حنا مينة: النار بين أصابع امرأة (12)

02-07-2007

حنا مينة: النار بين أصابع امرأة (12)

الهناءة ,حيث تأتي,لا تكون صافية تماما,فالصفاء التام,به عكر غير ملحوظ.ولا نستطيع,حتى بالمكروسكوبات,أن نرى هذا العكر,لأنه في الماء يترسب قاعا ويتمظهر حين نحرك هذا القاع وقانون الحياة القائل(لكل شيء إذا ما تم نقصان)

قانون لا ينقص في عمر الإنسان وعمر كائنات الوجود, والهناءة رغم أنها غير صافية فإنها غير دائمة أيضا والخيام في رباعياته يدعونا إلى ترك النوم ومناجاة اللذة حتى في السحر (فما طال النوم عمرا و لا قصر في الأعمار طول السهر).‏

وايهم قمطور الذي شعاره(تمتع بما أنت فيه اليوم ودع للغد بما يأتي به الغد) كان على وفاق مع امرئ القيس في حسمه القاطع:(اليوم خمر وغدا أمر) اليوم قال لغبريلا التي بكت فرحا من سعادة مشوبة بالقلق وهو يخبرها باعتزامه الزواج منها:‏

اليوم ليس للبقاء انه للهناءة التي كانت في الغيب أمس فالقرار بالزواج اتخذته ليلا بعد تفكير به منذ رأيتك وما كنت صدقيني اتوقع أن تسعدك هذه السعادة:وأن يبكيك هذا البكاء فالمسألة مبتوت فيها بالنسبة إلي وليست كذلك بالنسبة إليك كما يبدو هيا لنشرب شيئا بهذه المناسبة.‏

قالت غبريلا:‏

- فعلا لم يكن هذا الخبر المفرح مبتوتا به بالنسبة الي كما بالنسبة إليك إنه مفاجأة حقا وسنشرب كأسين بل كؤوس نخب زواجنا لكنني قلقة لا أدري لماذا ولعل الكأس يبدد هذا القلق..‏

شربا كأسين من الكونياك المجري الذي قالت غبريلا (إنه منعش) وإنه من عنبنا من أرضنا المجرية وهذا طقس أرغب أن تراعيه مثلي أنا المجنونة مثلك والطامحة أن تكون غير عادية مثلك وقد قلت إن زواجنا هذا سنتجاوز به محنتنا بأمي وتتجاوز هي مع الأيام محنتها بنا فماذا كنت تقصد بهذا القول؟.‏

قال أيهم وهو يبتسم:‏

-بزواجنا أصير ابناً للسيدة غبريلا أمك فتكف عن التفكير بي كعشيق وهكذا ترتاح هي ونرتاح نحن وهذا واضح دون ايضاح..الأم تفرح بزواج ابنتها مهما تكن أنانية وهي أمك أنانية بالرغم عنها لأنها محرومة المحروم يرتكب الإثم دون أن يفطن أنه إثم وقد يرتكبه عامدا متعمدا ولكن ليس مع شخص صار بمنزلة ابنها!‏

- وعقدة أو ديب في مسرحية سوفوكلس نسيتها؟‏

- لم أنسها لكن الأم في هذه المسرحية لم تكن تعرف أن الذي يفترعها ابنها!‏

- الأم تحب ابنها والبنت تحب أباها هذا بالفطرة إنني أحب أبي الدكتور رانداش لكن أمي ليس لها ابن تحبه فاذا جمعنا الحرمان مع حب الابن الذي سيكون أنت فان المشكلة ستتفاقم..أمي يا أيهم بما لا حظته أنا وما سمعته منك أنت تحبك جنسيا وقد دخلت غرفتها لتشرب البالنكا بالقدر الذي تريد والجو الذي تريد فما هو هذا الجو؟ التفكير بك جنسيا وأنت معها في السرير وقد كنت متعجلة عندما أخبرتها قرارك الزواج بي قبل أن أستشير والدي..العقدة التي تظنها قد خلت بالسهولة التي تتصور لم تحل..أمس عندما دعوتك إلى شرب القهوة معنا كانت مبتهجة لكنها اليوم بعد أن أخبرتها بقرارك كان رد فعلها سلبيا..دخلت غرفتها لتسكر وتبكي! اسمع يا أيهم المألوف أن تتنازل الأم لابنتها مدفوعة بحنان الأمومة لكن تأمل! القضية هنا معكوسة يبدو أن على البنت أن تتنازل لأمها مدفوعة لحب الأمومة فإذا كنت موافقا فإنه ليس لدي مانع أن نلغي فكرة الزواج والغاؤها مرّ علي فتكون لأمي!‏

