سوق السيارات في سوريا مازال مرتبكاً

07-06-2006

سوق السيارات في سوريا مازال مرتبكاً

هذا الملف الذي يطرح قضية تستحوذ على اهتمام غالبية شرائح المجتمع هو الثالث من نوعه, فبعد الاحاطة بواقع وآفاق مكاتب التشغيل

وتقصي ما يحيط سوق العقارات من إرباك وفوضى, يقوم الزملاء ومن كافة المحافظات بمتابعة قضية قديمة- متجددة عنوانها سوق السيارات, ومن يتابع ما جاء في هذا الملف سوف يلحظ أن أحوال هذه السوق وتداعياتها تكاد تتشابه إلى حد التطابق في معظم المحافظات.‏

بدءا من فلتان الأسعار وإخفاق الإجراءات والقرارات الحكومية من تقويم الأداء وليس انتهاء بالإجماع على ضرورة إلغاء ضريبة الرفاهية والتي أسهمت مع بعض العوامل في جعل السيارة أشبه بالحلم البعيد المنال من جانب غالبية شرائح المجتمع.‏

وبغض النظر عن الكثير من التفاصيل الواردة في هذا الملف وما يحمله من أفكار ووجهات نظر, فإن السؤال المشروع ومنذ زمن بعيد.. ألم يحن الوقت لطي هذا الملف من خلال تقويم أداء هذه السوق?!.. وبلغة أكثر دقة.. إذا كانت قضية هامشية من هذا النمط عصية على الإصلاح من جانب الحكومة.. فماذا عن القضايا الاقتصادية الكبرى.. ثم إذا كانت السيارة وفي كل دول العالم مجرد سلعة عادية ولا تستحوذ على كل هذا الضجيج فأين هي مسوغات الإبقاء على حضورها كما لو كانت أشبه بعجائب الدنيا السبع- مثلما يذكر الزميل يونس خلف?!‏

ندرك سلفا أن القارئ العادي لهذه الأسئلة, سبق له متابعة وقراءة ذات الأسئلة في أكثر من منبر اعلامي, حتى أن هذا القارئ قد وصل إلى حدود ( الملل) والشعور باللاجدوى نتيجة الفشل المتكرر في جعل شروط وظروف هذه السوق قريبة من مثيلاتها في أسواق العالم, ومع ذلك تقوم اليوم بإعادة انتاج هذه السوق انطلاقا من الإيمان الراسخ في إمكان الوصول إلى نتائج من شأنها إرضاء المستهلك أولا وأخيرا.‏

وفي عودة إلى ما أتينا على ذكره من أسئلة, فإنه يمكن القول وبكثير من الحسم, بأن فلتان أسعار السيارات وتحليقها عاليا كان ومازال بسبب قدرة حفنة من الوكلاء والتجار على احتكار السوق من بابه الى محرابه, ومن البديهي القول إن هذا الاحتكار يعود في جوهره في قدرة التجار على صوغ علاقات متينة مع بعض المتنفذين في الحكومة من أجل الاستمرار في منع دخول قائمة جديدة من التجار إلى حلبة المنافسة, فالأمر المعروف أنه ومن غير المنافسة يصعب تقويم الاداء, ذلك أنه طالما هناك بعض الأسماء منوطة بها عمليات الاستيراد من بلد المنشأ فإن التلاعب بالأسعار سوف يبقى على حاله, والمستهلك العادي الذي كان ومازال يحلم باقتناء سيارة, سوف يضطر للانحناء أمام بورصة الأسعار التي يفرضها الوكلاء بمعزل عن حقيقة ما هو قائم في البلدان المجاورة أو في بلد المنشأ, وللدلالة على حقيقة مثل هذا الكلام أن وزارة الاقتصاد كانت ومن خلال وزارة المالية قد حددت قبل أكثر من عام الأسعار الفعلية لكافة أصناف وطرازات السيارات المستوردة, وتم في حينه إصدار هذه الأسعار ضمن رزمة كبيرة من القوائم التي نشرتها المنابر الاعلامية الرسمية, ورغم كل ذلك, فإن التحديات التي أظهرها الوكلاء جعلت الكثيرين يستغربون لغة الاستهزاء والسخرية التي صدرت من جانبهم, فمنذ ذلك اليوم وحتى هذه الساعة يردد هؤلاء الوكلاء مقولات للمستهلكين على نمط: اذهبوا للشراء من الصحف المحلية أو قولوا لوزارة الاقتصاد أن تبيعكم وفقا للأسعار التي تراها مناسبة.‏

الأمر الذي بات يدركه الانسان العادي, بأن تقويم أداء هذه السوق سيبقى متعذرا ما دامت الحكومة لاتبدي الكثير من الجدية في معالجة هذا الملف, حتى أنه ولكثرة ما صدر من قرارات وتعليمات وعدم القدرة على ترجمتها, فإن لسان حال هذا المستهلك يقول وبشيء من الدعاية بأن الوكلاء ( هم حكومة داخل الحكومة). ذلك أن ما شهدته سوق السيارات من انخفاض في الأسعار كان قد جاء من تخلي الحكومة عن نسب معروفة من الرسوم والضرائب الجمركية, في حين أن التجار والوكلاء يقومون بالبيع والشراء انطلاقا من مفهوم احتكار السوق وليس على أساس مقولة العرض والطلب التي تقرها مبادئ ومفاهيم اقتصاد السوق.‏

