معركة الانتخابات المصرية: التكتلات والاصطفافات والتوقعات

25-11-2010

معركة الانتخابات المصرية: التكتلات والاصطفافات والتوقعات

الجمل: تركزت التقارير والتحليلات السياسية الجارية هذه الأيام على معركة الانتخابات العامة المصرية وقائعها الجارية في الشارع المصري الذي أصبح هذه الأيام أكثر تسييساً، ولكن ما هو جدير بالاهتمام يتمثل في مستقبل مصر على ضد معادلة الاستقرار السياسي، والتي بدأت حساباتها تفيد لجهة أن الفرص المتاحة قد تقلصت إلى أدنى ما يمكن مقابل المخاطر الماثلة التي ارتفعت لأكبر ما يمكن: فما هي حقيقة الأزمة المصرية؟ وما هي منابعها؟ وهل من الممكن احتواءها؟خارطة توزع السكان في مصر على طول حوض النيل
* المسرح السياسي المصري: توصيف المعلومات الجارية
بعد بضعة أيام، وتحديداً في يوم 28 من هذا الشهر سوف يتوجه المصريون لصناديق الاقتراع من أجل الإدلاء بأصواتهم لاختيار أعضاء مجلس الشعب المصري الجديد البالغ عددهم 444 نائباً، هذا وتتصارع من أجل السيطرة على مجلس الشعب المصري الجديد العديد من القوى السياسية التي تعكس خارطة الاصطفافات الجارية في أوساط الرأي العام المصري، ويمكن الإشارة إلى هذه الاصطفافات على النحو الآتي:
•    كتلة التيار الحاكم: وتتضمن أنصار الحزب الوطني الحاكم وزعيمه الرئيس حسني مبارك.
•    كتلة التيار الإسلامي:  وبرغم تعدد القوى الإسلامية فإن حركة الأخوان المسلمين تمثل الفصيل الرئيسي في هذا التيار.
•    كتلة التيار القومي العربي: وتتكون بشكل أساسي من الناصريين الذين تحولوا بسبب الخلافات والانقسامات إلى فصيلين أكبرهما هو الحزب العربي الديمقراطي الناصري.
•    كتلة التيار القومي الاجتماعي: وتتكون بشكل أساسي من عدة أحزاب وحركات وأكثرها حضوراً في الساحة هو حزب الوفد الجديد.
•    كتلة التيار اليساري: توجد في مصر العديد من الحركات ذات التوجهات اليسارية والاشتراكية والشيوعية، وحالياً يمثل حزب التجمع الوطني أكثرها نفوذاً وحضوراً في الشارع المصري.
هذا، وعلى أساس اعتبارات التصنيف النوعي السياسي، تنقسم الكتل السياسية المصرية إلى ثلاث مجموعات على أساس اعتبارات توجهاتها السياسية الكلية وهي:
-    مجموعة القوى اليمينية: وتنقسم إلى "يمين" تمثله جماعة الأخوان المسلمين وحزب الوفد الجديد، و"يمين وسط" يمثله الحزب الوطني الحاكم.
-    مجموعة قوى الوسط: وتتكون من عدد كبير من الحركات ذات التوجهات الليبرالية، ومن أبرز الممثلين لهذه المجموعة نجد حركة كفاية.
-    مجموعة قوى اليسار: وتنقسم إلى "يسار" ويمثله الحزب الشيوعي المصري وحزب العمال الشيوعي المصري –المحظورين- و"يسار الوسط" ويتمثل في حزب التجمع الوطني والحزب العربي الديمقراطي الناصري.
أما على أساس اعتبارات الحجم والوزن الجماهيري، فحالياً توجد في مصر القوى السياسية الرئيسية الآتية: الحزب الوطني الديمقراطي، حزب الوفد الجديد، حركة الأخوان المسلمين، الحزب الوطني الوحدوي التقدمي، الحزب الناصري، حزب الأحرار وحزب مصر الغد.
* معادلة حسابات الفرص والمخاطر: مصر إلى أين؟
تبدو معركة الصراع السياسي المصري-المصري وكأنما هي معركة انتخابية برلمانية تكتسب حرارة أكبر بفعل تأثيراتها على الانتخابات الراسية القادمة والتي سوف تحدد من الذي سوف يجلس على منصب الرئيس المصري، ولكن، وبالتدقيق الفاحص نلاحظ أن جذور الصراع السياسي المصري-المصري تمتد عميقاً في البنية السياسية المصرية والعربية والشرق أوسطية، وبالتالي، فإن محاولة الإمساك بجذور الأزمة السياسية المصرية تقودنا إلى محاولة أخرى وهي التعرف على منابع الأزمة الحالية من خلال الإجابة على السؤال القائل: لماذا أصبح المواطن المصري أكثر سخطاً وغضباً في هذه الأيام؟
تحديد الإجابة على هذا السؤال يقودنا مباشرةً إلى معايرة القدرات الإستراتيجية المصرية، وما أصابها خلال الفترة الممتدة من لحظة التوقيع على اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية وحتى الآن، وفي هذا الخصوص نشير إلى المعطيات الآتية:
