مجلس أمة .... أم مجلس قرية

06-08-2016

مجلس أمة .... أم مجلس قرية

الجمل ـ م. رشاد أنور كامل: تتطاير الآراء كالشرر في موضوع تمت مناقشته ربما كاقتراح في جلسة لمجلس الشعب أو على فنجان قهوة في اروقته، الموضوع القديم الجديد هو حول إلغاء مادة التربية الدينية من المناهج التربوية السورية. وهذا الطرح من حيث الموضوع ليس بجديد، ولا بالمفاجئ ، لا بل أصبح جزءاً من فلكلور حواري  لتأكيد فرز "مواقفي" بمجمله يتمحور حول أهمية مادة ما أو عدمها ودورها في التماسك والسلم الاجتماعي السوري أو دورها في تعزيز التفريق والفرقة المبنية على الخطاب الديني المتشدد.
المؤسف في هذا الطقس الفلكوري أنه في كل مرة يعزز حواراً أشبه بحوارات القرية حول فضيحة أو حدث مهم ، أو طريق سيشق بعض أراضي الضيعة، وقسم من الأهالي يراه ضرورياً للضيعة وتطورها، والقسم الآخر يراه نقمةً لما سيجلبه عليهم من خسارة أراضي وخسارة شباب الضيعة ممن سيجدون في الطريق الجديد وعابريه مركبا سيركبونه مبتعدين عن القرية ومخاتيرها .
والفلكور المرافق عادة للحديث عن إلغاء مادة التربية الدينية في المدراس ، يرافقه الكثير من الطقوس الحوارية التي هي أشبة بمسرحية تعيد تمثيل أسطورة أو حدث جلل ومهم ، ويعاد بنفس الحوارات ولكن بأبطال جدد مع كل عرض له . وأريد هنا ان أسجل اني معجب بالنص المسرحي المعد لهذه القضية كونه تطورمع التكرار فاصبح فعلاً نصاً جيدا لدى الطرفين ، ومناظرة من أروع ما يمكن ، ومسلية ايضاً، ولكنها تبقى مسرحية ضمن مسرح مدرسي في قرية ..
والاحرى بمجلس الشعب كان ومنذ زمن طويل أن يطرح عوضا عن ذلك "استراتيجية وطنية للتعليم في سورية" ..
عقود طويلة مرت ، ولم يسأل أي منا : هل لدينا في سورية استراتيجية للتعليم ؟
وحتى لا نخلط بين استراتيجية التعليم وقرارت الزامية التعليم وماورد حولها من حقوق دستورية وقانونية ، لابد أن نسأل السؤال بشكل أبسط : ماهي النتائج الوطنية التي نتطلع الحصول عليها من التعليم؟
وهناك سؤال مصيري ولكنه يعالج تاريخيا  في سورية على انه سؤال عاطفي جوابه في الغالب يكون قصائد سياسية ممجوجة تلقى على الطلاب مع كل مناسبة يضطرون فيها للاستماع للسياسين حول دور شبابنا وشاباتنا في بناء سورية المستقبل. كل ذلك دون طرح السؤال الأهم: ماذا نريد كأمة من خرجينا الشباب والشابات ؟ حقيقةً ! ماذا نريد منهم ؟ ومالذي نتوقعه من نظامنا التعليمي ومن مناهجنا ؟ وصولاً الى السؤال الأكثر غموضا في سورية : من وضع المناهج وقررها، وعلى أي أساس ؟
لنبدأ من الحقائق ، نحن في سورية الى الآن ليس لدينا استراتيجية تتعلق بالتعليم ... نقطة آخر السطر ...
نحن لدينا قرار بأن التعليم مهم ويجب ان نوفره للجميع ومجانا ، ولكن هذا مبدأ دستوري وليس استراتيجية.
الاستراتيجية يجب ان تبنى على الحاجات ، لا على المجهول ، أي أنه يجب أن تنتطلق من معطيات وتنتهي الى نتائج محددة تحكمها ضوابط تأشيرية تدلنا على نجاح خطوات الاستراتيجية ضمن الاطار الزمني المرسوم لها ، والذي غالبا مايكون لمدة لاتقل عن 30 سنة لاي استراتيجية تعليم في أي بلد ... يتصرف كأمة لا كقرية ...
في القرية تستطيع أن تأخذ قرار بأن جميع شباب وشابات القرية يجب ان يتعلموا ، وان لا أمية في هذه القرية ، وغالبا ما ستأخذ هذه القرية ومخاتيرها وأعضاء مجالسها المحلية جوائز لمبادراتهم وإصرارهم على تنفيذ ذلك .
