لبنان: تجاذبات سياسية واتفاقات أولية قبل تنصيب سليمان رئيساً

04-12-2007

لبنان: تجاذبات سياسية واتفاقات أولية قبل تنصيب سليمان رئيساً

حتى الآن صح القول إن العماد ميشال سليمان وصل سياسياً وشعبياً الى القصر الجمهوري في بعبدا، لا بل أكثر من ذلك، يمكن القول إن الآلية الدستورية «باتت شبه محسومة» من أجل تكريس «جنرال التوافق»، ولكن ثمة مطعون يخلع معطفه قبيل إعلان الوثيقةباً سياسياً يعترض التتويج الدستوري والسياسي، ألا وهو التوافق مع العماد ميشال عون حول حصته السياسية في حكومة العهد الجديد، كمعبر إلزامي لا بد منه قبل انتقال «فخامة الرئيس» من مكتبه البانورامي في وزارة الدفاع في اليرزة الى مكتبه الرئاسي في بعبدا.
وبينما كانت المعارضة تضع هذه «الحقيقة»، بوجه الأكثرية، بدا أن هناك من يريد داخلياً وخارجياً، تدفيع عون، ثمن موافقته المفاجئة على ترشيح ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية، عبر التلويح بـ«سرقة» كتلته النيابية وقواعده وكوادره، سعياً الى تعديل موازين القوى في الشارع المسيحي تحت عنوان «الدخول في مرحلة جديدة بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وبالتالي لا تسري الاتفاقات السابقة عليها».
وفي المقابل، ركّزت قوى الرابع عشر من آذار حملتها على موقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ، أمس، أنه يقع على عاتق الأكثرية التفاوض مع عون بدلاً من الهروب الى الأمام، اذ ردت مصادر في الأكثرية على ذلك بالقول  إنه «من غير المنطقي الطلب الى النائب سعد الحريري إقناع أحد اقطاب المعارضة (عون). هذا الطلب يعتبر شرطاً تعجيزياً وهو بمثابة إعلان رفض للحل التوافقي الذي طرحته قوى 14 آذار، وبالتالي فإن قوى 8 آذار ترفض وصول العماد سليمان الى سدة الرئاسة الأولى، وعليها أن تتحمل مسؤولية ذلك أمام الشعب اللبناني».
أضافت المصادر أن الشروط التي وضعها عون «تعجيزية وتعني عملياً تعطيل الدستور والمس بصلاحية رئيس الجمهورية الجديد وكذلك صلاحية المجلس الحالي والحكومة المقبلة، فالعماد عون يريد منذ الآن معرفة من سيكون رئيس الحكومة المقبل قبل أن يجري رئيس الجمهورية المشاورات الملزمة، ويريد اتفاقاً على قانون الانتخاب قبل أن تتشكل الحكومة التي يفترض فيها أن تناقش هذا القانون وتقره ثم ترسله الى مجلس النواب الذي قد يقبل به او يرفضه، اما الاتفاق حول التعيينات وبخاصة تعيين قائد الجيش فمساس واضح بصلاحيات الحكومة ورئيس الجمهورية وكل ذلك مخالف للدستور».
وفي مقابل، هذا المنطق، أكدت أوساط بارزة في المعارضة أن المسألة «ليست مسألة موالاة ومعارضة بل تنازل مقابل تنازل وفق مبادرة كان العماد عون قد أطلقها وأدت إلى تثبيت خيار ميشال سليمان سياسياً، وبالتالي ينبغي استكمالها، وهذه مسؤولية فريق الأكثرية الذي تجاوز سابقاً الحوار مع رئيس المجلس لإنجاز تسوية جانبية مع عون على قاعدة تخليه عن تفاهمه مع حزب الله».
وشددت الأوساط نفسها، على أن الآلية الدستورية «لن تكون عقبة»، لكنها شددت على وجوب عدم تجاوز العماد عون في أية تسوية سياسية في الموضوع الرئاسي.
وكان لافتاً للانتباه أن قائد الجيش العماد ميشال سليمان قد حاول، أمس، الدخول على خط التجاذب السياسي القائم بين المعارضة والموالاة، حيث زار العماد عون في الرابية، واجتمعا لنحو ساعة، تحدث خلالها سليمان حول عدم قدرته على إعطاء وعود لأحد قبل وصوله الى سدة الرئاسة الأولى، مشدداً على أهمية احترام الآليات الدستورية وداعياً الى عدم إفساح المجال أمام بقاء الفراغ قائماً، ورد عون على سليمان بالقول «أنا لا أريد أن أناقش معك هذه المسائل، لأن مشكلتي ليست معك بل مع فريق الأكثرية، وإذا كنت ترغب فعلاً بأن تنتج خلال توليك الرئاسة علينا أن نذهب نحو سلة متكاملة تكون الأمور واضحة خلالها».
وأضاف عون «أنا أعلم أنك لا تحمل تفويضاً من الأكثرية. المشكلة بين المعارضة والأكثرية وعلينا أن نتفاهم بين بعضنا حول عناوين المبادرة التي طرحتها بكل عناوينها، ومجدداً أقول لك أنا لا أضع شروطاً عليك، بل على قوى الرابع عشر من آذار».
وإزاء وصول الأمور الى طريق مسدود، سجلت مداخلات خارجية على خط تذليل العقبات، خاصة بعد أن كان الجانب الفرنسي قد تعهد للجانب السوري بتذليل العقبات المسيحية ومنها عقبة ميشال عون، وجرت اتصالات سورية فرنسية متعددة بينها اتصال بين وزيري خارجية البلدين وليد المعلم وبرنار كوشنير، وأعقبها اتصال من الأمين العام للرئاسة الفرنسية كلود غيان بالقيادي في «التيار الوطني الحر» سيمون أبي رميا، وطلب منه التحدث مع عون ورد عليه بالاعتذار، وأن المشكلة مع فريق الأكثرية وليست مع فرنسا، واكتفى غيان بنقل رسالة شفهية من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الى عون تدعوه الى تسهيل التوافق وملء الفراغ الدستوري.
وتردد أن الوزير الفرنسي برنار كوشنير أجرى من الجزائر اتصالاً مماثلاً بعون ولقي الجواب نفسه، فيما قالت مصادر دبلوماسية في العاصمة الفرنسية إن ساركوزي قرر إيفاد غيان على الأرجح في الساعات المقبلة الى بيروت من أجل محاولة تذليل العقبات السياسية التي تعترض انجاز الآليتين السياسية والدستورية للتوافق السياسي، خاصة بعد أن قررت قوى المعارضة الوقوف خلف ميشال عون سياسياً.
ولم تستبعد المصادر أن يلتقي الموفد الفرنسي أيضاً قيادة «حزب الله» من أجل الاستماع الى مطالبها، خاصة في ما يتعلق بالبيان الوزاري للحكومة الجديدة ولا سيما ما يتعلق بالمقاومة وسلاحها.

