مسرحية «نيكاتيف» لنضال سيجري: أول الهزيمة في الفراش

16-10-2010

مسرحية «نيكاتيف» لنضال سيجري: أول الهزيمة في الفراش

نضال سيجري في «نيكاتيف» يقدِّم دراما من فن بصري - هو يضعنا في (الفرجة)؛ جئنا لنتفرَّج لا لنسمع. فأوقعنا في سراويل وحمّالات صدر - نهود نسائية؛ سراويل/ كيلوتات مهترئة من كثرة ما رقَّعتها – رتقتها سميَّة زوجة الجنرال الذي يخوض الحروب مع العدو وبخيطان من كل الألوان صار لونها - لونه بلون خارطة الوطن العربي. لكنَّه كما هو عنِّين في الحرب هو عنِّين في الفراش وقد امتلأ كيلوت زوجته بالرقع النياشين. نضال سيجري يبدو أليماً متألِّماً/ ملتئماً. المسرحية بالأساس هي فكرة؛ كاميرا تصوير فوتوغرافية قديمة وربَّما سينمائية - على أنَّها في الحالين خشبةٌ أو حامل كاميرا عندما يرفع الغطاء الأسود عنها في آخر العرض للعودة إلى الصالة إلى الواقع. لكن لنفترضها كاميرا سينمائية، والمصوِّر المخرج يقف خلفها ليُصوِّر الجنرال كرمزٍ لرأس الدولة ومعه حاشيته وأيضاً الشعب. إمعاناً في السخرية
عش مفكِّراً
أمام الكاميرا الكل يقف بـ«خشوع»، فالكل يريد أن يزهو. حتى الجنرال الذي لم يربح نصراً كلَّما وقف أمامها ليتحدَّث عن معركة مع العدو تقمعه زوجته بالقول (سكوت، سكوت) لأنه سيكذب. فهو مهزومٌ في الفراش، مهزومٌ في سرير الزوجية، فكيفَ يجد النصر في فراش الميدان مع عدو أكثر تفوقاً في العدَّة والعتاد، وفوقها أنَّ كلَّ الدلائل المادية تثبت هزيمته وخسارته إن لم نقل (خيانته). خيانة كنَّا نتفرَّج كيف تتطوَّر أفعالها - نضال.. صحيح أنَّه كتب فكرة كاميرا تصوِّر حالنا؛ لكنَّه في العرض استطاع أن يحوِّلها إلى فعل ينمو درامياً، وكأنَّ نضال سيجري يريد أن يقول للمتفرِّج: عش مفكِّراً يا حبيبي. وإذا كنت تريد أن تحلم بالنصر أو بالنجاح أو بالحرية أو بممارسة الأفعال التامة والناقصة وحتى الشاذَّة فلا تترك عملك، لا تترك المسرحية وتذهب إلى الفراش لتحلم أحلامك. لأنَّه دائماً هناك طاغية لايتركك تنام - تحلم. فسميَّة وبعد أن لبست ثوب الزفاف وهذا أحد أحلامها الذي سيتحقَّق تراها وقد انكسر حلمها - خاطرها وهي أمام الكاميرا فيُقتل أباها على أنه (انتحر). ولمَّا غسَّلوه وكفَّنوه كان عند «بالوعة» الصرف الصحي ليس تكريماً له ولكن لإذلالنا، فسميَّة وباقي أفراد أسرتها كانوا تربُّوا جانب وفوق وتحت البالوعة التي هي مصدر الإرهاب.
نضال سيجري هنا سيذهب إلى التاريخ المظلم لأميركا وعملائها، التاريخ الغبي والمأساوي، فيفرجينا وعبر جسد ممثليه السبعة: رغداء جديد، بسام جنيد، نجاة محمد، مصطفى جانودي، الحسن يوسف، هبة دياب وهاشم غزال الاستلابَ السياسي، فكيف تسأل شخصية تدين بالمسيحية عن عضويتها أو فيما إذا كانت منتسبة إلى تنظيم (القاعدة) فتدافع هذه الشخصية عن نفسها وبتهكم: أنا مسيحي. طبعاً الرد هذا ليس صوتياً فكلا الممثلين كان في وضعٍ مريب على الخشبة