شركات أدوية تعمل في تهريب «المخدرات»

22-03-2016

شركات أدوية تعمل في تهريب «المخدرات»

يبدو أن بعض الشركات فهم على نحو خاطئ ما يعنيه استخدام الإبداع في البحث عن حلول وخطط بديلة لتعويض الضرر جراء الحرب، إذ وجدت في ظروف وتداعيات الحرب فرصة لجني الثروات من الأعمال غير النظامية وأكثرها شيوعاً الاستيراد والتصدير تهريباً.
تنطبق هذه الحالة على بعض شركات ومكاتب الأدوية والشحن والتخليص الجمركي، التي بدأت تكون شبكات تهريب للمواد الأولية الداخلة في صناعة الأدوية، والتي يمكن إساءة استخدامها في تصنيع المخدرات.
ومن أكثر هذه المواد شيوعاً البسودو أفيدرين، التي تستخدم بشكل مشروع في الصناعات الدوائية ضمن موسعات الشعب الهوائية ومزيلات احتقان الأنف، لكن يمكن إساءة استخدامها في صناعة المواد المخدرة مثل الأميفيتامين، وهي مدرجة في الجدول الأول المرفق باتفاقية الأمم المتحدة لعام 1988 للمؤثرات العقلية. كما تدخل هذه المادة وفقاً لأحكام التجارة الخارجية ضمن البند التعريفي /29394200/ أشباه قلويات مسموحة بالاستيراد والتي تحتاج إلى موافقة وزارة الصحة (شعبة مكافحة المخدرات) ووزارة البيئة.
ويستغل المهربون طبيعة مادة البسودو أفيدرين وصعوبة كشفها من خلال المعاينة التقليدية، بالنظر، فقوامها مسحوق أبيض اللون، تبدو وكأنها حليب مجفف، أو مسحوق غسيل، لذا يسهل إخفاء المادة أثناء عملية التهريب، وهذا ما حصل في قصتنا. إذ تكشف الوثائق والمعلومات مع عدة جهات مختصة ومعنية، عن إثبات تهريب 14.5 طناً من البسودو فيدرين في العامين الماضيين فقط، في قضيتين، الأولى هي الأكبر وتشمل 12.5 طناً، والثانية 2 طن. وفي معظم الحالات التي كشفت، يتم إخفاء المادة المخدرة في أكياس من سعة 25 كيلو غراماً على أنها مسحوق غسيل من ماركة معروفة.

