أولمرت أمـام خيارين: الاسـتقـالة أو الانتـخابـات المبكـرة

29-05-2008

أولمرت أمـام خيارين: الاسـتقـالة أو الانتـخابـات المبكـرة

أدخلت شهادة رجل الأعمال اليهودي الأميركي موريس تالينسكي حول المغلفات النقدية التي كان يقدمها لرئيس الحكومة إيهود أولمرت الحلبة الإسرائيلية في دوامة. فقد دفعت زعيم حزب العمل إيهود باراك إلى وضع أولمرت أمام خيارين: ترك رئاسة الحكومة مؤقتا أو بشكل دائم أو الذهاب لانتخابات مبكرة. ورغم ذلك فإن موقف أولمرت كما تبدى حتى مساء أمس هو الإصرار على البقاء مع تلميحات بقلب الطاولة على رؤوس «المتآمرين».
ويبدو أن إسرائيل تجد نفسها في أعقاب تصعيد الأزمة الداخلية أمام ثلاثة خيارات: بقاء الوضع القائم على حاله، تشكيل حكومة بديلة أو الاتفاق على انتخابات مبكرة. ولا يظهر أن أيا من هذه الاحتمالات يفرض خطوات عاجلة تتخذ خلال أيام. وفي أحسن الأحوال فإن المعلقين الإسرائيليين يتوقعون أن تحتاج طبخة إسقاط حكومة أولمرت إلى أسابيع قد تبلغ حدها الأقصى في الثلاثين من تموز المقبل، موعد انتهاء دورة الكنيست الحالية.
لكن أحدا في إسرائيل لا يعتقد بقدرة أولمرت على المحافظة على الوضع الراهن. كما أن احتمالات نجاح تسيبي ليفني في تشكيل حكومة بديلة تبدو أضعف من أي وقت مضى، بسبب موقف حركة «شاس». ولهذا فإن التركيز ينصب على إنضاج خطوة الانتخابات المبكرة.
وثمة من يعتقد أن أولمرت يريد هذه الخطوة التي يعاقب بها أو يرهب كلا من باراك وحزبه، وتسيبي ليفني أيضا لأنها لن تتسلم الحكم تلقائيا منه. فهو يطمح بالتعاون مع قادة آخرين في كديما إلى إجراء انتخابات تمهيدية يأمل أن تقود لتولي شاؤول موفاز الزعامة وليس ليفني.
وفي مؤتمر صحافي أعقب اجتماعا للمجلس الوزاري الأمني المصغر قال باراك «لا أعتقد أن بوسع رئيس الحكومة إدارة الحكومة وشؤونه الشخصية بشكل متواز... وينبغي لرئيس الحكومة أن يفصل نفسه عن الإدارة اليومية الجارية للحكومة».
وحدد باراك سبل التصرف المطلوبة من أولمرت في اللحظة الراهنة بأنها «واحدة من السبل المفتوحة أمامه: تعليق المهام، الخروج في إجازة، الاستقالة، أو التعذر عن العمل».
وألقى باراك بعبء إزاحة أولمرت على كاهل حزب كديما حيث أوضح «لسنا من يقرر ذلك. على حزب كديما أن يجري حساب النفس وأن يختار طريقه ورئيسه، وإذا حل أحد مكانه هناك، فسوف نكون على استعداد لدراسة التعاون معه».
ورداً على سؤال حول ما سيفعله باراك وحزب العمل إذا لم يؤخذ بموقفه قال «رئيس الحكومة ملزم بالعمل. وحزب العمل لن يقف أمام كديما مع ساعة توقيت، ولكن الأمر يجب أن يتم بأسرع ما يمكن». وشدد باراك على أن عدم التحرك من جانب كديما سيقود حزب العمل إلى السعي لتقديم موعد الانتخابات».
وحمل كثيرون على خلو تصريح باراك من أي فعل عملي أو جدول زمني. وقال مقربون منه إن الأمر يتراوح بين أسابيع وشهرين على أبعد تقدير. فقد بادر أربعة من أعضاء الكنيست من حزب العمل لتقديم مشروع قانون لحل الكنيست.
وترمي هذه الخطوة، التي تهدف إلى الاتفاق على موعد لإجراء الانتخابات المبكرة، إلى الإيحاء بأن الأمر جدي وأن تهديد باراك هذه المرة ليس كتهديده السابق.
وليس اقتراح حزب العمل لحل الكنيست هو الوحيد الذي سيقدم للكنيست للتصويت عليه حال الاتفاق بين الكتل على ذلك. فهناك اقتراح من الليكود مقدم منذ وقت طويل ولم يطلب التصويت عليه بسبب عدم توفر أغلبية لتأييده حتى اليوم. وقال سيلفان شالوم إنه سيقدم الاقتراح في الأسبوع المقبل إذا ثبت أن هناك غالبية تؤيده.
وحمل مقربون من أولمرت بشدة على باراك وحزب العمل. ودعا المستشار الإعلامي لأولمرت طال زلبرشتاين، الذي سبق وخدم كمستشار إعلامي لباراك، زعيم حزب العمل إلى النظر لنفسه في المرآة.
