مرتفعة الكثافة السكانية، وأن هذه الكثافة تعادل ثلاثة أضعاف الكثافة السكانية الحسابية، فبالمقارنة مع الصين المليارية تبلغ الكثافة السكانية في سورية 269 نسمة في الكيلومتر مربع، بينما لا تتجاوز في الصين 230نسمة، مؤكداً أن هذا يفرض ضغوطاً غير مسبوقة على مورد الأرض في حال استمرار الخلل في التوزع الجغرافي للسكان، وارتفاع حدة المنافسة على الأرض.
وفي نهاية المحاضرة أكد إن هذا المشروع تمتع بدعم كامل ومطلق من الإدارة السورية، ولم يكن لديهم سوى الاعتبار العلمي في كل المسائل في مجال الجيوستراتيجية أو مجال السياسة الداخلية، وإذا كانت هناك نقاط قوية في هذا المشروع فتعود إلى سبب واحد هو الحرية العلمية التي تمتع بها الباحثون.

سأتحدث بكلمتين قد تكون مفيدين للمشروع وللتوضيح فإن المشروع ليس حكومياً ولسنا لنا دور فيه، وأردناه مشروعاً وطنياً للمجتمع العلمي السوري وهذا هو المقصود ونحن في نهاية المطاف كحكومات نحن زبائن له ولسنا مولدين لها لأن سورية كانت من اللحظة الأولى لم تكن تملك رؤية استشرافية ولم تكن تعلم ماذا ستفعل غداً فكيف بمهلة  25 سنة نحن تستطيع أن نخطط ولكن لا نملك رؤية استشرافية حتى نتناقش بحرية كل السياسات الاستشرافية الإستراتيجية، والدليل خمس سنوات في التخطيط والتنمية تعتبر لا شيء في هذا المجال.
إن الذين يعملون في علم التنمية يجب أن نضمن لهم التمويل اللازم دون شروط تقيد الحرية وحرية الحوار المطلقة وثالثاً أن نضمن كيف تستفيد من نتائج هذا الكلام، والآن نحن بصدد مشروع وطني لتقديم مشروع استشراف وطني للطاقة ولو لم يكن لدينا لم يكن باستطاعتنا عقد مؤتمر وطني للطاقة والآن بدأت بوضع الخطة الحادية عشر التي ستأخذ مسارها من الخطة الاستشرافية ولم يعد بالإمكان تكرار تجربة الخطة الخمسية العاشرة أو تحقيق ذلك.
والشيء الأهم والثالث المرتبط بالاستشراف والتخطيط هو وضع خطة عشرية أي التخطيط لمدة عشرة سنوات لمزج المفهومين، ولو لم يكن لدينا هذا التخطيط لما استطعنا وضع خطة عشرية أن الكثيرين ممن عملوا في الخطة الاستشرافية عملوا مجاناً وتمييزاً في العمل التطوعي العام فمن رضي العمل بالقطاع العام يجب أن يرضى بأنه يمكن أن لا يأخذ شيء أو يناله وأخيراً لا بد من القول انه لا يمكن أن نقبل بإسرائيل ككيان غير شرعي بامتلاك كل شيء. ولكن كيف سنستفيد من هذا المشروع؟! لقد قرأنا نتاجه قدر الإمكان، ومن يدعي أنه قرأ نتاج هذا المشروع بكامله فهو مدع.. لم يقرأ أحد منا هذا المشروع بكامله!..».

د. معن نعمة:منذ سنة ونصف وبحضور بعض الدكاترة المشرفين على الخطة الاستشرافية في لقاء مع الدردري وبتوجيه من السيد الرئيس حول ماذا سيكون سورية في الخطة الاستشرافية عام 2025 فكان جواب أحد الناطقين باسم الحكومة اقرؤوا الفاتحة على كل ما قيل وكتب.
وهو ناقض نفسه أي الدردري عندما قدم في محاضرته الأولى بأن لم يقدم أي باحث بدراسة في زيادة القيمة المضافة فكان عليه أن يعتذر أولاً من هذا الكلام ثم يتحدث أن الخطة الاستشرافية إن الإدارة التي قدمت خطة الاعتماد على الذات كانت بمثابة الخطة الاستشرافية  أو حتى الخطط الخمسية، أن مثل هذه المشاريع هي وطنية بامتياز ويجب التعامل معه بوطنية فإذا كان هذا التعامل الأسوء من السوء مع كل شيء فلماذا وجود الحكومة أصلاً؟

 غادر النائب الاقتصادي الندوة بعد أن تحدث لمدة عشر دقائق مبرراً ذلك بضيق وقته، وقد علق أحد الحضور على هذا بالقول: "الأستاذ عبد الله الدردري رجل متفهم وديمقراطي نسبياً.


علي نمر

المصدر: بورصات وأسواق

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...