فلا تُلصق بهما هذه التهمة، فأميركا التي طلعت على القمر عاجزة عن اجتثاث جذور الإرهاب، هكذا يبدأ الممثلان استهجانهما فلا يكونان ضحية مجانية للموت، ألا يكفي؟؟.. قمع إيديولوجي وقمع شبقي وقمع لا يعلم إلا الله اسمه هذا الذي ستخرج علينا به أنظمتنا المدعومة ليكون سبباً فتجزَّ رؤوسنا باسمه وعلى بركته؛ رؤوسنا التي هي رؤوس «بابور» كما يقول الممثِّل تطبخ عليه كل العمليات/ الطبخات الخيانية. صحيح أنه رأسنا لكنَّه ليس رأسنا. لقد جُزَّ، استبدلَ . وإذا قال رأسك إنَّه سيمارس حريته؛ ديموقراطيته ويقول أنا يساري، فإن الرأس الذي ليس رأسنا سينوب عنه ويقول له قل: أنا يميني. فالرأس الذي ليس رأسكَ سيُملي عليك ما تقوله وما تفعله.
إمعاناً في السخرية
نضال سيجري في «نيكاتيف» لا يقدِّم نصاً وعرضاً من أشباح وأورام، فهو وبمنتهى الجرأة يصطدم، يصادم، يصدم قوَّادي وعرَّابي الهزائم والانتكاسات التي تحل بالإنسان العربي. هؤلاء القوادون الذين يمثِّلون مؤسَّسة اللسان/ الصوتيات الرسمية، ويكرِّرون الكلام ذاته في المدرسة والجامعة والحزب، المنظمات، الإذاعة، التلفزيون - كلاماً فقد شبقيته السياسية والاجتماعية والثقافية لأنهم هم (القاعدة) فيما نحن المنكوبين بهم نمثِّلُ الاستثناء. فنضال يقول ما يقول في «نيكاتيفه» لكن ضمن فرجة فلا يحبس لسانه في لسانه، فلسانه ينطلق مثل حصان. يتحوَّل إلى حصان ليس على مبدأ إنْ صنته صانَكَ حتى ولو كان الجنرال يسوِّر الحياة من حولنا بالنار. بل لتقولَ وتقول، وتعترضَ وتعترض، فاللسان يجرح ويسحر، ولا تنفِّذ إلاَّ ما يوسِّع سلطاتك الإنسانية، وبعدها ليلعن أبوك - أبو من يعترض. هنا نرى في الفرجة التي يقدمها نضال سيجري معارضةً وهجاءً وهجوماً على (سُكوت العارف) الذي لا يرفع صوته حتى ولا بالدعاء الذي هو أضعف الإيمان، فـ«مانيفستو» الاستبداد والقمع ما زال يرعى ويحمي انحطاط العقل العربي فلا يفكِّر في حريته وكأنَّنا أمَّة منحطَّة، وهذا ما يقهر نضال سيجري كما يقهرنا كمتفرجين فنموت ذاك الموت الكاذب ذاك الموت الشنيع.
وحتى لا تسقط المسرحية في المباشرة السياسية، في الاجتراء على الطغيان بالحكي والحكي فقد سعى سيجري ومعه الممثِّلون وحتى الفنيُّون: قيس زريقة، هاكوب عيد، عماد خدام، سوسن عطاف، هاشم غزال وأنس إسماعيل الذي قدَّم العرض بالصورة الفوتوغرافية مرافقاً مراحل تطوُّر الفكرة إلى فعل من مرحلة النيكاتيف إلى مرحلة تظهير الصورة - سعوا معاً لتجسيد الأفكار بشكل حيّْ على الخشبة مواجهين مصائب الحياة - مصائبنا، لكن بطريقة تعبيرية. فالفعل المسرحي كان يتفجَّر بحركاتٍ متوافقة؛ ومتوافقة متعارضة أحياناً ذلك إمعاناً في السخرية، فكنَّا نرى صورتين؛ صورة الكاميرا التي يعذِّبها نضال سيجري، والصورة التي تناظرها والتي هي صورة قوِّتنا التي يستضعفها الجنرال.

أنور محمد 

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...