هتف أيهم:‏

- هل معقول هذا الذي تقولين !؟ عندنا في الشرق غير وارد هذا بل من المستحيل أن يرد هذا:أم وابنتها تحبان رجلا واحدا!؟‏

تفرست غبريلا به وقالت:‏

-هذا من النادر وليس المستحيل المشكلة التي نواجهها لها مثيلات في الغرب والشرق معا في الغرب قد تظهر بشكل علني على نحو ما لكنها في الشرق تبقى طي الكتمان لأن هناك الذبح للاثنتين..قل لي ألا تذبح البنت عندكم لغسل العار كما أقرأ في الكتب أو الصحف؟أنت دكتور في الكيمياء قبل أن تكون تاجرا أي أنك مثقف له الجرأة كما ينبغي أن يعترف بالحقيقة..إنه التخلف وأنت أدرى, الذنب على التخلف وليس على الذين يعانون جراء وطأته.. إنني لا أطلب منك اعترافاً, كيلا تقع في الحرج, إنك ومهما يكن إنسان نبيل في نظري وستبقى كذلك!‏

ارتشف أيهم ما تبقى في كأس الكونياك, دفعة واحدة, طلب كأساً آخر, تجرعه على الطريقة الروسية, أو (كامبي) على الطريقة الصينية, استأذن وهو متوتر, صعد الدرج قفزاً إلى شقته, حاول الهرب , أو نسيان بيت من الشعر العربي (لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى/ حتى يراق على جوانبه الدم!) قال في نفسه: (كم من الدم أريق, لنساء بريئات, بسبب هذا الشرف الرفيع؟) الذي يتمرس وراءه رجال قتلة! الشرق غير الغرب, وهناك عادات وتقاليد في الشرق, لابد من مراعاتها, إلا أن هناك رجالاً كثيرين, يذبحون بناتهم, في الشرق, على الشائعة وحدها, دون تبصر, دون تثبت, دون سماع أقوال الضحية, التي قد تكون الزوجة, الأخت, البنت وحتى ابنة العم, متناسين حكمة الله عز وجل: (إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) وما أكثر الفاسقين في هذه الدنيا! غبريلا هذه ذكية, مطلعة, جابهتني بما لم أكن أنتظر, دفاعاً عن أمها ربما, وكي تطامن من غلوائي على الأرجح!‏

رن, بعد وقت غير قصير, جرس الباب.. كان هذا الدكتور أنداش تكاتتش, الذي انتشل أيهم من أفكاره السوداء, بابتسامته ولطفه وظرفه وقبلته على الخدين, وهو يقول قبل أن يجلس:‏

- إذن هكذا! وكعادة المحبين تماماً, يجري الاتفاق من وراء الظهور.. لكن ظهري أنا مرآة عاكسة, رأيت فيها ما كنتما, غبريلا وأنت تضمرانه: الزواج الذي أباركه سلفاً!.‏

قال أيهم:‏

- ما كنا, غبريلا وأنا, لنقدم على خطوة كهذه, إلا بعد أخذ موافقتك, باعتبارك رأس العائلة.‏

- رأس العائلة! هذا يعني أن الزمن لم يتغير.. ومن يقولها؟ أيهم الذي يؤمن بالحركة التي تنفي السكون؟ كان بإمكانهما الزواج في أي وقت, دون رأس العائلة أو ذنبها, لكنك, يا عزيزي, ترغب في تكريمي شكراً!‏

- وماذا نفعل مع السيدة مارغريت, وهي الأم؟‏

- العاصفة, عندما تهب, تأتي على كل ما هو يابس في الغابة.. مارغريت كان عليها, ألا تكون العود اليابس, أمام عاصفة الزمن, في غابة الحياة, لكنها تحبك, وهنا المشكلة.. الأم تحب ابنها, تغار عليه, إلا أن مارغريت, وهي لم تبلغ سن اليأس, لا تحب غبريلا حباً حقيقياً, وغبريلا وفق السايكولوجيا, تحبني أنا, والدها, وأنا اتفهم مثل هذه المشاعر فالنفس الإنسانية معقدة بأكثر مما نظن, وأكثر مما نقدر على الحل, لابد من التفكير ومن شيء يساعد على التفكير, وبما أني لا أدخن, لا مفر من أخذ كأس, ما رأيك بكأس, نترشفه على مهل؟ موافق؟ اجعله مثلوجاً جداً إذن, لقد كنت تحت, أخبرتني غبريلا أن أمها, بعد أن صحت من سكرها, تلقت النبأ بما يشبه الصدمة الكهربائية, نبحت:‏

