حظر المآذن أو الكيد المرتد

03-12-2009

حظر المآذن أو الكيد المرتد

لا تزال قضية تصويت السويسريين لحظر بناء المآذن ببلادهم تثير جدلا في الأوساط السويسرية والإسلامية والدولية, فبعد أن أفاق الجميع من الصدمة الأولى للنتائج بدأ التقييم ومحاولة تدارك الموقف كي لا يطول الحظر رموزا إسلامية أخرى وكي لا يشمل بلدانا أوروبية عدة، وذلك ما ناقشته الصحف الغربية اليوم.

وقد اختارت صحيفة لوتان السويسرية عنوان "التمييز: الكيد المرتد" للتعليق على تداعيات تصويت السويسريين لصالح حظر المآذن ببلادهم, ونبهت إلى أن أشد الانتقادات لهذه الخطوة لم تكن من العالم الإسلامي وإنما من حلفاء سويسرا الغربيين أنفسهم.

وهذا ما عكسته تصريحات مسؤولي المنظمات الدولية بسويسرا، فها هي المفوضة السامية لحقوق الإنسان بسويسرا نافي بالي تصدح بشجب هذه النتائج، معتبرة أنها "تمييزية" وتتعارض مع نهج أي بلد ديمقراطي يحترم الأقليات.

بل إن نبرة المسؤولين السويسريين أنفسهم بدأت تتغير، فبعد المحاولات الخجول لتفسير ما حصل ها هي وزيرة الخارجية السويسرية ميشلان كالمي راي تعترف أمام وزراء منظمة الأمن والتعاون الأوروبية بأن هذا التصويت يمثل "مشكلة" وتعرب عن "انشغالها" بتداعياته.

وتقول في هذا الإطار إن كل ما يمس التعايش السلمي للثقافات والديانات المختلفة بسويسرا من شانه أن يهدد أمننا، على تعبير الوزيرة.

وهذا ما قالت الصحيفة إنه يمكن أن يترجم بالجملة التالية "إذا كنا لا نستطيع العيش معا في وئام وانسجام فلن يكون هناك ما يكفل لنا أمننا, لأن الاستفزاز يولد الاستفزاز والازدراء وقود التطرف".

لكن لا يبدو أن اليمين الشعبوي السويسري يعير اهتماما كثيرا لهذه الانتقادات, فقد ذكر موقع سويس إنفو, التابع لهيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية والموجه للسويسريين المقيمين في الخارج أن حزب الشعب السويسري اليميني المتشدد ينوي إطلاق مبادرات إضافية ضد ما يسميه "انتشار الإسلام في سويسرا".

ونقل الموقع عن العضو البارز في حزب الشعب النائب البرلماني السويسري أدريان أمستوتس قوله إن حزبه سيتصدى لما أسماها "الأسلمة الزاحفة" عبر دعوة البرلمان إلى اتخاذ إجراءات ضد "الزيجات بالإكراه وختان الإناث والإعفاءات الخاصة من دروس السباحة والبرقع... إلخ".

في المقابل أعرب المسلمون في سويسرا بعد أن أفاقوا من الصدمة التي سببتها لهم نتيجة التصويت عن أملهم بأن تلغى هذه النتيجة على مستوى المحكمة الأوروبية.

لكن أيا كانت توجهات تطور الأحداث فإن المفكر السويسري أستاذ الدراسات الإسلامية الحديثة بجامعة أكسفورد البريطانية طارق رمضان يرى في مقال له نشرته صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأميركية أن هذه النتائج تنذر بالخطر.

ويتساءل ما الذي يحدث في سويسرا البلد الذي ولدت فيه؟ ويضيف "ليس هناك سوى أربع مآذن في سويسرا, فما الذي جعل مبادرة حظر المآذن تنطلق من هناك؟"

وهنا يؤكد رمضان أن سويسرا كجل البلدان الأوروبية تواجه ردة فعل على المستوى الوطني على تزايد المظاهر الإسلامية في ربوعها, وما المآذن إلا ذريعة لشن حملة على الإسلام.

ويذكر رمضان هنا أن حملة الحزب الشعبي السويسري استهدفت في البداية طريق ذبح الحيوانات لدى المسلمين, لكن حساسية الموضوع بالنسبة لليهود السويسريين جعلت الحزب يحول أنظاره إلى المآذن بوصفها رمزا إسلاميا صرفا يفي بالمطلوب.

ويضع المفكر ما جرى بسويسرا ضمن إطار أعم, قائلا إن لكل بلد أوروبي رموزه أو مواضيعه الخاصة التي يستهدف من خلالها المسلمين, ففي فرنسا البرقع أو الحجاب وفي ألمانيا المساجد وفي بريطانيا العنف وفي هولندا المثليون... وهكذا دواليك.

ويؤكد رمضان أن غالبية السويسريين بعثوا برسالة واضحة إلى مواطنيهم المسلمين مفادها "لا نثق بكم, وأفضل المسلمين بالنسبة لنا هو من يتوارى عن أنظارنا".

لكن على من يقع اللوم؟ يتساءل الكاتب, قبل أن يضيف "لقد ذكرت المسلمين مرارا وتكرارا لسنوات كثيرة أن عليهم أن يكونوا في الواجهة, وينشطوا ويتفاعلوا مع مجتمعاتهم الغربية".

ويوضح أن المسلمين السويسريين ظلوا دائما يصارعون من أجل البقاء بعيدا عن الأنظار لتفادي أي صدام مع المجتمع, وكان عليهم -حسب رأيه- أن يدخلوا في تحالفات جديدة مع كل الأحزاب والمنظمات السويسرية التي عبرت عن معارضتها لمبادرة حظر المآذن.

فاللوم إذن لا يقع, حسب الكاتب, على الشعبويين وحدهم وإنما هو نتاج فشل أعم وخنوع غير مبرر وغياب للثقة في المواطنين المسلمين الجدد ينم عن ضيق الأفق.

وتعليقا على هذا الحظر قال الكاتب جوناثان فريدلاند في مقال له بصحيفة غارديان إن فرائصه ترتعد بسبب الحظر السويسري.

ويحاول الكاتب في مقاله استقراء ردات الفعل في الغرب وأوروبا لو أن الحملة التي شنت على المسلمين بأوروبا عبر قضية المآذن شنت على اليهود مثلا.

ويتساءل "ما ردة فعلي لو أن السويسريين صوتوا لصالح تغيير الطريقة التي تبنى عليها كنس اليهود؟ قبل أن يجيب "بالطبع الاشمئزاز الشديد".

ولهذا يقول فريدلاند لا أجد لي بدا من معارضة ما ذهب إليه السويسريون في قضية المآذن، فالموقف الوحيد الجدير بالاحترام في هذه القضية هو "الوقوف ضدها".

ويناقش الكاتب فكرته ويرصد بعض الأمثلة والآراء بشأنها قبل أن يقول في آخر مقاله "أعتقد أن حظر المآذن بسويسرا سيؤدي إلى نتيجة واحدة لم يكن من وقفوا وراءه وأيدوه يحسبون لها حسابا وهي أن أعداد المسلمين الذين يذهبون إلى المساجد بسويسرا ستتزايد إذ إن تلك هي ردة فعل الناس عندما يحسون أنهم مهددون".

المصدر: الجزيرة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...