الثقافة الغنائية بين القيم الموروثة والسطحية

04-08-2008

الثقافة الغنائية بين القيم الموروثة والسطحية

«لهجر على تركيا وأنسى الأول والتاني»، «واعدتينا تحت التينه وما جيتينا»، «حبيتك قلبي وروحي قالولك» و «نامي عيني دي نامي دي نامي»، هذه عناوين لأشرطة غنائية باتت بحد ذاتها ثقافة تتناقلها الألسن لتشكل انعطافاً للحياة الثقافية على المستوى السوري.

يطلق بعضهم على هذه «الثقافة» تسمية «ثقافة المطربين الجدد» أمثال علي الديك وزميله وفيق حبيب. وهي «ثقافة» أتت بأغان لولاها لكان جزء من تراثنا تعرض للضياع.

وتبرز في مقدمها أغان مثل «هاجر فوق الرعوشي»، «راحت تقشقش حطب» و «حسنة». وتهوى فئات واسعة من الناس وفي مقدمهم الشباب هذه الأغاني لأنها تحاكي واقع آبائهم وأجدادهم الذي تعرّض لتغيرات عميقة خلال الخمسين سنة الماضية.

«هذه الأغاني تستهويني لأنها تحاكي عقلي الباطني وحنيني إلى الماضي من خلال روايات أجدادي وقصصهم»، تقول منال زيود (26 سنة). وهو رأي يدحض فكرة أن شباب اليوم لا يحنون إلى الماضي، لا سيما إذا كان الحاضر لا يبدو وردياً بالنسبة إليهم.

وعلى رغم أن هذه الثقافة سائدة في الأرياف السورية، إلا إنها انتقلت إلى المدن، بخاصة إلى أبنائها الذين تعود أصولهم إلى الريف.

وهكذا بات هؤلاء مشغولين بهذه «الثقافة» الجديدة كنظرائهم الريفيين بذريعة إنها تساعد على التماسك ورص الصفوف». «جوهر الثقافة الشعبية أو ثقافة الأغاني الدارجة هو مشاركة الآخرين أذواقهم وهمومهم وأفراحهم» على حد تعبير سناء حربا (35 سنة) الذي يفتقد روح الجماعة في شكل تدريجي في مدينته دير الزور. كــما أن لغة الأغاني الشعبية هي لغة أهل الريف البســيطة التي تدعو إلى مساعدة الآخرين وإقامة عــلاقات اجــتماعية غــير مــعقدة على حد تعبيره.

وإذا كان قسم من الشباب يستمع إلى الأغاني الشعبية ويهواها فإن الغالبية على الأرجح تفضل الأغاني السطحية التي لا تتحدث لا عن تراث ولا عن ثقافة بقدر ما تردد بعض العبارات الفارغة أو العديمة المعنى على حد تعبير زاهي عليو (31 سنة).

ويرى عليو أن شباب اليوم لا يستمعون إلى عمالقة غناء أمثال وديع الصافي وفيروز بقدر ما يستمعون إلى أغان «رخيصة» أو غربية يتمايلون على موسيقاها في شكل عشوائي أو أرعن. البعض يرى في ذلك تجسيداً للغزو الثقافي الغربي للأجيال الناشئة التي لا تقرأ بقدر ما تلجأ إلى الفيديو والتلفزيون. وهو أمر يؤكده أصحاب المكتبات الذين يؤكدون أن مبيعات أشرطة الكاسيت «الرخيصة» تفوق بأضعاف مبيعات أفضل كتاب.

وتعزو ربى صادق (21 سنة) ضعف الاهتمام بالكتاب إلى الحراك الاجتماعي البليد والبطيء، إضافة إلى شيوع ثقافة المسلسلات المسلية أكثر من تلك التي تنشر الثقافة.

