أسماء فيومي وذاكرة اللوحة

30-03-2010

أسماء فيومي وذاكرة اللوحة

تحتفظ عدة لوحات من معرض التشكيلية البارعة أسماء فيومي ،المقام حالياً في صالة أيام، بذكريات مراحل سابقة من تجربتها فيبدو معرضها ، أو بعضاً منه ، وكأنه معرض استعادتي على طريقة صاحبته التي أوجدت لنفسها ،منذ منتصف الستينات، مكاناً متميزاً في المشهد التشكيلي السوري ، لا بصفة  ممثلة لفن أنثوي – كما يحلو لبعضهم القول – وإنما كرمز من رموز هذا المشهد الذي لا يكتمل الحديث عنه إن أغفل أسمها منه ..
ولدت أسماء فيومي في العاصمة الأردنية عمان، وعاشت في دمشق حيث انتسبت إلى كلية الفنون فيها في فترة شهدت جدلاً واسعاً، لا يزال مستمراً بشكل من الأشكال، حول اتجاهات الفن المعاصر مع ما وصف يوماً بعاصفة لاريجينا نسبة إلى الرسام الإيطالي (غيدو لاريجينا) الذي درَس في الكلية في تلك الفترة منحازاً بشكل كلي إلى التجريد..خالقاً اضطراباً كبيراً في مفاهيم التدريس،المضطربة أصلاً حينذاك.ومع أن أسماء فيومي قد حكت عن تأثرها بالرسام الإيطالي فإنه يصعب وصف أسلوبها بالتجريدي رغم كل ما فيه من اختزال وتلخيص ، وقد تكون التعبيرية أقرب لوصف لوحتها التي لم تفقد يوماً أصولها الواقعية ، مهما بدت هذه الأصول مرمزة ، أو مخبأة في ثنايا الخطوط الصريحة أو الألوان المتضادة التي تصنع خصوصية اللوحة،وتمنح صاحبتها صفة الملونة باقتدار ،بصرف النظر عن عدد الألوان المستخدمة، فالألوان في لوحة أسماء تمتلك حيوية مدهشة حتى لو بدت شحيحة في مكان ما، ذلك أنها تمتلك حضوراً قوياً و قدرة تعبيرية فائقة هي بعض ما يدفع لوضع التجربة بأكملها تحت عنوان التعبيرية..
ثمة سبب آخر يدعو للتقليل من تأثير (حالة لاريجينا) على تجربة الفنانة – حتى لو تعارض هذا مع رؤيتها – وهو محلية لوحتها التي تناقض العالمية التي بشر بها المعلم الإيطالي،والمحلية هنا تعني الانتماء دون أن تعني انعزال هذه اللوحة عن مفاهيم الفن الحديث – وربما المعاصر – في العالم.فمناخ اللوحة اللوني، الجانب الأكثر أهمية في تحديد انتماء لوحة، هو مناخ محلي دون أدنى شك ، تؤكده معظم أعمال الفنانة ، وبشكل أوضح تلك التي صورت باستخدام الألوان ذات المظهر الترابي.وأشكال الوجوه هي مما تألفه العين , لا في الفن السوري فحسب، وإنما في الحياة اليومية أيضاً. أما المواضيع التي تتناولها فهي مما يصعب على التجريد معالجتها ، وهي إلى ذلك مواضيع يرتبط الكثير منها بفلسطين التي ظهرت في أوائل لوحاتها ، والتي بقيت  تظهر فيها حتى يومنا هذا ، مسجلة بلغة فنية تعبيرية سامية أثار القضية المحورية على حياتنا، والمآسي التي لحقت بالشعب الفلسطيني منذ النكبة حتى اليوم ، حيث تتجدد هذه  العذابات في لوحة رسمت بالألوان الرمادية ، وحملت أسم غزة ،وفيها تصور طفلة شهيدة ترفعها أيد لا نرى أصحابها وإحداها تحمل غصناً يانعاً، فيما يمكن اكتشاف ملامح بيوت مدمرة في خلفية اللوحة.
لم يحل الحضور القوي لفلسطين ومآسيها وآلامها، من فسحة تفاؤل واسعة عبرت عنها تلك الألوان المبتهجة المتناغمة في عدد غير قليل من اللوحات، كما عبرت عنها في وقت سابق عيون الأطفال الواسعة ووجوههم البريئة التي تطل من اللوحة فتظل برفقة المشاهد حتى بعد مغادرة اللوحة..والتي تستعاد من الذاكرة كلما ورد أسم الفنانة..
بعد أكثر من أربعين سنة من البحث التشكيلي الجاد،والكثير الكثير من المعارض الفردية والجماعية ، يجيء معرض أسماء فيومي الأحدث ليشير إلى التطور الهاديء والواثق والمستمر ، الذي شهدته وتشهده تجربتها،وليؤكد حقها بالمكانة الرفيعة التي تحتلها في الساحة الثقافية والتشكيلية ضمناً. 


سعد القاسم-الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...