ولأن لا أمل من إمكان تكريس المنافسة من خلال السماح باستيراد السيارات لكافة الراغبين من التجار ورجال الأعمال, فقد كان من الملاحظ في هذا الملف, أن المستهلكين يعولون مرة أخرى على الحكومة في التخلي عن مزيد من الرسوم والضرائب الجمركية, وهذه المرة يحددون وعلى الملأ نوعية هذه الرسوم والتي تنحصر تحت تسمية الرفاهية, وفيما لو تمت مناقشة أحقية ووجوب هذا المطلب أم لا, فإن الاستنتاج البديهي, هو أن الحكومة تقوم باستيفاء هذه الرسوم على غير وجه حق, فإذا كانت كافة الأبحاث والدراسات الاقتصادية تشير وتؤكد بأن السيارة كسلعة لم تعد تدرج ضمن ما يسمى رفاهية وحضورها ضروري مثل سواها من السلع التي تشبع حاجات المستهلكين, فإنه بهذه الحالة يتعين إعادة النظر بمفهوم رفاهية والعمل على ترجمته وتطبيقه وفقا لما هو قائم في كل دول العالم, فالسعي إلى اختراع تسمية لتبرير تحصيل الضرائب والرسوم سيبقى أمرا لا يمت للشفافية بصلة ,فإذا كان اقتناء سيارة ودخول المطاعم والنوم في الفنادق وشراء سلسلة ذهبية يندرج في إطار الرفاهية, فهذا يعني وببساطة أننا نعيش خارج إطار المفاهيم والبديهيات الاقتصادية المعمول بها في أقل دول العالم تقدما وتطورا.‏

وكي لانخرج عن جوهر الفكرة التي نقوم بطرحها, نعود ونقول: إن رسوم الرفاهية التي باتت موضع سخرية وتندر من جانب الكثيرين, كانت قد شجعت من جديد على انتعاش سوق السيارات المستعملة, ذلك أنه وبسبب تحصيل هذه الرسوم ولمرة واحدة, فإن الراغبين بالشراء يتوجهون إلى سوق السيارات المستعملة انطلاقا من الرغبة في التخلص من هذا العبء الجديد والذي يبدأ برقم 100 ألف ليرة ولا ينتهي عند حدود المليون, والسؤال المشروع هنا.. إلى متى سيبقى المستهلك العادي مضطرا لشراء السيارات المستعملة, وبالمناسبة نحن مع استيراد السيارات المستعملة أو المجددة التي تعود سنوات تصنيعها إلى أربع أو خمس سنوات, ذلك أن هذه الإجراء المعمول به في كل دول العالم يسهم بدوره في تكريس المنافسة وفي خفض أسعار السيارات الجديدة الى حدود تشابه مثيلاتها في البلدان المجاورة, والاستنتاج الذي تبادر إلى أذهان الكثيرين, أن ما يطلق عليه زورا وبهتانا بالوكلاء, كانوا قد استخدموا نفوذهم اللامتناهي من أجل منع استيراد السيارات المستعملة ذلك أنه ولمجرد الاقدام على مثل هذه الخطوة, فإن الأسعار الفعلية للسيارات ستشق طريقها إلى الأسواق وهو الأمر الذي يتضارب مع مصالح هذه الفئة المحدودة من الوكلاء والتجار.‏

في كل الأحوال, هناك من يقول, بأن الوكلاء بدؤوا يبدون مرونة لجهة البيع بالتقسيط, ومن ناحيتنا نقول: إن هذه المرونة ليست سمة أوصفة ايجابية, ذلك أن هذا الوكيل أو ذاك التاجر بدأ يدرك أن من يمتلك القدرة على الشراء نقدا قام بتحقيق هذه الأمنية بعد عقود طويلة من انتظار تخلي الحكومة عن نسب معقولة من الرسوم والضرائب, وأما من أقدم على الشراء بالتقسيط وحتى دون تقديم دفعة أولى, فإن هؤلاء تعرضوا إلى غبن لا حدود له , على اعتبار أن الفارق الفعلي بين أسعار المبيع نقدا أو بالتقسيط, هي فوارق فلكية, ويضطر المستهلك العادي في التعاطي معها, انطلاقا من الحاجة لا أكثر , ومن يعد إلى من قام بشراء سيارته بالتقسيط, سوف يلحظ أنه أقدم على هذه الخطوة بعد أن فقد الأمل في العثور على فرصة عمل, وشراؤه السيارة كان بهدف استثمارها وتشغيلها كسيارة أجرة لا أكثر ولا أقل.‏

وإذا كانت الحكومة قد فقدت الأمل - كما ذكرنا- في عدم تكريس المنافسة من خلال السماح لكافة التجار باستيراد السيارات, فبهذه الحالة لم يبق من خيار سوى تدخل مؤسسة التجارة الخارجية كي تقوم هي في مشاركة القطاع الخاص باستيراد السيارات وبيعها للمواطنين, وهذ الخيار الذي نأتي على ذكره, هناك من يشكك في امكان ترجمته, ذلك أن هناك من يهمس في السر والعلن, على أن الحفنة التي نتحدث عنها من التجار والوكلاء, قادرة على تعطيل هذا القرار في حال البدء بمناقشته من جانب وزارة الاقتصاد,وكنوع من التحدي نسأل الحكومة.. هل وصلت الأمور الى هذه الحدود?!‏

 

 

مروان دراج

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...