وتوقعت المصادر الدبلوماسية الفرنسية أن يستأنف الرئيس بري حواره مع النائب الحريري بالتزامن مع التفاوض غير المباشر بين عون والأكثرية وصولاً الى منح ضمانات لعون حول حصته في الحكومة المقبلة.
وقالت أوساط مقربة من العماد عون إنه سيصر على كل بنود مبادرته بما في ذلك موضوع التمثيل الحكومي على أساس الأحجام في المجلس النيابي، أي وفق معادلة 45٪ للمعارضة مقابل 55٪ للموالاة، وهذا يعني أن حصة المعارضة يجب أن تكون 13 وزيراً مقابل 17 وزيراً للأكثرية. وشددت على بت القانون الانتخابي وحسم مسألة مدة الولاية الرئاسية بالإضافة الى من سيتبوأ قيادة الجيش.
وسألت الأوساط المقربة من عون «ماذا إذا مشينا في خيار الأكثرية بالانتخاب أولاً ومن ثم نفتح الملف السياسي. ولنفترض أننا لم نتوافق، فهل تستمر هذه الحكومة بتصريف الأعمال حتى الانتخابات النيابية المقبلة وثمة همس جدي عن خيار من هذا النوع؟ وماذا إذا أصبح قائد الجيش رئيساً للجمهورية، هل يريدون أن يذهب منصب قائد الجيش في ظل الخلاف السياسي الى رئيس الأركان مع احترامنا لدوره؟ وماذا اذا تمسكت الموالاة بحقائب الداخلية والعدلية والمالية وماذا اذا أصرت على التمسك بقانون غازي كنعان»؟
وقالت الأوساط نفسها ان هذه الهواجس عبّر عنها ميشال عون أمام ميشال سليمان صراحة وهو أصر على منطق السلة المتكاملة، «وفق ورقة تم إعدادها لهذه الغاية»، كما شدد عون «على وجوب عدم الاستعجال قبل إحراز تفاهم سياسي على كل شيء، وهذا من شأنه توفير شروط نجاح رئيس الجمهورية في موقعه بدلاً من الدخول في أزمة جديدة وإعادة «هركلة» مقام الرئاسة الأولى».
يذكر أن الأوساط المقربة من رئيس المجلس النيابي نبيه بري جددت القول إن بري ينتظر التوافق مع عون وإنه لا مشكلة في موضوع الآلية الدستورية بل هي باتت مضمونة في جيبه.
وحسب معلومات مواكبين لحركة الاتصالات بين عين التينة وقريطم والرابية والتي دخل على خطها النائب ميشال المر والوزير السابق سليمان فرنجية الذي التقى بري وعون، فإن البحث لم يدخل بعد في تفاصيل الموضوع الحكومي بل ما يزال يتركز على السلة السياسية الكبيرة، ومن المتوقع أن تتكثف وتيرة التشاور بين أطراف المعارضة من جهة وقوى الأكثرية في الساعات المقبلة، فيما ترأس الرئيس فؤاد السنيورة اجتماعاً وزارياً تشاورياً، وشدد خلال اتصالاته مع القادة العرب والأجانب على وجوب ملء الفراغ الرئاسي بأسرع وقت ممكن، خاصة بعد أن قررت الأكثرية ترشيح ميشال سليمان رسمياً.

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...