ولا ننسى كذلك حقيقة أن العلاقات الاجتماعية تشهد فتوراً وتغيرات عميقة تشــجع عــلى تــعزيز الــحياة الــفردية ومعها تشتت الاهتــمامات الــثقافية بــحسب رأي نبال إســماعيل (35 سنة).

ويحذر البعض من خطورة سيطرة لغة الاستنساخ الأجوف على عقول الشباب العصرية، بما تحمل من لغة قاتمة في استهلاكيتها وسطحيتها وابتذالها نتيجة الإفراط في التقليد واحتضان اللغة الاستهلاكية. وهو أمر يؤدي إلى حلول اللهجات الشعبية مكان الفصحى، كما هي الحال في القسم الأكبر من الفضاء الغنائي الحــالي الذي لا يعطي مــساحة للــقيم الــموروثة.

المصدر: الحياة

التعليقات

في المناسبات القليلة التي تجمعني مع غرباء على طاولة او في حفل عشاء و أحياناً عندما أقرأ مقالاً ثمة شيء يفاجئني و هو رخاوة القاموس النقدي عند معظم أبناء جلدتنا المهتمين بالثقافة. فكثيراً ما نقرأ مقال عن معرض او عن ألبوم أو عن مشروع فني.. و يقول المتحدث أو الكاتب عبارات باتت تثير الحفيظة من قبيل: فيه شي مهم, عمل شغلة جديدة, فنان مجنون, يوجد جرئة, معاصرة , حداثة... لا أدري في سياق غير مضبوط و لا تتوضح فيه بدايته من مستقره و لا العناصر الداخلة فيه أو الخارجة منه كيف يمكن استعمال مثل هذه القيم النسبية!! فكلمة تجديد تحيلنا الى تحول في الفضاء الزماني و المادي. و برغم ان الإسلام ليس هو الموضوع و لكن يمكن الإعتراف له بفضل تثبيت مفهوم القياس ! فإذا نظرنا الى مغني البلوز في أميريكا و حاولنا ان نقرأ نظيره في المغرب فإننا امام خيارين- فرضية و ليست حتمية- و هما إما ان نعتبر أن موسيقى الراي معادل للبلوز, أو ان ننظر الى عازفي البلوز الجزائريين. الحضارة ليست مغلقة بل نقالة و عملية انتاج الثقافة هي عملية تشبه رحى الطاحون : بمعنى انها تقوم بدورات تكاد تعيد نفسها من خلالها و لكنها في الحقيقة لا تتطابق بل تعيد انتاج دفعة جديدة من الموضوع الثقافي . فالجاز كموسيقا سوداء ليس حكراً على أميريكا السوداء. بل حتى ان دولاً مثل بولونيا و تشيكوسلوفاكيا و فرنسا و غيرهم تفتخر بتاريخها الخاص مع موسيقا الجاز. لهذا فإن الدعوة هنا ليست الى الفصل الموسيقي على طريقة الفصل العرقي. و لكن الدعوة هي الى النظر في تاريخ الشعوب و كيف قامت بصنع موديلاتها الثقافية و أيقوناتها الشعبية. فالسود قدموا للعالم الجاز و البلوز بمختلف تنويعاتها و من ثم قدموا الراب و من ثم الهيب هوب... إن القدرة على تثبيت شكل ثقافي توازي في الأهمية القدرة على انتاجه. في المعهد العالي للموسيقى يتمرجح الشباب في حب الجاز و حب الموسيقات الإثنية و