ولكن بدون استراتيجية تظلل قراراتهم تلك وتؤطرها ضمن مسارات تنموية محددة، قد تنعكس اختصاصات أولادهم نقلةً تنموية عندما يتخرجون ليجدوا ان لا وظائف لهم ولا لاختصاصاتهم .
استراتيجية التعليم يجب ان تكون موازية للاستراتيجة الوطنية للتنمية طويلة الأمد (والتي لا أظنها أيضا متوفرة الا بشكل خطط خمسية) ، فالخطط التنموية طويلة الأمد تنظر الى موقع بلد ما بعد ثلاثين سنة ، ماهو شكل اقتصاده (خدمي – زراعي – صناعي ) ماهي الحاجات التنموية مع اسقاطها على الخارطة الديمغرافية ، كيف سنحافظ على تنمية مستدامة دون أن نسبب في انزياح سكاني (أي هجرة المتعليمن من الريف للمدينة) . ونصل عندها الى السؤال الهام تعليميا :كيف ستفيدنا مناهجنا وأدواتنا التعليمية وخريجينا في تحقيق خططنا التنموية ؟.
بانعدام خطة تنموية شاملة تطرح للسوريين للثلاثين سنة القادمة لن يمكننا بناء استراتيجية وطنية للتعليم  (أعلم أنكم تبتسمون الآن من طرحي هذا فنحن بأيام الرخاء لم نخطط لأبعد من خمس سنوات).
فماذا نفعل ؟
هل نبقي الوضع على ماهو عليه ؟
هل نلغي مواد ونضع مواداً عوضا عنها ؟
هل فعلاً مؤشرنا لفشل مادة ما هو فشل رؤيتنا الرومانسية لدورها ؟
هل نجحنا مثلا في اللغة العربية التي لا أعرف من هو العبقري الذي قرر تغطية ضعف أجيال كاملة فيها أن يمد تدريسها لكل السنوات الجامعية وإضافة كتاب القواعد للصف الأول الابتدائي ، تاهمين جيلاً بالغباء اللغوي عوضا عن مراجعة مناهج وضعها على ما يبدو خبراء باللغة العربية ... بدون أي مقياس تنموي وظيفي لها.
هل نجحنا مثلا في مواد التربية القومية التي تدرس منذ الصف الأول الى الثانوية ، واقحمت الى الصفوف الجامعية الأولى والثانية ، ولم تردع ولم تحصن أجيالاً من المشاركة في أكبر ازمة تضرب سورية .
هل نجحنا مثلاً في اقحام مادة  اللغة الفرنسية عندما أردنا ان نحابي فرنسا منذ سبع سنوات؟
هل نجحنا أساسا في تعليمنا المستمر للغة الانكليزية منذ خمسين سنة الى الان ؟
لن أتكلم عن كتب التاريخ لأنها خارج التصنيف أساسا ...
والاهم هل نجحنا بتجربة التعليم المهني التي فرضت على السوريين فرضا والتي لم تضيف الى سورية أي قيمة صناعية أوخبراء فنيين ، وانما زادت التسرب من التعليم النظامي الى التعليم الحر هروبا من التعليم المهني؟.
لنناقش امورنا الحيوية لمرة واحدة ضمن إطار رؤية مجلس أمة .... لا مجلس قرية أرجوكم ..
فالازمة التي تعصف بالبلاد قد تضطرنا الى اختصار مناهجنا كلها الى العلوم الأساسية لتجاوز الثغرة التعليمة التي قد تضربنا بموجة أخرى من العنف والجهل من جيل فقد التعليم لخمس سنوات أو أكثر وعاد الى حالة شبه أمية .
أنا أعرف ، وقرأت ، لخبراء سوريين وضعوا خارطة طريق للخروح بالمأزق التعليمي في سورية على المدى القصير والمتوسط والطويل الأمد .... وما قدموه من الممكن أن يشكل نواة لاستراتيجية التعليم المنشودة سورياً.
 وأقترح أن يسأل مجلس الأمة ... من هؤلاء ... وكيف نستطيع العمل معهم... ...
نحن في سورية... لدينا أديان متعددة ... ولدينا أعراق مختلفة ... ولكننا جميعا نشترك أن لنا حاجات تنموية واحدة ... تتجاوز بالتأكيد نقاشاً حول مادة .... ولو كانت عن مادة دينية أو علمية ...
نريد استراتيجية وطنية للتعليم في سورية ...
لنترك مجالس القرى تتنافس في تنفيذ أمثل لخطط تعليمية وتنموية ... وضعها ... مجلس يمثل أمة ..... لا العكس ....

آب – 2016

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...