أحلام"ونوس " الشقية بتوقيع نائلة الاطرش

01-07-2008

أحلام"ونوس " الشقية بتوقيع نائلة الاطرش

حين تمكن السرطان منه، كتب سعد اللـه ونوس مجموعة من المسرحيات شكلت مرحلة مختلفة داخل مسيرته الإبداعية، سواء في الرؤيا أو في الحرية التي كان يكتب بها وفق ما قال في حوار له مع الدكتورة ماري الياس، من هذه المسرحيات( ملحمة السراب، منمنمات تاريخية، طقوس الإشارات والتحولات، الأيام المخمورة..، يوم من زماننا، وأحلام شقية..) واليوم تمكنت المخرجة نائلة الأطرش من تقديم مسرحية أحلام شقية كإحدى فعاليات احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية وذلك في دار الأسد للثقافة والفنون. ثمة امرأتان تعيشان حلمهما برجل استأجر غرفة في منزل الكبرى، فتستفيق في روح كل منهما مشاعر الحب، مريم صاحبة البيت العاقر ترى فيه ابنها الذي أسقطته قبل أربع وعشرين سنة بسبب مرض زوجها (فارس) من معاشرة البغايا، وجارتها غادة ترى فيه أخيها المسافر..‏‏‏‏‏ ‏‏‏‏‏

الرجل الذي فتّح عقلها على الجمال والشعر والأنوثة (إشارة حلمية إلى سفاح بدا مقحماً) لكن الأخ ظل أضعف من أن يمنع زواجها القهري من ابن عمها (كاظم) الكسول.. وها هو أصبح من رجال العسكر المتنفذين. وما إن يتخلص فارس وكاظم من المستأجر قتلاً حتى تقررا التخلص منهما بسم، لكن السم يصل ابن غادة وكاظم قبل أن يصل إلى الرجلين، فتعودا إلى القهر من جديد، في عودة شبه دائرية للبداية، من هنا ربما جاء الحل الإخراجي بأن قدمت نائلة الأطرش مشهد الندم على فقدان الطفل في البداية. وكأن القهر يعاد إنتاجه دون وجود فرصة للتخلص منه، هذه الرؤيا التشاؤمية تدفع المتلقي للبحث عن الفاعل الحقيقي في المسرحية، فنجد أنهما الرجلان اللذان يستمران في إدارة حياة -ليس الزوجات وحسب- بل المحيط الاجتماعي من خلال تشغيل كاظم لفارس كبصاص على الناس.‏‏‏‏‏
رؤيا متواضعة لمعاناة المرأة رغم كون ونوس مثقفاً تنويرياً معنياً بمعاناة المرأة وأشكال القهر الذي تتعرض له يومياً وتاريخياً، إلا أن النص لا يذهب أبعد من توصيف بسيط يبلغ حد السذاجة في الطرح، حيث يبدو أن علاج الظلم بالانتقام العنيف (القتل) لا يؤدي إلى النتائج المرجوة لا بل يغلق دائرة الحياة ويكرس الظلم. هل كان ونوس يريد القتل بأن القتل لا يحل معاناة المرأة، أم ثمة رؤيا إصلاحية تتخفى في ثنايا النص؟ وهنا نتساءل أين المعالجة الفكرية أولاً، ومن ثم المسرحية لموضوعة المرأة في مجتمعنا؟ وأين هو موقع المرأة في هذا النص من النصوص الأخرى لونوس وتحديداً ملحمة السراب، طقوس الاشارات التحولات، الأيام المخمورة؟ وما الذي دفع المخرجة نائلة الأطرش لهذا الخيار، بعد أن قدمت له أحد أهم نصوص ونوس إشكالية (منمنمات تاريخية)؟ ربما تكون الإشارة التي كتبها ونوس في بداية المسرحية هي المفتاح خاصة حين يشير على الإخراج بضرورة الحفاظ في الديكور على الانغلاق والضيق. إذا الانغلاق والضيق هو ما يشكل الشخصيات ويدفعها نحو الفعل، الفعل الذي يجعل الظلم والمعاناة مستمرين.. المسرحية تدفع المتلقي للتفكير بالطرف الآخر الذي يشكل مع الضيق والانغلاق ثنائية ضدية.. فنصل إلى الانفتاح بمقابل الضيق. هكذا ينشغل ونوس بتعرية طرف ليكون الطرف الآخر هو المنقذ.‏‏‏‏‏

من هنا تبدو هذه المسرحية كنص إشكالي من أقل مسرحيات ونوس عمقاً. إعداد ميّع الزمن تجري الأحداث في خريف العام 1963 ويؤكد ونوس في بداية المسرحية بأن هذا التحديد لا يخلو من قيمة أو مغزى. وهو يريد بذلك ربط الحدث تاريخياً بمفصل من مفاصل تشكل المجتمع السوري الحديث، إلا أن إعداد نص العرض لم يقف عند هذا التحديد ولم يعمل عليه، الأمر الذي بدا فيه خلاف كاظم مع زوجته التي تحب جمال عبد الناصر مقحماً وغير ذي مرجعية ولا يملك أي امتداد له داخل العرض، ولا أعتقد أن موضوعة ظلم المرأة لم يحصل فيها أي تغيير منذ خمسين سنة (زمن النص) إلى الآن (زمن العرض)، فما مبرر تقديم هذه المسرحية الآن وهنا إذا لم تحمل بعداً جديداً؟ فالإبقاء على زمن النص يمكن أن يحمل إضافة عندما تكون البنية الفكرية له أعمق وتتجاوز الزمن مهما تم تحديده، أما الحديث عن موضوعة راكم عليها الزمن الكثير من الإضافات فهذا لا يجد مبرراً له في المسرح، ربما كان التاريخ أولى كمهمة توثيقية.‏‏‏‏‏