لكن هذه المرجحة لا تتضمن أي احترام للأشكال المحلية. فالعتابا و الزجل و الميجنا و الزلف يجب أن تكون ملقاة من قبل وديع الصافي و فيروز! و لكن في الحقيقة فإن هؤلاء موسيقيين حقيقيين فهم اعترفوا بالموسيقا المحلية و بنوا فيها و عليها. في حين ان معظم شبابنا اليوم يصرون على التملق لهؤلاء الموسيقيين االمجيدين. لاأعتقد ان إعادة توزيع فيروز هو تجديد و لا اعتقد ان المزج في الآلات تجديد إذا لم يكن ثمة فلسفة و قدرة حقيقية على القراءة و الإستبصار. فمنظر مغني يجاهد ليقول كلمة قبلة او جسد في أغنية معاصرة إنما يعكس بؤسه الشخصي و بؤس محازبيه لأن أبسط اغنية لوفيق حبيب او بسام بيطار تحوي في وصف الجسد و العلاقة الجسدية ما يعادل أقوى اغنية روك في ما وراء الأطلسي. و لكن غباء معظم شبابنا يجعلهم يعتقدون ان الروك هو الطريقة الوحيدة لكسر القيود و التعبير عن المشاعر الجريئة. ابراهيم صقر في معظم قصائده قبل شفاه و أطبق أسنانه على حلمات و داعب بطون و قلب سيقان أجمل السيدات و أحرق أناجيل و مزق مصاحف- ليس على طريقة الوليد- ثم عاد و عبد الألهة و الشجر و النباتات . و هو لم يحتاج الى غيتار و لا استعار أشهر ألحان الرولينغ ستون و لا استلهم جانيس جوبلين. الروك تعزفه فرق من اليابان الى الألاسكا مروراً بتركيا و إيران. و الجاز كذلك. لذل فإن الغاية من الحديث ليست فصل الثقافات و لكن الإشارة فقط الى أن الإبداع غير الإتِباع و ان التقليد ليس مثل التجديد و كما قال أدونيس فإن من يتشبه يتشوه. و لا بد من التاكيد على مسألة غاية في البراءة وهي ان ليس من حق أحد في محاولته لكتابة تاريخه الشخصي ان يحرق ما يملكه الأخرين بجدارة: فلا يحق لفنان صعلوك ان يدعي أنه كسر تابوهات الأمة باغنيته فقط لأنه لا يعرف أن بسام بيطار و ابراهيم صقر و صالح رمضان و رفعت مبارك و عيسى نعوس بل حتى صباح فخري و شادي جميل قد فعلوا و يفعلون كل يوم. إن هذه العبارات و التوصيفات هي من أسخف ما يمكن سماعه في عالم الصحافة الفنية. و حتى يتم فهم أن الأصوات الذكورية في رديدة وفيق حبيب و همترتهم و صياحهم هي قيمة فنية و حتى يتم الإعتراف بأن صوت الطبلة و الرق يستطيع أن يخزق فضاء القلب و الصوت في اغنية مثل خزامة و حتى يتم الإعتراف بأن تجاهل كل هذا الصوت الحقيقي هو جريمة غبية سأقول و مسؤوليتي أمام تاريخ الأغنية و الموسيقا أن مغنين مثل: ريم البنا و لينا شماميان و كثير مثلهم معادلهم الحقيقي في الغرب هو مغنيي النوادي/ العادية /حتى لا يتم خلطهم بأساطين الجاز في ميمفيس. و ليتفضل النقاد و ليلقوا سحرهم.