- أنت تتزوجين هذا الصعلوك؟ محال؟‏

لماذا محال؟ ولماذا أنت صعلوك إذا تزوجت غبريلا, وغير صعلوك إذا تزوجت مارغريت؟ ما رأيك أن تتزوج الأم بدلاً من البنت؟ إنه حل جيد! أعطني كأساً آخر! يعينني على التركيز, فالمشكلة صعبة, لكنها قائمة, وهي غير نادرة, وقد أخبرتني غبريلا, وبتفصيل دقيق, إنك تحدثت معها طويلاً, حول كل المسائل المتعلقة بالمرأة, والحب, والتقاليد في الشرق, وكانت صريحة جداً معك, حتى لتخاف أن تكون صراحتها قد أزعجتك, فهل أزعجتك فعلاً؟‏

- أبداً! هي نفسها وضعت اصبعها في نفارة الجرح, قالت: (إنه التخلف) وهذا صحيح, غير أنها ترغب أن تأخذ التضحية لحسابها وحدها, وقد سألتني: (ما رأيك أن أضحي بحبي لك, كي تحب أمي بدلاً عني؟).‏

- هذا من الشفاه, لا القلب, ولك من الذكاء والتجربة ما يجعلك تدرك ذلك.‏

قال أيهم:‏

- أدركته فعلاً, وبعد ذلك صعدت مسرعاً, إلى شقتي, أفكر بوضع المرأة في الشرق, وما تعاني من ظلم!‏

قال الدكتور أنداش:‏

- أنت غير قادر يا أيهم, أن تفعل شيئاً لأجلها راهناً.. التخلف لابد أن يزول, هذه سنة الحياة, هذا ما تقوله أنت, عن تغير الزمن, عن التبدل الذي هو قانون الحركة, ومع تغير الزمن تتغير العادات والتقاليد نفسها.. قل لي: ألم يطرأ تبدل على وضع المرأة في الشرق, حتى مع التخلف الراهن؟‏

- طرأ تبدل طفيف!- هذا لأن التخلف إلى زوال, بشكل طفيف أيضاً.. التقدم الاجتماعي تصنعه المرأة, مع العلم, ألم تبدأ المرأة في الشرق, تتعلم وتعمل؟ الجواب: نعم وهذا حديث مكرور, مع الذات والآخر في السريرة والجهارة.. أعطني كأساً ثالثاً, واهتف لغبريلا أن تصعد إلينا, كي نعرف منها أسماء كل هذه الآلات الموسيقية, التي تملأ الشقة وتضايقك بشكل ما.. أما بالنسبة لأمها مارغريت, فإن الدواء الناجع, أن تتظاهر أنك لها, دون أن تكون لها, ألا تكشر في وجهها, حين أنت عندها تحت أو هي عندك فوق, وإذا دعتك إلى السرير, لا ترفض, تظاهر بالتعب, قل لها: (إن ذلك إن كان تجعلها تيأس,في اليأس راحة لك ولها,وبعد الزواج من غبريلا سافر أكثر من السفر,مع زوجتك,فالفراق وحده,من يقضي على الحب,الفراق سرطان الحب,ومع ورمه,ينتقل هذا السرطان الخبيث إلى كل خلايا الاشتياق,ويتلف انسجتها.‏

