سعاد جروس تكتب عن المقموعات والبارونات

04-11-2006

سعاد جروس تكتب عن المقموعات والبارونات

الجمل ـ سعاد جروس: تعليقاً على مقال سابق, حول شأن محلي في منتهى الحساسية كنت قد كتبته بلهجة تهكمية. أرسل إلي قارئ يلومني على سخريتي ويهيب بي الكتابة بصيغة جدية عندما يكون الموضوع على الدرجة العالية من الخطورة. قد يكون ذلك القارئ الذي لم يصرح عن اسمه محقاً في لومه وفي طلبه أيضاً, إلا أن الكتابة التهكمية, لم تمثل لي في يوم من الأيام خياراً نهائياً ولا ملزماً, بل لا أبالغ إذا قلت انني لا اشعر أبداً بأن ما أكتبه أقصد منه السخرية أو أتعمد التهكم, لأن الموضوع دائماً كان يفرض لغته, كما هو هذا الواقع الذي نعيشه, واقع يخلو من المنطق ولا يفتقد اللاعقلانية, بل من زناخته ما يجعلني غير قادرة ليس على هضمه, بل على مجرد ابتلاعه من دون رشة ملح وعصر كومة من الليمون الحامض عليه, €وليس في قولي هذا أي تهكم€ أشعر أنني مجبرة لا مخيرة, وأنا أنهل من الواقع بعضاً من سخرياته المرة كالعلقم, حتى أن شطح خيالنا يعجز عن مجاراة وقائع حياتنا اليومية البائسة, وهي من القسوة بحيث تطفئ بصيص أحلامنا العريضة بمؤسسات اقل فساداً, وقوانين تجعل الجميع سواسية كأسنان المشط, وعين ساهرة لا تسهو ولا تزيغ عن ناهب كبير ولا لص صغير, وتمنياتنا بإعلام سليم معافى لا يغفل ولا ينام على الأخطاء والخطايا... إلخ من خيالات أصبحت مريضة بالوهم, طالما لا تفتأ تؤكد لنا أنها ليست أكثر من حلم إبليس بالجنة, فنحن كلما قلنا خميس تضعنا حكومتنا الرؤوم بالكيس وتنادينا بيس... بيس... نسخر مجبرين, عسانا نضحك بدل بكاء طفحت ينابيعه, ولولا السخرية لفقع عقلنا, إن لم يكن قد فقع من زمن طويل ولم ننتبه. فمثلاً كيف نتقبل خبر صدور قرار «شفهي» بوقف القناة الفضائية السورية الوليدة €شام€ عن البث قبل أن تفت وتغمس في صحن الأخبار السياسية؟ اللامعقولية واللامنطقية ليست في شفهية القرار, فقد تعودنا هذا النوع من القرارات المجهولة المصدر وغير معلومة الشفاه, وإنما في السؤال على أي أساس تم السماح لفضائية «شام» بالبث, ومن ثم بالتوقيف إذا كنا لغاية اليوم, نفتقد وجود قانون إعلام ناظم, وعدم توافر جهة لغاية الآن مخولة بمنح الترخيص أو حجبه قانوناً؟!! فلو أرادت هذه الفضائية الاحتجاج, فإلى من سترفع شكواها, وإلى أي محكمة تلجأ, وبموجب أي حق؟! ومن طرف آخر, كيف ستعوض خسائر توقيفها, وجهد أكثر من عام, ومصائر 170 إعلامياً عاملاً فيها؟ قضية أو مسألة أو موضوع كهذا, كيف يمكن هضمه؟ وأي منطق يحكم النقاش حوله؟ ما تسرب من معلومات حول الأسباب الحقيقية لصدور الأمر الشفهي, تؤكد أن الموضوع لا علاقة له بالحريات والتعبير, بل بمنافسة غير عادلة وغير شريفة والعهدة على الراوي في نشرة «كلنا شركاء» الإلكترونية التي ربطت بين توقيف قناة €شام€ وبين قناة سورية خاصة على وشك الولادة, ورغم شكنا في صحة هذه المعلومة, لكن نتوقف عندها لمجرد أنها طرحت للتداول, بالشكل الذي يؤكد قدرة بعض الناس على فعل ما يريدون, ونحن في بلد يحاول أن يؤسس لسيادة القانون! عدا أن المنافسة لا تكون بالإلغاء وإنما بالمبارزة المهنية وبالجهد والاجتهاد, أما الحديث عن الإلغاء بهذه الطريقة فلا معنى له سوى التسليم بالسماح لطرف ما بالسطو على جهد طرف آخر!! أيعقل هذا يا رعاك الله؟ إذ بعد حين ومين وعشر سنين, صار لدينا فضائية مستقلة, ماذا فعلنا؟ الجواب, تصح فيه قصة الإعرابي الذي طلب من رجل حاجة فمنعها عنه, فألح عليه الإعرابي حتى نال حاجته منه, فقال: اللهم أخزنا وإياهم, نسألهم إلحافاً ويعطوننا كرهاً, فلا يبارك الله لنا ولا يأجرهم عليه. وهكذا كيفما قلبنا قصة قناة «شام» تبقى غير مستساغة وعصية على الفهم, كقصص ألف ملف وملف فساد العجيبة, تخرج من الرقابة والتفتيش لتؤول داخل الأدراج المثلجة في انتظار اللحظة التاريخية للتسخين, وهو مثال آخر أسوقه للقارئ العزيز الذي طالبني أن أكتب بجدية, عندما نعرف بوجود موظفين كبار يحتلون مواقع حيوية تمكنهم من الإمساك بأعناق العباد والأرزاق, فلا يتورعون عن ليَّها في اتجاه مزاريب خفية تصب في جيوبهم, وبينهم موظفون معروفون في أكثر من إدارة ومؤسسة في البلديات والمحافظات والوزارات. وقد قامت الرقابة بالبحث والتفتيش حولهم وفوقهم وتحتهم, وضبطتهم متلبسين بمخالفات ما أنزل به من سلطان, وأصدرت بحقهم تقارير من شأنها جعلهم أبطالاً نموذجيين في مسلسل «حكم العدالة» الشهير, ومع ذلك مكثوا يرتقون السلم الوظيفي بما يتناسب طرداً مع سماكة ملفاتهم وانتفاخ حساباتهم البنكية. كل هذا وحصادة مكافحة الفساد شغالة, فهناك صباح كل يوم فضيحة تتم لفلفتها وتعطير الأجواء حولها, من دون أن يتوقف البحث بالسراج والفتيلة عن آليات لمكافحة الفاسدين المفسدين, في الوقت الذي يتم فيه التطنيش على ما يصدر عن الرقابة والتفتيش, والتي يقال إنها باتت بحاجة الى رقابة وتفتيش هي الأخرى, لا لشيء وإنما لزيادة في بلبلة الطين والخواطر, وكي تبقى في موقع التشكيك فلا تقدم ولا تؤخر إلا حين الطلب... حيال هذا وغيره كيف يمكن للصحفي خائب الرجاء الكتابة بكامل قيافته الأدبية عن هؤلاء الذين ينتهكون أبسط حقوق وكرامة المغبونين الصامتين عن الحق؛ الشياطين الخرس الطرش والعمي! كيف يكتب الصحفي بجدية وهو إن نجا من قانون المقموعات, لم يسلم من غضب البارونات المربربة.

سعاد جروس بالاتفاق مع الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...