مناورة جوية إسرائيلية مع الأطلسي وأخرى للجبهة الداخلية

03-11-2011

مناورة جوية إسرائيلية مع الأطلسي وأخرى للجبهة الداخلية

عمدت إسرائيل في الأيام الأخيرة إلى إعطاء الانطباع بأنها تعد العدة بدأب لامتلاك القدرة على توجيه الضربة العسكرية لإيران. وفضلا عن التهديدات التي أطلقها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع إيهود باراك ساهم إعلان الجيش الإسرائيلي أمس عن تطورين عسكريين في تكوين الانطباع المطلوب. إذ أعلن في إسرائيل عن تجربة ناجحة لصاروخ بعيد المدى وكذلك عن إتمام مناورات جوية في جزيرة سردينيا مع أسلحة جو غربية. و«للمصادفة الكبيرة» أعلنت إسرائيل عن مناورة كبرى للجبهة الداخلية تقوم على فرضية حرب شاملة وتعرض المنطقة الأكثر كثافة سكانية «غوش دان» وفيها تل أبيب لهجمات صاروخية واسعة.
وقد وصل وزير الدفاع الإسرائيلي إلى العاصمة البريطانية في وقت نشرت فيه صحيفة «غارديان» أن سلاح الجو البريطاني يتدرب لمساعدة الولايات المتحدة في حال مهاجمتها للمنشآت النووية الإيرانية.
وقد خرج النقاش في إسرائيل حول الضربة العسكرية لإيران عن كل سياق حيث باتت الصحف الإسرائيلية والمعلقون
السياسيون والوزراء يناقشون الأمر علنا. وقد حمل الوزير بني بيغن بشدة على رئيس الموساد السابق مئير داغان الذي كان بين أول من أثاروا الضرر الناجم عن مجرد التفكير بمهاجمة إيران عسكريا. وقال بيغن إن «هذه خيانة للأمانة، وهذا أمر مقزز. وعمل شائن منبعه في جنون العظمة لدى أناس».
كما انبرى الوزير دان ميريدور لمهاجمة النقاش الدائر معتبرا أنه بات ضارا بقدرات إسرائيل الردعية. وقال ميريدور الذي هو وزير شؤون الاستخبارات لـ «معاريف» إن «النقاش في مثل هذا الموضوع أخطر في نظري من تسريبات عنات كام». وشدد على أن «نقاشا علنيا في مثل هذا الموضوع ليس أقل من فضيحة. لا أعتقد أنه كان في أي وقت مضى نقاش كهذا. يدور الحديث عن مس بالقدرة الاساس للدولة على أداء مهامها. ليس كل شيء يجب أن يطرح على النقاش الجماهيري». وليس صدفة أن هذين الوزيرين هما من بين أعضاء هيئة الثمانية التي تحسم فيها الأمور ذات الطابع الأمني المميز. ومعروف عنهما أنهما يعارضان الهجوم العسكري على إيران.
غير أن الأمور بلغت مرحلة أعلى من التوتر الداخلي باندفاع «مصدر سياسي رفيع المستوى جدا» لتوجيه الاتهامات لوزير الدفاع، باراك، بأنه قاد إلى نشوء نوع من الهستيريا في إسرائيل حول الموضوع الإيراني وأضر بأمن إسرائيل. وأثار هذا المصدر في مقابلة مع موقع «يديعوت احرونوت» الالكتروني احتمال أن لا يكون باراك معنيا بخطوة عسكرية ضد إيران ولكنه «يستخدم هذه الورقة لاستغلال رئيس الحكومة ومحيطه وبذلك يبرر مجرد بقائه في الحكومة. فمن دون الموضوع الإيراني لا حق له بالوجود في الحكومة».
وعرف الكثيرون بأن الكلام منسوب لنائب رئيس الحكومة موشي يعلون، المعارض أيضا للهجوم على إيران. وهذا ما حدا بديوان باراك للرد على يعلون بالاسم واتهامه بأنه لا يعرف ما يتحدث عنه. وقاد الرد العنيف من جانب باراك مكتب يعلون للإعلان أنه لم يتحدث في الأيام الأخيرة مع الصحافي في «يديعوت أحرونوت» الذي نشر الاتهامات.