قال أيهم:‏

-عندنا مثل يقول( بالوعد أسقيك يا كمون !) الكمون نبات...‏

- أعرفه..لا تسقه,دعه يذبل ويموت..اتفقنا ؟‏

- اتفقنا.وسألعب دوري باتقان..جرس الباب يرن..إنها غبريلا!‏

قالت غبريلا وهي تلهث,من التوتر والتعب,وبعد أن عانقت والدها وبكت:‏

-أنتما هنا,وأنا أواجه الثورة الكلبية لوالدتي؟إنها ضد زواجي من أيهم,وبشكل مطلق!‏

قال والدها:‏

- ستكتفي,حاليا,بالخطوبة,وأنا من سيقنع مارغريت,إن الخطوبة إلى فشل..إنها تجربة,ولن يكون هناك انسجام بين عقليتين:غربية وشرقية,وبعد إخفاق التجربة,سيذهب كل من الخطيبين في طريق,ويبقى أيهم,مجرد مستأجر للشقة,تتصرفين معه وفق ما يحلو لك,إنها خدعة,ما كنا لنلجأ اليها,لولا هياج هذه البقرة أمك..امسحي دموعك,خذي كأسا معنا,اشرحي لنا خصائص كل هذه الآلات الموسيقية, وبعد ذلك اعزفي لنا مقطوعة موسيقية ما..‏

قال أيهم متحمسا:‏

- مقطوعة الدانوب الأزرق لشتراوس!‏

عزفتها,بإتقان,غبريلا,صفق أيهم وإنداش إعجابا,فنهضت العازفة عن البيانو,لتقبل المعجبين بحرارة,ثم تشرح لهما خصائص كل آلة موسيقية ودورها في العزف الجماعي,مثل السيمفونية مثلا,وقالت ممازحة:‏

-لن أتزوج أيهم,ما لم يتعلم العزف على آلة ما,ليكون بيننا انسجام وتفاهم من خلال الموسيقا التي ترتفع بالروح المجنحة عاليا.‏

قال أيهم:‏

-أنا أصلح للطبلة فقط!عندنا يسمونها الدربكة وتلعب دور ضابط الإيقاع.‏

قال الأب:‏

-وأنا نازل إلى مارغريت لأعلمها الرقص الشرقي,وهو موضة هذه الأيام.‏

خرج الدكتور أنداش أغلق الباب وراءه بقي أيهم وغبريلا وحدهما كانا تواقين إلى المعانقة وهما بحكم المخطوبين لكنهما ضبطا أعصابهما ومع فنجان القهوة قالت غبريلا:‏

-وددتها هناءة خالصة لا تشوبها المنغصات..لماذا هذا الحظ السيىء الذي عكر صفاء فرحتنا؟‏

ابتسم أيهم وقال:‏

-لأن العكر موجود حتى في الماء الصافي لا يرى بالعين المجردة , الايديولوجيا نفسها غير صافية , فيها من القديم أثر ومن الجديد أثر وعلينا أن نتقبل هذه الحقيقة..الكمال لله وحده أما بالنسبة للإنسان فإن التمام إلى نقصان الحب نفسه إذا ما اكتمل نقص تحول مع الزواج إلى حب آخر , حب بناء الأسرة وبهذا ينجو من الفشل..مبارك القلق ملعونة الطمأنينة أما شعاري أنا فهو التالي:(تمتع بما أنت فيه اليوم ودع للغد ما يأتي به الغد) أنت معي الدنيا معي , وماهي الدنيا الآن بالنسبة إلينا؟الاستمتاع أن نستمتع يعني أننا نعيش.‏

سألت غبريلا بخبث:‏

-وكيف نترجم كل ذلك؟‏

-هكذا‏

قالها أيهم وهو يحتضن غبريلا منقضا على شفتها كأفعى في ليونة جسمها انقضاض النسر على الأفعى في زحفها..كان عنيفا وعنفه أرضى الأفعى بين ذراعيه وغبريلا تمتم غاربة النظرات:‏

- لا تعض حبيبي أنا لك كيفما شئت ولكن لا تعض كيلا تترك أي بقعة زرقاء على شفتي أو عنقي..عرني عض كتفي البضتين كلني المرأة تتشهى أن تؤكل ألست من بلاد تؤكل فيها المرأة؟‏

أبعد ايهم غبريلا عنه للحظة, رأى عينيها الموشح بياضهما بالاحمرار, انيابها الذئبية, ارتعاش قسمات وجهها, اختلاج جسمها, النبض في الشرايين, على طرفي رقبتها, نداء الانثى الى الذكر: ان خذني, ضمني اليك, وباكثر ما تستطيع من قوة, فأنا أحب, من الرجل ذلك .‏

استجاب أيهم للطلب, فترنحت غبريلا وهي تصيح:‏

آه ياحبيبي, كم انت رائع, ايها المجنون الرائع, عنقك على شفتي, كما عنقك في صدري, لماذا؟ لماذا؟‏