أسلوبية إخراجية ما قامت به نائلة الأطرش هو القبض على البنية العميقة للنص ووظفت كل تفصيل لخدمة هدف العرض، ففي كل عنصر من العناصر المسرحية ثمة حوار تقيمه المخرجة بصرياً مع متلق افتراضي عليه أن يفكر بالدلالة، ومجموع هذه العناصر من شأنه أن يحرض عقل المتلقي للتأمل في ما يقدم له على التوازي من مسار الحكاية، فيتحول من مشاهد سلبي إلى فاعل داخل العرض. تقوم أسلوبية المخرجة على شحن كل تفصيل برؤيا مشهدية لخلق أعراف في تعاطي المتلقي مع ما يراه، فسرير مريم وفارس في مشهد هو ذاته سرير غادة وكاظم في مشهد آخر لكن استخدامه يختلف، فعندما يريد كاظم ضرب مريم يستخدم السرير كأداة. هكذا يتحول السرير في استخدامات متعددة وفق ما يقتضيه الحل الإخراجي، (رغم أنه غير جديد) وكذلك الأمر بالنسبة لكل الأغراض في العرض، فتارة تكون الأقمشة دالة على عمل مريم كخياطة وتارة أخرى هي جزء من حلم كل واحدة منهما (طفل مشتهى، غلالة حلم، غطاء سرير)، في حين يغدو فتل القطع القماشية هو معادل بصري لعملية إعداد الطعام المسموم من قبل السيدتين، وهذا ما مسرح الغرض وأعطاه بعداً دلالياً يصب في عمق بنية النص. فالاستخدامات المتعددة للغرض المسرحي يمنحه وظيفة بلاغية تصل حد المجاز والاستعارة، وهذا أحد مفاتيح رؤية المخرج للمسرح وفق ما قالته الباحثة (آن أوبرسفيلد) في كتابها الهام (مدرسة المتفرج، ترجمة حمادة إبراهيم وآخرون، القاهرة1994). ولو أردنا التوقف تحليلياً عند كل تفصيل لتطلب الأمر صفحات إضافية ما يعكس حجم عمل المخرجة لإعادة إنتاج النص داخل مشهدية مسرحية تطمح لأن تنشئ حواراً مع المتلقي يتجاوز العرض، فتصميم الزي يقسم الممثلين إلى جبهتين (النساء مقابل الرجال) وطريقة تصميم الشعر تميز بين المرأتين على صعيد طبيعة علاقة كل واحدة منهما بالمستأجر الجديد (ترى فيه ابنها فتربط شعرها وتلفه نحو الداخل كشعر أم، بينما مريم ترى فيه شغفها وانطلاقة روحها نحوه كحبيب فتفرد شعرها وتتركه للهواء) وكذلك الأمر بالنسبة للإضاءة (بسام حميدي) فكلما حضرت المرأتان كان الضوء ناصعاً بينما يسيطر الضوء القاتم ما إن يحضر الرجل، وتكاد تبلغ العتمة مداها في حضور الرجلين. وهذا ما يجعل سينوغرافيا العرض (لبيسان الشريف) ذات دلالة لافتة، ففضاء المنصة وحركة الممثلين أفقياً هي الواقع المعاش بينما حركة الممثلين العمودية صعوداً وهبوطاً نحو المنصة العلوية وما يجري عليها من أحداث في عمق الفضاء هي حيّز الفعل المشتهى والحلمي، هذا التقسيم كان واضحاً ودقيقاً. بمقابل استخدام شرطي لأمكنة الفعل بين غرفة كل من مريم وغادة. ركاكة موسيقية ربما كانت الموسيقا من أقل العناصر المسرحية فعلاً داخل العرض، حيث لم يتجاوز دورها دور التعقيب على المشهد، والفواصل بين بعض المشاهد. في حين اضمحلت المؤثرات الصوتية لصالح التركيز على أداء الممثل الجسدي، هكذا سيطر الإيقاع الهادئ على العرض لدعم فكرة الضيق والانغلاق اللذين يقهرا الكائن حتى يضمحل جسده ويترهل وكأنه في لحظات ما قبل الموت، كذلك بدا فارس (كفاح الخوص) وزوجته مريم (نجوى علوان) بينما اتخذ أداء ناندا محمد الساكن منحى الموت نفسه، أما زوجها كاظم(جمال سلوم) فهو المسؤول وحارس الدولة الجديد رغم العنف البادي في سلوكه كرجل، إلا أن تصرفه وضيع إزاء موت ابنه متسمماً، حيث يطلب من الجميع السكوت على الخبر، فهو لا يريد شوشرة لأن المستقبل أمامه مفتوح، تماماً مثلما كان تصرف أخي زوجته عندما طلب منها السكوت والقبول بابن عمها زوجا. الجمهور ..أفق التوقع المسرحية وإن كانت على صعيد المعالجة الفكرية لم تغص عميقاً في التحليل، إلا أن المشهدية البصرية أتاحت نقل شحنة انفعالية إلى المتلقي، وإن كان الجمهور دخل العرض متأملاً أكثر من ذلك بكثير، فالنص لأهم كاتب مسرحي عربي، والإخراج لمخرجة ذات تاريخ هام في المسرح، ألا يستحق الجمهور أكثر؟‏‏‏‏‏

ماهر عزام

المصدر: ملحق الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...