أنسي الحاج: أغرب ما يكون

01-03-2008

أنسي الحاج: أغرب ما يكون

■ شكراً أيّها الأبطال
ما أروع أن تنظر في هذه الأيّام العصيبة، إلى وجه طفل!
يا لها معجزة، أن يظلّ يولد الأطفال، في أيّامنا العصيبة!
يا لشجاعتهم، يا لبسالة ذويهم!
مجتمعات، من المحيط إلى الخليج، تكاد لا تُنتج إلاّ اليأس، الغنى للأغنياء واليأس للآخرين، ومع هذا، فوق الجمر، رغم المنطق، يظلّ الأطفال يولدون، ومع كلّ واحد منهم يندحر
اليأس،
يندحر هكذا، وحده، بلا سبب.
طوبى لهذه المعجزة!...
طوبى لهؤلاء الأبرياء الذين يغلبون التاريخ بضحكة، ويعطون الحياة طعم الشفاء من الموت!
ما أروع، ما أروع أن تنظر في هذه الأيّام العصيبة، إلى وجه طفل!...

هل تَحسب أن القادم إلى العالم لا يعرف أين هو قادم؟
أنت تحسبه لا يعرف. «أنت» لا تعرف. هو، بمشاعر أمّه وظلال قلق أبيه، هو، حيث هو في المياه الدافئة، يَعْرف أكثر ممّا تعرف، لأنّه يتلقّى خلاصة الشعور ونتائج المعاناة. ومع هذا يأتي!
ويبكي، ويضحك، ويكافح للبقاء.
لأنّه الأمل، لأنّه يدرك أنه الأمل، أنّه هو قوّتنا ولسنا نحن قوّته!
إنه هو إشراقنا ونحن، نحن الغياب. وإنّه هو الحياة، هذا البريء المجبول بآلامنا.

في هذه اللحظة، في هذه اللحظة المزدحمة بالتهديد والرعب، المشحونة بالأحقاد، المترعة بالدماء، في هذه اللحظة يولد أطفال لا يكترثون... إنها فسحة الأمل الصغيرة المتروكة وسط الظلام. أملٌ لا تصل إليه يد الإعدام. أملٌ لا يدَ لأحد فيه، أملٌ من الحياة للحياة!
كلّ شيء حولنا يغمرنا باليأس، من الدم إلى اللهو، ما عدا هؤلاء الزوّار، يأتوننا من جديد بذكرى حياةٍ نسيناها...
وأروع ما فيهم أنّهم لا يُصدّقوننا.
شكراً لكم باسم الحياة، أيّها الأبطال!...

 

■ أقوى من الإرهاب
من فرط فساد المجتمع السياسي في لبنان بات السلوك الأخلاقي يُحَسُّ فيه كظاهرة مَرَضيّة.
من البداية، الأسس الأخلاقية والمثاليّة لهذه الحياة السياسية ضعيفة وشبه معدومة، تتلقّط بعبارة لميشال شيحا من هنا وكلمة لرياض الصلح وبشارة الخوري من هناك. كان التعلّق بالفكرة اللبنانيّة مسألة «لاجئين من» الإسلام والعروبة أكثر ممّا هو نظريّة واضحة راسخة. روحها راسخة أكثر من جسمها. وأبطالها وشهداؤها الأوّلون هم بالأكثر حالمون دفعوا ثمن براءتهم ولم يُبْنَ على دمائهم.
عندما دخل المال جلس فوراً على العرش. وكالمعتاد اختار رُسُلَه من «النخبة» السياسيّة، لسهولة إحكام القبضة على باقي الهيكل. يُضحك على الفقراء منذ فجر الخليقة، وأكثر ما يكون على ضفاف المتوسط في هذا الشرق «الروحاني». الفساد سيّد الأحكام. شيء واحد استطاع أن يكون أقوى من إرهاب
الاستبداد هو سحر الرشوة.