من مسرح «الجريمة» رقم 1
تبدأ قصة القضية الأولى بحسب محضر ضبط القضية الجزائية رقم 21/2014 من ضبط سيارة شاحنة قاطرة ومقطورة أمام مسبح النضال بالمنطقة الصناعية بدمشق، تتبع لمكتب شحن بضائع في المنطقة نفسها، تحمل أكياساً تحوي منظفات من منشأ وطني وذلك استعداداً لنقلها إلى العراق، ويوجد تحت هذه الأكياس وبأرضية المقطورة الخلفية للسيارة أكياس خيش نايلون مماثلة لأكياس مواد التنظيف من حيث الشكل والكتابة، وتحوي بداخلها مسحوقاً لونه أبيض مهرب وغير نظامي وهو مادة تستعمل في تصنيع المخدرات.
ولتحري السيارة بدقة والبحث تحت هذه الأكياس عن البضاعة مفاد المعلومات الواردة إلى الجهات المختصة، جلبت السيارة بحمولتها والسائق إلى مركز ضابطة جمارك المكافحة بدمشق وفي المركز وبحضور سائق السيارة الشاحنة تم إفراغ قسم من الأكياس الموجودة في مؤخرة المقطورة فتم العثور على عدة أكياس خيش نايلون أبيض وعليها العبارات الموجودة نفسها على جميع الأكياس الحاوية للمنظفات وتبين لنا أن شكلها ووزنها يختلفان عن باقي أكياس المنظفات، وعند فتح بعض هذه الأكياس عثر بداخل كل كيس على كيس كبير من ورق السلوفان ومختوم حرارياً يوجد بداخله مسحوق ناعم لونه أبيض من دون رائحة.
أفاد سائق السيارة أنه حمل الأكياس التي تحوي مسحوق المنظفات (ماركة معروفة) من معمل لصناعة المنظفات، بصندوق رأس القاطرة، وذلك بناء على طلب صاحب مكتب شحن البضائع الذي يعمل لديه، وذلك من أجل نقلها إلى العراق، ثم عاد بالسيارة من المعمل وتوقف بها بجانب مكتب الشحن في المنطقة الصناعية حيث حضر صاحب المكتب مع سيارات بيك آب صغيرة وهي محملة بأكياس مدون عليها عبارة أكياس المعمل نفسها وطلب من العمال وضعها في أرضية صندوق المقطورة الخلفية، ومن ثم طلب منهم نقل أكياس مواد التنظيف الموجودة برأس القاطرة ليتم وضعها فوق الأكياس التي جلبها بالسيارات البيك آب الصغيرة قال إنها تحوي مادة الحليب المجفف الممنوع تصديره والغاية من ذلك إخفاء هذه الأكياس.
وبمداهمة المستودع التابع لشركة الشحن وتحريه تم العثور على كراتين تحوي أدوية بشرية من منشأ وطني وبراميل فارغة كانت تحوي مواد أولية لصناعة الأدوية حسب ما هو مدون على لصائقها، وتم تنظيم محضر ضبط بتحري وإغلاق المستودع أصولاً ونقل حمولة مقطورة السيارة إلى رأس القاطرة وجمعت الأكياس التي تحوي المسحوق الأبيض فبلغت 161 كيساً، زنة كل كيس 25 كغ، وبوزن إجمالي تقريبي 4025 كغ.
وبإجراء الدراسة الفنية السابقة على المادة المشتبه بها فقد تبين أنها عبارة عن مادة شبيهة بالأفيدرين (Pseudoephedrine) وهي تستخدم بشكل مشروع في الصناعة الدوائية ضمن موسعات الشعب الهوائية ومزيلات احتقان الأنف، ويمكن إساءة استخدام هذه المادة في صناعة المواد المخدرة مثل الأميفيتامين. كما أنها مدرجة في الجدول الأول المرفق باتفاقية الأمم المتحدة لعام 1988 للمؤثرات العقلية.
وبحسب كتاب وزارة الصحة رقم 21301/21/1 تاريخ 14/8/2014 فإن نتيجة التحليل في مخابر الرقابة والبحوث الدوائية تثبت أن المادة هي بسودوافدرين هيدروكلورايد وفق GCMS وIR وهي من السلائف الكيميائية التي تدخل في التصنيع غير المشروع للمواد المخدرة.
ومن خلال التحقيقات تبين أن المواد الأولية المضبوطة تعود لإحدى شركات الأدوية حيث تم العثور أثناء مداهمة أحد المكاتب التابعة لمتورط في عملية التهريب على كتاب رقم /17/ تاريخ 6/2/2013 باسم شركة (×) للصناعات الدوائية موجه إلى وزارة الصناعة مضمونه (ترغب شركتنا باستيراد 5000 كغ من مادة البسيدويفيدرين هيدروكلوريد من شركة تايوانية يرجى التكرم بالسماح لنا باستيراد المادة أعلاه مع تعهدنا بمراعاة كافة القوانين والتعليمات النافذة باستيراد المادة أعلاه) والكتاب موقع من المسؤول عن الشركة، وقد أرفق بهذا الكتاب صورة فاتورة مدونة باللغة الإنكليزية.
وورد في اعترافات سائق السيارة القاطرة والمقطورة الناقلة للبضاعة وصاحب مكتب الشحن أنه تم بتاريخ سابق شحن بضائع وطنية مختلفة الأنواع من سورية إلى مكتب الشركة في أربيل بالعراق وفي المرة قبل المحاولة الأخيرة تم شحن منظفات وتحتها 100 كيس تحوي مسحوقاً أبيض على أساس أنها مواد لتصنيع حبوب السيتمول، وتم تمريرها من أمانة جمارك التنف إلى العراق بتسهيل من موظفين يعملان لدى مكتب للتخليص الجمركي في أمانة التنف، ووصلت البضاعة إلى العراق بسلام، وكون هذه الكمية من المسحوق تم تصديرها إلى العراق بالطريقة نفسها التي تم إعداد البضاعة المحجوزة بالقضية رقم 21/2014 ما يدل على أن هذه المادة المسحوق الأبيض هي مماثلة للمسحوق الذي تم حجزه في القضية رقم 21/2014 ولذلك تعتبر مواد تدخل في تصنيع المخدرات فقد سجلت بها القضية الجزائية رقم 24/2014 مفرزة جمارك المكافحة الثالثة لبضاعة ناجية من الحجز.
وبتاريخ 8/9/2014 وبموجب مذكرة مديرية جمارك دمشق رقم 275/ق/2014 تم تشكيل لجنة مهمتها جرد وتقدير كمية المواد المخدرة موضوع القضية الجزائية رقم 21/2014 مكافحة ثالثة. وأحالت مديرية شؤون الضابطة الجمركية إلى ضابطة جمارك المكافحة كتاب إدارة مكافحة المخدرات رقم 3013/و تاريخ 21/10/2014 المرفق به محضر ضبط إدارة مكافحة المخدرات رقم 1056/ تاريخ 26/8/2014 المنظم بالتحقيقات الجارية مع الموقوفين.
وتبين في نهاية التحقيقات أنه تم تصدير المواد الأولية التي تدخل في صناعة الأدوية إلى العراق تهريباً أربع مرات سابقة بعدد إجمالي عن المرات الأربع 340 برميلاً وزن البرميل الواحد 25 كيلو غراماً وهذه الكمية تعتبر ناجية من الحجز البالغ وزنها الإجمالي 8500 كغ وسجلت فيها القضية رقم 24/2014 ناجية من الحجز، وقد تم تقدير قيمتها من قسم الكشف في أمانة جمارك دمشق بمبلغ 164.050 مليون ليرة سورية.
إلى هنا علمنا بإجراء تسوية على هذه القضية في الجمارك، حيث تزيد غراماتها على 1.3 مليار ليرة سورية، بموجب صك الادعاء ، ولم نتمكن من الحصول على نسخة من وثائق التسوية التي تبين التفاصيل المتعلقة بالعملية.