قال أيهم:‏

لانك, هكذا, ألذ!‏

ولكن هذا يشبه الاغتصاب!‏

والآن عرفت ماهو الاغتصاب, ان كنت لم تعرفيه من قبل!‏

ليس بهذا الشكل, ليس بهذا الشكل... انه رائع... لماذا هو رائع؟‏

لأنه ليس في السرير, ولانه على قلق... ولأن الباب لم يطرق, وكنا, في كل لحظة, نخاف ان يطرق...‏

وهل يبقى الأمر كذلك بعد الزواج؟‏

لا, مع الأسف! ميلان كونديرا يقول: (النوم المشترك هو جسم الجريمة في الحب) ويقول ايضاً (مضاجعة المرأة, والنوم الى جانبها, شهوتان متناقضتان).‏

اللعنة على كونديرا هذا... ماذا يكتب؟‏

يشتم الاتحاد السوفياتي, بعد انهيار الاتحاد السوفياتي, وهذه خسة ونذالة... انه يقطع سياق السرد في الرواية, ليمد رأسه من بين السطور, ويشتم... النقاد الكرام, يعيبون الايديولوجيا عند غيره, أما الايديولوجيا عنده فيمدحونها... لانها تروق... برجعيتها, لهم... هذا النذل يضرب خصمه, بعد ان يكون الخصم على الارض... يالها من رجولة! هيا تدوشي, وبعد ذلك نعرف ما نجهل... لابد أن يصعد والدك الينا... لنسرع اذن, ونزل كل اثر, وهذا من الاحترام!‏

والدي يعرف أننا, في غيابه , لا نصلي!‏

ولكن ليس من الضروري أن نقول له: إننا لم نكن نصلي!‏

أنت على حق... سأسرع ما استطعت...‏

وأنا أزيل أثر المعركة التي وقعت في بيل هاربر, بين اليابان وأميركا! ثم أتدوّش بعدك, بالسرعة القصوى, ونجلس نخمن مادار بين والدك بكل لباقته, وبين أمك بكل فجاجتها!‏

في نشوة الحب نشوة ابتكار , الكلمات تكون مبتكرة ونظرات العيون وابتسامات الشفاه وحركات الايدي ونار الاصابع حين الكف في الكف والذراع مرتعشة تطوق الخصر الضامر من صباه ناقلة الكهرباء من جسد الى جسد.‏

الصمت ! ليكن هناك صمت , فالالفاظ مهما تتأنق يبقى , في الصمت , تأنق اكبر والشهوة عابرة تسفيها الريح تاركة ذكرى تتوقف مع الريح ان هي توقفت ومعها تضيع هباء في الفضاء اللامتناهي انها الملكة تاجها الشعر المنسدل على الكتفين المتوج في اندياته طيات او حلقات والملكة امرأة هي ببساطة امرأة تتشهّى كما النساء جميعا ان يكون ثمة قلب يخفق مع قلبها فإذا لم يكن غدا التاج ورقا ومانفع الورق اذا ازحنا جانباً البهرج في الاحجار الكريمة والسلطة في شؤون الحكم؟قال ايهم لغبريلا وهي الى جانبه على مقعد واحد:‏

انت الان ملكة وتتفوقين على الملكات بجمالك وانوثتك‏

قالت غبريلا:من كل مافكرت به وقلته تبقى كلمة الصمت هي الاحلى‏

في اي وقت الان مثلا؟ لا ! ليس الان بل عندما كنا ندخن عقب انحلال الجسدين بعد انضفارهما!‏

هذا ما يسمونه ( اللحظة الحلوة) في التأمل وقد عشتها بغير ندم وانت؟‏

لا ادري انني لا ازال حتى مع اللحظة الحلوة اتأمل هل كان ضروريا ذلك الشيء وبهذه السرعة كان يكفي ان يحب احدنا الاخر الى ان نتزوج.‏