■ ألمعيّة
كيف لهذه الأجيال أن تتخلّص من عادة تأجير القلم والعقل وفي البرامج يُدرَّس شعر التكَسُّب؟ وكيف ما زلنا نبرّر، بل ونعتبره طبيعيّاً، شعر التملّق أو الابتزاز عند المتنبي؟ إرثٌ كهذا لا يُستغرب معه الإغضاء عن أقلام مأجورة ولا عن زعماء مأجورين. الألمعيّة في نظرنا تَغْفر. الألمعيّة، الفجور، الهجوم. لا نَسأل عن غير القوّة، ولو قالت مثاليّاتنا خلاف ذلك. أغرب ما يكون أن تكون أرض كأرضنا المجبولة بـ«الواقعيّة» قد أنجبتْ طاهرين...

■ مليون...
هناك الكثير من السذاجة في الافتخار بالعدد. مليون، مليون ونصف... سلاح الكميّة تَخَلُّف زاده التلفزيون انتشاراً. صرنا نتشوّق إلى أحد يتباهى بأنّه أقليّة، بأنّه بالكاد واحد! هذه الجماهير المتراصّة هل تَصْنع حقيقة؟ والجماهير المتراصّة في وجهها، حقيقتها ماذا؟ هل واحدة منهما تلغي الأخرى؟ وإذا كانت كلتاهما حقيقة، فما العمل إلّا التعايش، وكيف التعايش بدون محبّة؟

■ سامَحني الله
أعدتُ، بعد سنين طويلة، قراءة «جريمة وعقاب». لم أصدّق كيف أنهيته. هذه الأسماء الروسيّة الطويلة! هذا النفخ الدوستيوفسكي في حالات لا تستدعي كلّ هذا النفخ! مسرح، مبالغة، ثرثرة، ثرثرة... وأن تستطيع عبقريّةٌ النجاةَ بنفسها بعد كلّ هذه المِحَن! أكثر ما يؤكّد عظمة هذا الكاتب هو أنّه يَمسُّنا رغم كثافة ستائره. سأقول هرطقة لا بدّ منها: يجب أن يتجاسر أحدٌ على نشر روايات دوستيوفسكي محرَّرة من بعض شحمها!

■ عابرات
لا تستهون البؤساء، حاجتهم أذكى من شفقتك.

نائلُ الأبديّة سيأكل أصابعه نَدَماً على الزوال!

تُكْرَه اليد على المصافحة كما تُكْرَه العين على ألّا تنظر إلاّ إلى المباح. كلتاهما تريدان «غير»، أو لا تريدان شيئاً ممّا يُسْمَح لهما به.

أصفى ما أكون عندما أكون عقيماً: أستقبلُ الأشياء بلا إضافة، ولا أشعر بحاجة إلى
أحد.

المرغوب أكثر: انفلاتٌ «رغم» رقابة الذات، لا انفلات بلا رقابة، ولا رقابة. ما بين الموضوعي والذاتي، شيءٌ من عدم الاستتار.

عندما تتغلّب على شعورٍ بقمعه، لا تتخلّص منه، بل تجعله يظهر أكثر شماتةً بك في لحظةِ غَدْر.

قمّة المُخيف: أن لا تستطيع أن تكون صادقاً حتّى حين تكون وحدك!

- لا تَعْــــــرف

كما تتبلّل الأشجار بالنيابة عنّا
الأشجار الطويلة والجسيمة
هكذا يموت الذين يموتون قَبْلنا.
الأُمّ معطفنا والعشيقةُ عُرْيُنا،
والذين دمهم على الأرض، هؤلاء دروعنا
ضدّ الصواعق.
¶ ¶ ¶
كما تلاقي القممُ الثلوج
يلاقي حُماتُنا الأقدارَ قبل أن تصل إلينا.
لا يعرف الحَمَلُ مَن الذي يحميه
الراعي أم الذئب
ومثلما لا تعرفُ وجه عدوّك
لا تعرفُ وجه فاديك:
تلك هي رحمة المجهول.

أنسي الحاج

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...