وأشار زلبرشتاين الذي دافع في حينه عن باراك في «قضية الجمعيات» إلى أن «أحدا آخر من يحق لهم الحديث عن نقود في مغلفات».
وانتقد بعض قادة كديما تصريح باراك معتبرين أنه إذا كان يريد الانتخابات فلينسحب من الحكومة. وأشار بعضهم إلى ضائقة باراك في حزبه، وقالوا إنه إذا كان عاجزا عن حل المشاكل في حزب العمل فلماذا يحاول تصدير المشاكل إلى كديما.
وقد أكد أولمرت، أمس، في اجتماع عقده مع رؤساء المجالس المحلية في غلاف غزة أنه مصمم على البقاء في منصبه وسيثبت براءته من الشبهات المنسوبة إليه. وكرر تأكيد وعده الاستقالة من منصبه حال تقديم لائحة اتهام بحقه. كما أن المقربين من أولمرت شددوا على عدم وجود أية نوايا لديه لترك منصبه سواء بالاستقالة أو بطلب تعليق مهامه مؤقتا أو الخروج في إجازة.
غير أن شهادة تالينسكي بما احتوت عليه من تفاصيل حول المغلفات النقدية والغايات الشخصية التي كانت تنفق فيها أموال التبرعات قد شكلت القشة التي قصمت ظهر البعير في حزب العمل تحديدا. ومع ذلــــك هناك من يعتقد أن باراك الذي يعـــاني من مشاكل جدية في إدارة شـــؤون الحزب أو الحصـــول على تأييد شعبي عمد إلى استغــلال الوضع لإثبات زعامة مفقودة.
وترى جهات إسرائيلية أن خطوة باراك الأخيرة ضد أولمرت هي ثمرة تنسيق بينه وبين وزيرة الخارجية تسيبي ليفني. وقالت إن الرجل الذي يقف خلف الخطوة هو المستشار الاستراتيجي رؤوفين أدلر الذي يعمل علنا لدى باراك وسرا لدى ليفني، فاقتصار خطوة باراك على دعوة أولمرت للتعذر عن مواصلة العمل أو الخروج في إجازة يعني توفير الأرضية لليفني لتولي رئاسة الحكومة فعليا. وبذلك يحاول باراك إعطاء إشارات إقليمية ودولية باستمرار الســـياسة التي انتهجت في عهد أولمرت وعـــدم إحداث تغييرات جـــوهرية عليها.
ولكن لا يبدو أن هذا ما يهم أولمرت والكثيرين من رفاقه في حزب كديما الذين يحاولون الرد على باراك وحزب العمل وعلى ليفني أيضا بالطريقة التي يفهمونها، فهم يشددون على أن باراك ليس من يحدد لكديما وجهتها وقيادتها، وأنه إذا شعر بالقرف من التواجد في حكومة يرأسها أولمرت فيمكنه إعلان الانسحاب من الحكومة.
وهكذا فإن أولمرت ورفاقه يهددون بالانتخابات المبكرة التي تعقب سقوط حكومة. وتعني الانتخابات المبكرة أيضا أن ليفني ستضطر لخوض انتخابات تمهيدية على زعامة كديما أمام منافسين أقوياء كموفاز وآفي ديختر ومئير شطريت.
وبعد تصريح باراك عصفت الحلبة السياسية الإسرائيلية. وأعلن الليكود «كفى للألاعيب السياسية. فالتحديات الكبرى التي تواجه الدولة تلزمنا بالعودة إلى الشعب وتشكيل حكومة جديدة وقوية. إن الليكود يدعو جميع الكتل في الكنيست من اليمين واليسار على حد سواء لتحديد موعد متفق عليه لحل الكنيست وإجراء انتخابات جديدة».
بل إن حزب ميرتس اليساري انتقد في بيان رسمي «الضريبة الكلامية التي دفعها باراك» في مؤتمره الصحافي. وأضاف البيان أن التصريحات القيمية التي لا تترافق مع إنذار، ومن دون جدول زمني لخروج أولمرت، هي نقش على الثلج. ودعا ميرتس أولمرت إلى تعليق مهامه.
ورأى أعضاء كنيست من اليمين أن مشهد إنذار باراك بالانسحاب من الكنيست في أيار من العام الماضي في سدوت يام قد يكرر نفسه. وأشاروا إلى أن باراك تعمد إحاطة موقفه بالغموض ومن دون جدول زمني ملزم.
كما تعاظمت الأصوات في كديما أيضا ضد أولمرت من دون أن تتضح مواقف المتنافسين على الزعامة. ووجهت عضو الكنيست عميرة دوتان رسالة إلى أولمرت جاء فيها: «إن شهادة تالينسكي لا تزال تدوي في أذني وهي تستدعي موقفا زعاميا عاما. علينا أن نقدم قدوة يحتذى بها للقيم والأعراف التي بموجبها نلنا ثقة الجمهور. ومن الصعب الاستمرار بهذه الطريقة ولذلك ينبغي لكديما أن تجد زعامة بديلة تحقق شؤون الدولة».

حلمي موسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...