عندما عزفت فرقة سان فرانسيسكو السيمفونية ألحان فرقة METALICA و قدمت فرقة نيو يورك السمفونية عرضاً مع نفس الفرقة في ساحة ماديسون كانت تلك إشارة للتحول في عالم الموسيقى و الذي يتبع بلا ما لا يترك الشك الى الحتمية التي فرضها السوق و القائمة على مبدأ : المال لا يعادي أحداً. و هي فلسفة صعدت بوضوح مع نهاية الثمانينات بعد ان تم تفكيك المؤسسة الإشتراكية و فرضت الشركات نفسها كمالك عابر للمنتج و بالتالي عابر للهوية. على الجميع ان يذوب تحت جناح الشركة. على الكل ان يمتزج. إنه عالم واحد. إلتون جون يغني ألبوماً كاملاً مع مغنين من مختلف المدارس و الأجيال الموسيقية, يعيد انتاج اعماله لتحمل سمات و ذائقة الجمهور الأوسع. ديدو تغني مع إمينيم مثل فيما يشبه مزج النار بالجليد , جاي زي يغني مع لينكن بارك , فاريل ويليامس يظهر في كليب لجوين ستيفاني, سنوب دوغ يغني روائع الروك, حتى وديع الصافي غنى مع نجوى كرم فاللبنانيين شهيرين بامحاكاة الغرب حيث ألفريادس التقط الموجة و لكنه لم ينتج شيئاً مهماً فطوني حنا القديم أمتع من طوني حنا الجديد لأن ألفرايدس لم ينتج طوني حنا بل انتج نفسه. لماذا هذه المقدمة؟ لأني أحب لينا شماميان عندما أنظر في وجهها و لا احب وفيق حبيب عندما انظر في وجهه , و لكن وفيق حبيب وحش في صناعة اغنيته و لينا شماميان ضحية المؤسسة التي لا تحمل مشروع يخدم لينا أو وفيق. خدمة وفيق بسيطة و هي إعادة قراءة الأصوات التي تصنع الأغنية الشعبية و هي الدودوك و الرق و الوتريات و الإشارات و الرسائل الصوتية التي يؤديها المغني بالتبادل مع مجموعته. هذا يذكرنا بجملة ليلي يا ليل في الغناء الإسباني و التي تلهب الجمهور عادة كما في أغاني الغجر. البعض بعتقد ان علينا ان نجعل وفيق حبيب مدرساً في الكونسرفاتور وهذا خطأ كبير تماماً مثل خطأ عمل فيديو كليب لعلي الديك. فتقديم مغني أو شكل غنائي لا يعني بتاتاً أن نزيحه من سياقه لأن السياق هو ما يمنحه نسغ حياته و الدليل هو كيف تراجعت أغاني علي الديك بعد تلفزته و إنتاجه من قبل منتجين لا يمتلكون رؤية فنية بقدر شراهتهم التي أدت الى استهلاك المغني و اغترابه عن مصادر نجاحه الأول. إن هذا يشبه كثيراً الفرق بين نمر في الغابة و نمر في حديقة الحيوان. إن في هذا مقتل لروح الأغنية. لينا شمميان هي في الطرف الآخر من المعادلة فهي متمرسة و ذات خلفية علمية و لكن لنفس السبب و هو غياب المنتج و الناقد الذكيين يتم دفع موهبة لينا شمميان باتجاه استعمال طاقاتها و ليس باتجاه استثمارها. أي باتجاه جعل لينا مؤدية و ليس باتجاه منح صورتها و صوتها فضاءاً جديداً. هنا يمكن ان نتذكر ميادة بسيليس فهي نجمة و لكن لا أحد يسأل لماذا ليس لدينا صعود لنجوم مثلما يصعد اليوم جستن تيمبرلك و مثلما صعد فاريل وليامس و مثلما صعدت بيورك و مثلما صعد كيرت كوباين ! لأنه ليس لدينا ماكنة نقدية بالمعنى الذي يستطيع ان يرسم خارطة لموسيقا الغد و لا أقصد الطريقة التي يتم تداولها في النقد و التي يغلب عليها طابع الفهرسة و الحفظ و الشرح . النقد واجبه أن يكون خطوة قبل الفن و أن يؤسس له, النقد الذي نحتاجه هو أقرب للفلسفة و ليس للتأريخ, نقد يتنبأ بماذا سيتكون قصة السينما بعد سنتين و ماذا سيغني الناس بعد سنة .... و ليس نقد يقول لنا أن راي تشارلز ولد هنا و عاش هناك و انتج هذا القدر من الأبومات و مات هناك و ... إننا نتحدث عن اختراع الآلة الحاسبة فليس المهم أن تحفظ جدول الضرب بل المهم ان تكون قادراً على ابتكار جمل رياضية و ابتكار حلول.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...