«جريمة» رقم 2
علمنا بقيام مديرية مكافحة التهريب في مديرية الجمارك بتنظيم قضية رقم 46/ 2015 بمخالفة استيراد تهريباً لبضاعة مواد أولية بسودو أفيدرين هيدروكلورايد (وهي مواد أولية لصناعة الأدوية وتدخل في صناعة المواد المخدرة)، وذلك بناء على معلومات وردت إلى المديرية، حيث تم رصد السيارة الشاحنة الناقلة للمواد وحجزها لدى مديرية مكافحة التهريب في المديرية العامة للجمارك.
وتم سحب عينات من البضاعة تم إرسالها إلى التحليل لدى وزارة الصحة وإدارة الأمن الجنائي، حيث دلت التحاليل أن المادة عبارة عن شبه الأفيدرين التي تستخدم في الصناعات الدوائية وصناعة المواد المخدرة.
ليتقدم بعد ذلك أحد المعامل للصناعات الدوائية بطلب عقد التسوية الصلحية مع الجمارك للبضاعة والتي قدرت قيمتها بمبلغ يزيد على 47.4 مليون ليرة سورية. وقد وافق وزير المالية بالكتاب رقم 1422/2015/1/ ج/23 على عقد التسوية مع الوكيل القانوني عن المعمل تسليم البضاعة المصادرة للوكيل القانوني للمعمل شريطة حضور مندوبين من وزارة الصحة لاستلام البضاعة وتحت إشرافهم وعلى مسؤوليتهم واحتسابها من المخصصات السنوية للمعمل وتنظيم محضر الضبط اللازم أصولاً على أن يتم تسديد مبلغ قيمة البضاعة المقدرة كمقام التنازل عنها واستيفاء كل الرسوم والغرامات الواجبة.
وبناء على ما ذكر تم عقد التسوية الصلحية من الوكيل القانوني للمعمل مع الجمارك واستوفيت الغرامات والرسوم الجمركية والرسوم الأخرى البالغة 224.6 مليون ليرة سورية، بالتصفية رقم /703963/ والإشعار المصرفي رقم /855004913/ 85004914/ لدى مصرف سورية المركزي وسلمت البضاعة للوكيل القانوني للمعمل بموجب ضبط بحضور مندوب وزارة الصحة والجمارك وأحيل المخالف إلى إدارة المخدرات للتوسع في التحقيق وأحيل الضبط إلى النيابة العامة للملاحقة وفق احكام المرسوم التشريعي رقم /13/ لعام /1974/ وتعديلاته.