قال ايهم:‏

وبماذا يتغذى حبنا يا غبريلا؟‏

الا يتغذى سوى بالشهوة؟‏

(الحب لا يتغذى ان لم يكن شهوان) كما قال احد الشعراء‏

شاعرك هذا بودليري النزعة اذا تحولت الشهوة الى فعل لايبقى من الحب سوى القشر!‏

و هل كل الحب امتلاك الجسد؟‏

الرجل اذا امتلك جسد المرأة لايبقى لدى المرأة ما تمنحه للرجل‏

وعندئذ يدير ظهره لها.‏

هذا هو المفهوم الشائع في الغرب كما في الشرق وهو مفهوم خاطىء.‏

فالحب قبل الزواج محروس بالقلق!‏

وبعد الزواج؟‏

يدوم الحب مادام الرجل قادرا ان يكون عشيقا لزوجته لازوجا لها!‏

واذا لم يستطع؟‏

يتحول الحب الى لون اخر يصير حب بناء اسرة بمن فيها من اولاد ومن تنشئة لهم ومن تعاون الزوجين على بناء الاسرة وتنشئة الاولاد والقضايا الاخرى.‏

قالت غبريلا:‏

هذا حب كلاسيكي وزواج كلاسيكي وبناء اسرة كلاسيكي فأين الرومانسية في كل هذا؟‏

للرومانسية كما افهمها وكماهي تاريخيا ذات شقين ثوري , وهذا الذي حفظ الرومانسية حتى الان وسيحرسها طويلا وغير ثوري وهذا الذي مات او هو في طريقه الى الموت!‏

هل انت مع الرومانسية الثورية؟ وما ادلتها لديك؟‏

قال ايهم:‏

تأخرت ولو لوقت قصير ان تكتشفي من انا هل كنت منذ رأيتني للمرة الاولى نائما على السرير ام راكبا على حقيبة سفري؟‏

قالت غبريلا:‏

وماذا يعني هذا؟‏

آه يا صغيرتي يا حبيبتي هذا يعني انني كنت قلقا , كنت غير عادي في تصرفاتي واقوالي!‏

ولكن هذا من الجنون!‏

وهل الرومانسي عاقل.. عندما يصير عاقلا يصبح كلاسيكيا واذا ما كان المرء عفويا, صادقا في تصرفاته فإنه رومانسي.‏

وهذا يشمل ايضا تبجحاته كم كنت متبجحا؟‏

لم اكن متبجحا ابدا قلت لك: (اذا افقت غدا وكنت انا قد غادرت البيت فتذكري انك قابلت رجلا غير عادي وعندئذ لايأخذك الندم) هل هذا صحيح؟‏

- صحيح ! لكنك لم تغادر هذا البيت , فلماذا؟‏

-لاني كنت الرومانسي, وكنت الكلاسيكية .. حملت السكين في جيب معطفك ولم تطفي بها!‏

-شرط الرومانسية ان تطعن؟‏

-او تحاول على الاقل..‏

-وتذهب الى السجن؟‏

-وماذا في ذلك ؟ الرومانسي , اذا كان ثورياً, لايخاف السجن.. لدينا شاعر تونسي هو ابو القاسم الشابي, يقول هذا البيت في احدى قصائده:‏

من يتهيب صعود الجبال ,يعش ابد الدهر بين الحفر‏

انت ياغبريلا, تهيبت صعود الجبال!‏

-لكنني لا أعيش بين الحفر!‏

-هذا لانك احببت .. وهذا لانني احببت : انت لم تطعني بالسكين الذي معك لانك احببتني وانا لم اغادر هذا البيت لانني احببتك .. المسألة واضحة!‏

-لا ليست واضحة.. انت لم تغادر هذا البيت, كي تغتصبني كما فعلت اليوم..‏

-وانت جئت لكي اغتصبك , كي تعرفي لذة الاغتصاب..‏

-مجنون!‏

-هذا لأني رومانسي!‏

-وانا؟‏

-رومانسية , لولا حساباتك الصغيرة كأنثى!‏

/يتبع/

حنا مينة

المصدر: الثورة

حنا مينة: النار بين أصابع امرأة (11)

حنا مينة: النار بين أصابع امرأة (10)

حنا مينة: النار بين أصابع امرأة (9)

حنا مينة: النار بين أصابع امرأة (8)

حنا مينة: النار بين أصابع امرأة (7)

حنا مينة: النار بين أصابع امرأة (6)

حنا مينة: النار بين أصابع امرأة (5)

حنا مينة: النار بين أصابع امرأة (4)

حنا مينة: النار بين أصابع امرأة (3)

حنا مينة: النار بين أصابع امرأة (2)

حنا مينة: النار بين أصابع امرأة (1)

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...