بين الدراما .. والإعلام!

21-04-2020

بين الدراما .. والإعلام!

تعرض قناة “سورية دراما” مجدداً المسلسل الكوميدي “ضبوا الشناتي”.المسلسل يتناول من خلال يوميات عائلة سورية عايشت ظروف الحرب السيئة، قضايا كثيرة طفت على السطح خلال السنوات الماضية.. ولا تزال.


جرأة الطرح واللغة المباشرة اللتان تميز بهما المسلسل، تجعلانا نعاود طرح سؤال قديم لم نجد له طيلة فترة ما قبل الحرب وخلالها إجابة شافية ومقنعة.


والسؤال: لماذا هامش الحرية المعطى للدراما أكبر وأعمق بكثير من الهامش المعطى للصحافة وللعاملين فيها؟
يفترض أن هامش الحرية واحد لسببين..


الأول: أن حدود الحرية المسماة بـ”الخطوط الحمراء” يفترض أنها واحدة، وإلا فإن خرقها من أي جهة وبموافقة رسمية يجعلها خطوطاً واهية، ولا يمثل تجاوزها تهديداً للمصلحة الوطنية..


والمقصود بـ”الخطوط الحمراء” ليس ما يقرره مسؤول هنا أو جهة هناك، وإنما ما يقرّه الدستور أولاً والقوانين ثانياً، فهذه “الخطوط” في الحقل الإعلامي هي محظورات النشر الواردة في قانون الإعلام الصادر في العام 2011 فقط لا غير.


الثاني: إن مخاطبة الرأي العام لا يمكن أن تكون متفاوتة بين وسيلة وأخرى، أو بين جهة وأخرى.. فالرسالة المُراد إيصالها للمواطن يفترض أن تكون واحدة.. فلا يقال شيء في الإعلام، ثم يأتي مسلسل درامي ليناقضه.. والعكس صحيح.لا أحد يمكن أن ينكر الدور الذي لعبه الإعلام الرسمي خلال الفترة الماضية، هذا رغم كل ما يعانيه من مشكلات وما يسجل عليه من ملاحظات.. بعضها صحيح وموضوعي، وبعضها الآخر مجرد تسجيل مواقف أو انتقاد لمجرد الانتقاد.


لا بل يمكن القول إن الإعلام الرسمي، وتحديداً الصحافة المطبوعة، كان متقدماً جداً في جرأة طرحه وتناوله للقضايا المختلفة عن الدراما السورية خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات..فما أسباب التمييز في هامش الحرية المعطاة منذ سنوات لكل من الدراما والإعلام؟


هل هي النظرة التقليدية المتوارثة منذ عقود طويلة، والقائلة بأن خطر الإعلام في التأثير بالرأي العام لا يعادله تأثير آخر؟


ربما.. لكن عملياً جمهور الدراما أوسع بكثير من جمهور الإعلام، فالمسلسلات الدرامية تكاد تكون مُتابَعة من كل أسرة سورية، وتالياً إذا كان هناك اليوم من تأثير واسع فهو للمسلسلات الدرامية.


أم إن هناك من يعتبر أن مضمون الدراما لا يؤخذ على محمل الجد، بالنظر إلى كونه أقرب إلى النمط الترفيهي الذي يتماهى فيه الواقع مع خيال الكاتب، في حين أن مضمون الإعلام جدي، يناقش قضايا واقعية، ويتوجه في خطابه لعقل القارئ والمشاهد والمستمع.


في الواقع هذا الرأي ليس دائماً صحيحاً، فهناك مسلسلات درامية قدمت مضموناً عالي المستوى، وكانت محور نقاش لشريحة واسعة من الرأي العام.. لا بل إن بعض المسلسلات كانت لها وظائف سياسية، وليس فقط اجتماعية وفكرية.


إذاً.. قد تكون المشكلة في تركيبة العقل الرقابي، الذي يقوم على رقابة النصوص والمسلسلات الدرامية بعقل أكثر تحرراً من المصالح الخاصة وانفتاحاً من عقل الرقيب في الوسائل الإعلامية، بدليل تباين هامش الحرية بين وسيلة إعلامية وأخرى.


على أي حال، إذا كانت أمنياتنا كصحفيين بزيادة هامش الحرية إلى الحدود التي يرسمها قانون الإعلام، فإننا في المقابل نأمل ألا يضيق الهامش المعطى للدراما..لأنه سبيل نجاحها وانتشارها محلياً وعربياً.

 



زياد غصن 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...