المال والدين والسلطة في انقلاب تايلند

25-09-2006

المال والدين والسلطة في انقلاب تايلند

غالبا ما كانت الانقلابات العسكرية في العالم تنفّذ على اساس سيناريو متشابه: العسكر يطيح بالملك او الرئيس او الديكتاتور، غير أنّ الانقلاب الاخير في تايلاند جاء معاكساً لهذه القاعدة التاريخية، بعدما ظهر تواطؤ بين جنرالات الجيش والعرش الملكي ضد الحكومة المنتخبة.
واذا كان نزول الدبابات الى شوارع بانكوك في التاسع عشر من ايلول قد فاجأ العالم، بعدما ظنّ كثيرون أنّ زمن الانقلابات قد ولّى، فإنّ الأزمة المستمرة في تايلاند منذ سنتين تقريباً كانت تنبئ بتغيير ما سيحدث، ليس بالغريب أن يكون من بوابة العسكر، خاصة عندما يكون الحديث عن دولة شهدت اكثر من عشرين انقلابا خلال سبعين سنة، كان آخرها محاولة الانقلاب التي قادها الجنرال سوشيندا كرابريون عام ,1991 والتي انتهت بإسقاط حكومته العسكرية، على اثر تحركات شعبية مدعومة من الملك بوميبول ادولياديج.
وفيما بدت مسألتا الفساد وإساءة استعمال السلطة، السبب الرئيسي للأزمة السياسية الحالية التي تعصف بتايلاند، فإنّ الأسباب الجوهرية للنزاع تبدو في مكان آخر، حيث تعيش البلاد، منذ اقرار دستورها الاخير عام ,1997 في أجواء صراع خفي بين النزعة الرئاسية و النزعة الملكية ، زاد من حدته غموض المواد الدستورية وتداخل النص المكتوب بما استقر عليه العرف والتقليد.
فقد سعت تايلاند من خلال دستور عام ,1997 الى ارساء قواعد برلمانية للنظام الملكي الدستوري، تستند الى نظام الانتخاب المزدوج، واستحداث هيئة انتخابية مستقلة، وتقوية صلاحيات السلطة التنفيذية، في محاولة تدعيم سلطتها، بهدف احداث التوازن بينها وبين السلطة المعنوية للملك بوميبول، الذي يحظى بشعبية كبيرة، تجعل من أي توجّه رئاسي، لعنة تحل على أي سياسي يعمل على تحقيقه.
هذا الواقع يفسّر الى حد ما، المصاعب التي واجهها تاكسين منذ أن تحوّل حليفه الأبرز سوندي ليمثونغكول الى صفوف المعارضة، بعد أن قررت الحكومة إقالة مدير احد المصارف العامة، الذي كان قد اعفى سوندي من ديون تقدّر قيمتها ب1.6 مليار دولار.
استفاد سوندي من امتلاكه امبراطورية اعلامية ليشن حملة انتقادات واسعة ضد الحكومة، متهماً رئيسها بالمس بصلاحيات الملك بوميبول، بعد أن انفرد تاكسين بتعيين كبير الكهنة البوذيين، وحلوله ضيفاً على اقدس المعابد البوذية في البلاد، في خطوتين اعتبرتهما المعارضة تحقيراً للملك.
حاول تاكسين مواجهة خصومه عبر اللجوء الى القضاء، حيث رفع العديد من الدعاوى ضد سوندي ووسائل اعلامه، مما اثار حفيظة الصحافيين والمثقفين، الذين اتهموه بالقضاء على الحريات العامة.
وسرعان ما أتخذ هذا الصراع السياسي منحىً تكفيريا ، بعد ان اتهمت المعارضة تاكسين بالوقوف وراء اعتداء نفذه احد الشبان على تمثال للإله براهما، في وسط العاصمة، بهدف استبداله بنصب ل قوة الظلام بحسب المعتقدات البوذية.
غير أنّ ذروة الصراع كانت مع قيام المعارضة بتوجيه اتهامات حادة لتاكسين بالفساد، على خلفية الفضيحة المالية، التي اثيرت بعد قيام عائلته ببيع اسهمها في شركة شين للاتصالات بقيمة 1.88 مليار دولار، لصالح شركة تيماسيك هولدنغ السنغافورية، مستفيدة من ثغرة في القانون للتهرب من دفع الضرائب، حيث شهدت تايلاند موجة كبيرة من التظاهرات والتظاهرات المضادة، هددت بانقسام عمودي في البلاد بين معسكرين كبيرين.
وفي محاولة للخروج من المأزق حلّ تاكسين مجلس النواب، داعياً الى اجراء انتخابات نيابية مبكرة، قاطعتها المعارضة، مما ادى الى فوز حزبه ب462 مقعداً، من أصل خمسمئة، الأمر الذي ادخل تاكسين في عزلة سياسية، سعى الى الخروج منها عبر طرحه مبادرة لتشكيل حكومة وحدة وطنية ولجنة للمصالحة رفضتها المعارضة مجدداً.
وفيما يضع الدستور التايلاندي قيوداً على تدخّل الملك المباشر في الحياة السياسية، سعى بوميبول الى استخدام نفوذه المعنوي، حيث عقد اجتماعاً مع تاكسين، الذي خرج من القصر الملكي ليعلن عدم قدرته على تشكيل الحكومة.
وفي المقابل دعا الملك المحكمة الدستورية الى التدخل، فأصدرت قراراً بإبطال نتائج الانتخابات، موجهة الدعوة الى اجراء انتخابات جديدة في تشرين الأول، في وقت اصدرت فيه المحكمة الجزائية حكماً قضى بسجن اعضاء الهيئة الانتخابية لرفضهم الانصياع لهذا القرار.
ومع تصاعد حدة الصراع في آب الماضي، اتهمت المعارضة تاكسين وأعوانه بالتآمر للاطاحة بالملك، فيما اتهم تاكسين الجيش بمحاولة اغتياله بعد ان عثرت الشرطة على سيارة مفخخة بالقرب من منزله.
ومع دخول الجيش حلبة الصراع، استفاد قادته من غياب تاكسين عن البلاد، خلال زيارته الى نيويورك، ليعلنوا الانقلاب الاول في تايلاند منذ 15 عاماً، الذي سعى الملك بوميبول لأن يكون على مسافة منه، على الرغم من تأكيد العديد من المحللين على الدور الحاسم الذي لعبه في هذه الأحداث بحنكته السياسية المعروفة، من خلال دعمه الضمني للتحرك العسكري، اذ يشير المحلل سولاك سيوالاك الى أنّه من دون تدخّل الملك ما كان الانقلاب ليحدث ، مضيفاً انّ الملك بارع جداً، فهو لا يتدخل بشكل مباشر، فإذا فشل الانقلاب، فالشعب سيحاسب قيادة الانقلاب، فيما ينال الملك المزيد من المديح .
وبانتظار معرفة مدى قدرة مجلس قيادة الانقلاب على التعاطي مع جدلية العلاقة بين الأمن والديموقراطية والاقتصاد، خلال الفترة الانتقالية المقبلة، قبل استعادة الحياة الدستورية في تشرين الاول من العام المقبل، تواجه القيادة الجديدة تحديات عديدة أهمها التعاطي مع الاحتجاجات الذي بدأت تشهدها بانكوك تحت شعار حقوق الانسان، ومحاولة ايجاد حل للصراع مع الانفصاليين الاسلاميين في الجنوب، خاصة أن قائد الانقلاب الجنرال سونثي بونياراتغلين يعتبر اول مسلم يتسلم قيادة البلاد ذات الاغلبية البوذية.

وسام متى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...