•    القدرات الاقتصادية: يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي 469.8 مليار دولار بمعدل نمو في حدود 4.7% في العام ومساهمة القطاعات هي: الزراعة 13% وتستوعب 325 من قوة العمل، الصناعة 37% وتستوعب 17% من قوة العمل، والخدمات 48.5% وتستوعب 51% من قوة العمل. إضافةً لذلك يبلغ حجم البطالة 9.37% وحجم التضخم 13%، وبتحليل هذه الأرقام نلاحظ مدى كبر حجم البطالة وحجم التضخم، إضافةً إلى حجم قطاع الخدمات والعمالة التي تستوعبها يشيران بشكل واضح إلى أن أكثر من نصف الاقتصاد المصري هو عبارة عن أنشطة غير منتجة، ومن غير المنطقي أن يعمل 51% من السكان في خدمات هامشية مثل المكاتب العقارية وشركات السمسرة والعلاقات العامة وما شابه ذلك. إضافة ً لذلك، تشير الإحصائيات إلى تزايد معدلات الدين الخارجي ومعدلات خدمات فوائده إضافةً إلى تزايد  معدلات التبعية الغذائية غير المسبوقة.
•    القدرات السكانية: بلغ حجم الكتلة الديموغرافية المصرية 80 مليون نسمة، ونلاحظ أن هذه الكتلة تتمركز في 7% من مساحة مصر وبقية الـ93% هي عبارة عن مناطق خالية من السكان، وإضافة لذلك يبلغ عدد سكان القاهرة وحده حوالي 35 مليون نسمة، والبقية تتوزع على بعض المدن المصرية، الأمر الذي أدى إلى اكتظاظ المدن المصرية، وحتى الآن لم تسعَ الحكومة المصرية إلى حل مشكلة الاكتظاظ السكاني باللجوء إلى المدن الزراعية في الواحات الغربية وبناء المدن السياحية والتعدينية في سواحل البحر الأحمر الجبلية.
•    القدرات التكنولوجية: تعتبر مصر دولة مستوردة للتكنولوجيا، وحتى الآن مازال القطاع الصناعي المصري لا يتعدى نطاق أنشطة صناعة النسيج ومواد البناء والصناعات الغذائية إضافةً إلى القليل من الصناعات الكيماوية والمعدنية.
•    القدرات العسكرية: يتميز قطاع الدفاع والأمن المصري بالحجم الكبير لجهة الكثافة العددية، ولكن على أساس الاعتبارات النوعية فقد تراجعت القدرات بسبب التبعية التسليحية وضعف الإنفاق.
•    القدرات السياسية: تعتمد مصر النظام الرئاسي البرلماني، والذي يجمع بين الطابع الشمولي والليبرالي، الأمر الذي أدى إلى إفراغ النظام السياسي من محتواه الحقيقي، وإضافةً لذلك، فقد تزايد الانكشاف السياسي المصري بقدر أكبر بسبب انكشاف السياسة الخارجية المصرية والتي أصبحت بسبب التبعية لأمريكا تمارس حضورها القوي على السياسة الداخلية المصرية، وبكلمات أخرى لم تعد السياسة الداخلية تتميز بالاستقلالية، وإنما أصبحت تابعاً لتوجهات السياسة الخارجية المصرية، بما أدى بدوره إلى دفع صانع قرار السياسية الداخلية لكي يعمل ليس من أجل إسناد ودعم الوضع الداخلي، وإنما لجهة إسناد ودعم السياسة الخارجية والتي لا تعبر عن شيء سوى إنفاذ جدول أعمال السياسة الشرق أوسطية مقابل الحصول على المعونات والمساعدات الأمريكية التي أصبحت شحيحة هذه الأيام.
وتأسيساً على تزايد المؤشرات الكلية الدالة على تدهور الأوضاع الداخلية المصرية، يمكن أن نستنتج المخاطر المترتبة عليها وفقاً للآتي:
•    المخاطر الاقتصادية: وتتمثل في انخفاض مستوى الدخل وتدهور القدرات الشرائية وتدهور الخدمات الأساسية إضافةً إلى تزايد البطالة وندرة الموارد الغذائية.
•    المخاطر السياسية: تزايد السخط والاحتجاجات العامة، بما يؤدي إلى تزايد التصعيد وعمليات التعبئة السياسية السلبية الفاعلة.
•    المخاطر الاجتماعية: تزايد معدلات الفساد ونهب المال إضافةً إلى تزايد معدلات الجريمة والتفسخ الاجتماعي وتفشي المخدرات والأمراض.
•    المخاطر الأمنية: تزايد معدلات التدخل الأجنبي وتغلغل أجهزة المخابرات الأجنبية وعلى وجه الخصوص جهاز الموساد الإسرائيلي ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية بما يمكن أن يجعل من مصر بؤرة لشن العمليات السرية والحرب السرية ضد مصر وبقية البلدان العربية.
سوف تمضي الأزمة السياسية المصرية مستصحبة معها تزايد المحفزات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وذلك على السواء إذا استمر نظام الرئيس حسني مبارك أو جاءت  المعارضة السياسية بدلاً عنه، وذلك لأن معطيات الأزمة الحالية قد تغلغلت في القوام الجيوسياسي المصري بما أدى إلى جعلها تأخذ طابع الأزمة الهيكلية، وبكلمات أخرى أكثر وضوحاً، إن الكتلة السكانية البالغ عددها 80 مليوناً لن تستطيع المساعدات الأمريكية أن توفر لها الغذاء والدواء وبنفس القدر لم تستطيع أجهزة الأمن المصرية من القيام بفرض سيطرتها المطلقة واحتواء وترويض كتلة بشرية بهذا الحجم، وبالتالي سوف يظل السؤال المصري الحرج قائماً لفترة طويلة قادمة وهو: ما العمل؟

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...