لغة القانون
 عرّفت المادة 277 من قانون الجمارك السوري التهريب بأنه إدخال البضائع إلى الـبلاد أو إخراجهـا منهـا خلافـاً لأحكـام هذا القـانون وللنصوص النافذة من غير طريق المكاتب الجمركية. وبحسب صك الادعاء في القضية الأولى  فإن مادة البسودو أفيدرين تصنف على أنها من «البضائع الممـنـوعـة المعينــة»، والمقصود فيها بعض البضائع الممنوعة والتي تعين بقرار من المدير العام لغرض الرقابة الجمركية.
وبموجب المادة 279 تفرض غرامة جمركيـة عـن مخالفـات التهريـب أو ما هو معتبـر كذلك ستة أمثال القيمة إلى ثمانية أمثالها عن البضائع الممنوعة المعينة.
وبموجب المادة 32 من قانون الجمارك، فإن «البضائع الممنوعة المعينة تحجز وإن صرح عنها بتسميتها الحقيقية مـا لـم يكـن هناك ترخيص مسبق بإدخالها أو بإخراجها فإذا تم الحصول على ذلك الترخيص لاحقـاً فيسـمح بإدخال البضاعة أو إخراجها بعد تسوية المخالفة».
وبموجب المادة 280 تحكم المحكمة الجمركية بمصادرة البضائع موضوع التهريب أو ما هو معتبر كذلك أو تحكم بما يعادل قيمتهـا بالإضافة إلى الرسـوم الجمركيـة والرسـوم والضـرائب الأخرى التي تعرضت للضياع عند عدم حجز هذه البضـائع أو نجاتهـا مـن الحجز ويجـوز الحكـم بمصـادرة وسـائط النقـل والأدوات والمـواد التـي اسـتعملت فـي التهريب وذلك فيما عدا السفن والطـائرات والقطـارات مـا لـم تكـن قـد أعـدت أو استؤجرت لهذا الغرض أو الحكم بما يعادل قيمتها عند عدم حجزها أو نجاتها من الحجز.
وفيما يخص التسويات «المصالحة على البضاعة وترقين ملف الدعوى»، فقد نصت المادة (219) من قانون الجمارك على أنه «للمدير العام أو من يفوضه وفقاً لدليل التسويات أن يعقد التسوية عن المخالفات قبل إقامة الدعوى أو خلال النظر فيها أو بعد صدور الحكم وقبل اكتسابه الدرجة القطعية وذلك بالاستعاضة كلياً أو جزئياً عن الجزاءات والغرامات الجمركية المنصوص عليها في هذا القانون بغرامة نقدية لا تقل عن (50%) من الحد الأدنى القانوني لمجموع الغرامات الجمركية عن المخالفات المنصوص عليها..».
وبموجب المادة (220) من قانون الجمارك «للمدير العام أو من يفوضه أن يعقد التسوية مع جميع المسؤولين عن المخالفة أو مع بعضهم، وعليه في هذه الحالة الأخيرة أن يحدد ما يخص كلاً منهم من مبلغ الغرامة الجمركية الواجب دفعها بنسبة مسؤوليتهم وتبقى جميع العقوبات وما يتبقى من غرامة جمركية مترتبة على عاتق من لم يشملهم عقد التسوية».
تجدر الإشارة إلى أننا نشرنا مقالاً منذ شهرين تقريباً حول إمكانية التلاعب في التسويات، حيث نقلت عن مسؤولين قضائيين معنيين بالشأن أن التسويات تتم بمعزل عن السلطة القضائية، ومن دون إشراف من خارج الجمارك، فلا يعلم أحد بالمبالغ الحقيقية التي يتم تحصيلها من المخالفين الذين يسوون وضعهم، والتي تسجل في قيود الجمارك. وأن القانون يهمّش دور السلطة القضائية، ورقابتها المباشرة على نشاط المؤسسة الجمركية، المسؤولة عن أمن الاقتصاد الوطني بالدرجة الأولى، فعطّل دور المحاكم الجمركية الحقيقي، التي يفترض أن تكون بمنزلة صمام الأمان، في مكافحة جريمة التهريب.

علي نزار الآغا- محمد راكان مصطفى

المصدر: الوطن

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...