وفي كل حال خرجت «هآرتس» يوم أمس بعنوان رئيسي حول سعي نتنياهو وباراك لتكوين غالبية مع الهجوم العسكري على إيران في هيئة الثمانية. وكتب المراسل السياسي للصحيفة أن هناك تفوقا طفيفا داخل هيئة الثمانية لمعارضي الهجوم على ايران. وكان نتنياهو قد أدخل وزير المالية يوفال شتاينيتس إلى هيئة الثمانية التي كانت في الأصل سباعية بقصد كسب صوته. إلا أن شتاينيتس، كما يبدو لا يؤيد عملية عسكرية في ايران في هذه المرحلة. وبذلك انضم الى مجموعة متبلورة من أربعة وزراء – موشيه يعلون، دان ميريدور، بني بيغن وايلي يشاي – ممن يعارضون بشدة عملية عسكرية في التوقيت الحالي. ويعتقد الاربعة بأن على اسرائيل ان تواصل تجنيد الغرب لممارسة ضغط سياسي واقتصادي على ايران، وأنه محظور على اسرائيل ان تنطلق الى عملية دون تنسيق كامل مع الادارة الاميركية.
وأشار المراسل العسكري للصحيفة إلى أن القرار النهائي بهذا الشأن لم يتخذ بعد. إذ أن الهيئة المخولة بذلك هي المجلس الوزاري المصغر أو الحكومة، لا الثمانية (التي ليست لها المكانة الرسمية) – وهذان الاثنان لم يبحثا الامر البتة. بقي احتمال ان الحديث لا يزال يدور حول استعمال ضغط اسرائيلي يشبه حيلة «أمسكوني»، التي ترمي الى أن تعيد الى برنامج العمل الانشغال بالتهديد الايراني الذي أُبعد عن رأس برنامج العمل الاميركي بسبب تحولات الربيع العربي.
وأوضح المراسل العسكري، عاموس هارئيل، أن وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا جاء لإسرائيل برسالة معلنة. وقال انه ينبغي لاسرائيل ألا تعمل ضد ايران من غير تنسيق كامل مع الجماعة الدولية. ووجد في القيادة الإسرائيلية من أصروا على ان يقرأوا رسالة بانيتا على أنها موافقة صامتة على عملية اسرائيلية في المستقبل. ويُثار هنا تقدير ان الرئيس الأميركي باراك اوباما الذي سيدخل هذا الاسبوع سنة الانتخابات في موقف منحط في استطلاعات الرأي، لا يستطيع ان يسمح لنفسه في ان يجابه حكومة اسرائيل مباشرة في هذا الوقت وان يعرض نفسه لخطر خسارة حرجة للصوت اليهودي.
ويضيف هارئيل أن إسرائيليين آخرين يُصرون على استنتاج معاكس: وهو أن ألـ «لا» تعني «لا» عند الاميركيين. فالولايات المتحدة تعتقد ان هجوما اسرائيليا سيعقد الوضع في الشرق الاوسط (والمصالح الاميركية فيه) تعقيدا تاما ولهذا ما تزال تعارضه.
على أية حال جرى الإعلان في إسرائيل عن انتهاء مناورات جوية مشتركة في سردينيا مع أسلحة جو من حلف الناتو في جزيرة سردينيا. ورغم أن المناورات انتهت يوم الجمعة الماضي بعد انقضاء خمسة أيام على بدئها إلا أن الإعلان عنها أمس جاء لتأكيد الانطباع الذي تريد إسرائيل خلقه بشأن رفع مستوى جاهزيتها لضرب إيران إلى المستوى العملاني. ولم يكن صدفة أن يسمح الجيش الإسرائيلي لوسائل الإعلام بإجراء مقابلات مع الطيارين بل وتوضيح طبيعة ومهام المناورة. ومما نشر يتبين أن ستة أسراب من طائرات «إف 16» الإسرائيلية وصلت إلى سردينيا والتي هي على مسافة أبعد من طهران وتدربت على التزود بالوقود في الجو.
وبحسب ما نشر فإن المناورة شملت كل مكونات العمل الجوي الكامنة في هجمات بعيدة المدى. إذ كما سلف شاركت في المناورة طائرات للإمداد الجوي بالوقود وطائرة قيادة ومراقبة جوية. وقد بدأت المناورات بأربع عشرة طائرة «إف 16» تنتمي لثلاثة أسراب مختلفة. وانضمت لهذه الطائرات طائرة بوينغ للإمداد الجوي بالوقود وطائرة من طراز «غالفستريم» تم تحويلها إلى طائرة قيادة وإنذار مبكر. وشاركت الطائرات في تدريبات على المعارك الجوية ضد طائرات «يوروفايتر» الإيطالية و«تورنادو» الألمانية و«إف 16» الهولندية.
و«للمصادفة البحتة» أعلنت إسرائيل عن نجاح تجربة صاروخية أطلقت من قاعدة بلماخيم. ورغم أن البيان الإسرائيلي الأول لم يتطرق إلى تفاصيل إلا أنه لاحقا تم تسريب أن هذا صاروخ بعيد المدى جديد قادر على حمل رأس حربي نووي وهو من تطوير الصناعات الإسرائيلية. وألحقت وزارة الدفاع الإسرائيلية بيانها بتوضيح يسري على أخبار المناورة والصاروخ والأخبار اللاحقة يفيد بأن تجربة الصاروخ كان مخططا لها منذ زمن طويل.
وأشارت صحيفة «هآرتس» إلى أن تجربة الصاروخ الحالية تشبه تلك التي جرت في العام 2008 وأن الأمر يتعلق بطراز جديد من الصواريخ العابرة للقارات القادرة على حمل رأس حربي نووي. وأن إسرائيل، وفق ما ينشر في الخارج، تحتفظ بثلاث بطاريات صواريخ كهذه في قاعدة سلاح الجو الإسرائيلي في بيت شيمش قرب القدس. وتستند تقنية الصواريخ الجديدة هذه على تقنية صاروخ «شافيت» الذي أوصل أقمار التجسس الإسرائيلية «أفق» إلى الفضاء الخارجي. من جهة ثانية تحدث المراسل العسكري للقناة العاشرة عن أن إسرائيل تمتلك المئات من صواريخ «يريحو» 1 و2 وأنها تعكف على تطوير صاروخ «يريحو 3» الذي يبلغ مداه حوالي 6 آلاف كيلو متر.
واعتبر وزير الدفاع الإسرائيلي نجاح إطلاق الصاروخ إنجازا آخر للصناعات العسكرية الإسرائيلية. وفي نظره «هذا إنجاز هام في تقدم إسرائيل في مجال الصواريخ والفضاء جرى التخطيط له منذ وقت طويل». و«هذه التجربة الناجحة تثبت مرة أخرى المستوى الرفيع جدا للمهندسين، الفنيين ورجال الصناعات الأمنية الإسرائيلية».
وأجرت إسرائيل مناورة لقيادة الجبهة الداخلية في المنطقة الوسطى تستمر يومين وهي ترتكز إلى فرضية مواجهة حرب شاملة تسقط فيها صواريخ على مناطق مأهولة توقع الكثير جدا من الإصابات. وتعتبر هذه المناورة قيادية لأنها تتعاطى مع طريقة تعامل القادة وأجهزة الإنقاذ مع هذا الوضع. وتركزت المناورة أمس في منطقة حولون قرب تل أبيب ولكن اليوم ستسمع صافرات الإنذار في كل من تل أبيب ورمات غان وحولون وبات يام، آزور، جفعتايم، بني براك وصولا إلى ريشون لتسيون. ويسكن في هذه المنطقة أكثر من نصف سكان إسرائيل. وتشارك في المناورة وحدات الحرب الكيماوية والإطفاء وقوات الطوارئ والإنقاذ المدني.
وتساءل أنشيل بابر في «هآرتس» عما إذا كانت هذه المناورات والتجربة الصاروخية مجرد صدفة أم أنها أفعال تقع في دائرة الاستعداد لتوجيه الضربة العسكرية لإيران.
ولكن التساؤل لم يكن حكرا على إسرائيل وحسب بل تعداه إلى بريطانيا التي وصلها أمس وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك. فقد نشرت صحيفة الـ«غارديان» أن سلاح الجو البريطاني يتدرب على مساعدة الجيش الأميركي في ضربته العسكرية لإيران إذا قررت أميركا ذلك. وأشارت الصحيفة إلى أن إيران قد تنهي حتى نهاية العام المقبل إخفاء منشآتها النووية في ملاجئ عصية على التدمير. وهذا يعني أن هامش زمن توجيه ضربة عسكرية لإيران تقلص إلى هذه الحدود ومن الجائز أن أوباما سيضطر لاتخاذ القرار بشأن إيران قبل الانتخابات. يذكر أن رئيس الأركان البريطاني حل ضيفا هذا الأسبوع على نظيره الإسرائيلي بني غينتس.

حلمي موسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...