«الإحالةفي شعرأدونيس»:المقولات النقديةالجديدةفي مواجهةالنص الحديث

10-07-2010

«الإحالةفي شعرأدونيس»:المقولات النقديةالجديدةفي مواجهةالنص الحديث

رغم أهمية المصطلح النقدي وضرورته في التعامل مع النص، إلا أن مهمة داليا موسى في فكفكة النص الأدونيسي واقتفاء أثر الإحالة فيه،.

لا تبدو سهلة أبداً، خصوصاً أن القصيدة الأدونيسية تعد المثال الأول عند الكلام عن الحداثة بتشعباتها الكثيرة ومدارسها وخصوصيات كتابها في التعبير سواء من جهة البناء الشكلي أو الداخلي فيما يمكن تسميته بنية القصيدة بشكل عام!.. هنا تستيقظ مشروعية المقولات النقدية وما يمكن أن تضيفه على النص المنفلت أصلاً من الإحاطات الأكاديمية بشكلها المعهود، لنغدو أمام تساؤل نقدي أشد إشكالية من النص بحد ذاته، وهو يتعلق بفحوى الأدوات ومدى فاعليتها في الوصول إلى المبتغى الذي يكمن خلف الصورة والرمز والكلام المكثف المرتبط بحساسية الشاعر ورهافته وتلك الجوانية الهائلة التي تهبط منها كائنات القصائد الرجراجة أو الصعبة على الخضوع تحت مبضع التشريح!... ‏

مفهوم الإحالة 
 ‏ في شرحها لمفهوم الإحالة، تؤكد موسى أن أهميتها لا تكمن في كونها (مصطلحاً نقدياً جديداً، بل في كونها (مصطلحاً قائماً على أسس معرفية متعددة تثري مفهومها الذي تقاسمته مجالات البحث المختلفة كالفلسفة والمنطق واللسانيات وعلم اللغة النصي وعلم الدلالة والسيمياء والتداولية ونظريات القراءة والتأويل، ما جعل الإحالة مصطلحاً شمولياً لا تركز على ركن واحد من أركان الخطاب الأدبي بل على جميع أركان هذا الخطاب التي تتفاعل داخل كيانه وخارجه). ‏

تعود المؤلفة إلى مقولات العالم اللغوي السويسري فرديناد دي سوسور والمنطقي الأميركي تشارلس سندرس بيرس وسائر المعطيات الغربية لعلوم اللسانيات كما تذكر بالمقولات العربية القديمة التي لا تتفق مع المفهوم الغربي للإحالة والتي اقتصرت على إيرادها بمعنى التضمين أو فساد المعنى وغموضه في الشعر مثل مقولات القرطاجني، ثم تستعرض نظريات دي سوسور اللسانية ونظرية بيرس السيميائية ونظرية أوجدن وريتشاردز الدلالية الإشارية ونظرية ياكوبسن في وظائف الكلام، وصولاً إلى آليات الإحالة وأنماطها فيما يشبه بحثاً أكاديمياً حول معنى المصطلح وأدواته ومفاهيمه قبل الدخول بشكل حاسم إلى النص الأدونيسي وتناوله استناداً إلى تلك الخلاصات. ‏

اقتفاء أثر الضمير ‏

في إحالة الإشاريات، تقتفي موسى أثر الضمير في قصيدة لأدونيس بعنوان (أبو نواس): ‏

أبو نواس ‏

لغة – فتنة/ كلماتٌ- دم ‏

والسماء مفترق ‏

وأنا عابر ‏

بالسماء يلتطمُ ‏

فتشير إلى الضمير (أنا) في الجملة الاسمية (أنا عابر) والضمير الآخر هو في الجملة الفعلية (يلتطم).. ورغم أن اسم العلم في هذه الأبيات (أبو نواس) الشاعر وارد بشكل واضح، إلا أن الغموض في الضميرين الآخرين يبقيهما أمام عدة احتمالات تأويلية للإحالة، وتصل الكاتبة إلى نتيجة مفادها حضور الشاعر أدونيس تقابلاً مع أبي نواس كفرضية تحليلية على اعتبار أن النص الأدونيسي من أكثر الخطابات الشعرية الحداثوية اتصافاً بالغموض على اعتبار أنه يلجأ إلى الغموض في إحالات الضمائر: ‏

ماشٍ على أجفانه سادراً ‏

يجره مديدُ آهاته ‏

تلطمه الحيرةُ أنّى مشى ‏

كأنها سكنى لخطواته ‏

عُلّق بأغيب فأجفانه ‏

رملية الأفق ‏

كأنما، من يأسه، شمسهُ ‏

تغيب في الشرق ‏

الإحالة على الصورة ‏

تحاول الكاتبة تفكيك أسماء الأعلام المذكورة في بعض نصوص أدونيس، مثل (علي، قاسم، وردة، أحمد، سليمان...) لكن هذه المسألة تبدو مستعصية عندما تريد الإحالة على المسمى المجهول هنا، ما يحتم استجماع السياق من المفاتيح المتوفرة في النص. ‏

يحاول الكتاب تطبيق الإحالة على الصورة والرمز والقناع في أمثلة من نصوص أدونيس، ولان الإسهابات النظرية في مفهوم الإحالة وتقصّي أدواتها وأساليبها يأتي كبيراً جداً في الكتاب، يكتشف القارئ أن شعر أدونيس لم يكن إلا مثالاً للإشارة والتدليل على فحوى الإحالة، وليس العكس كما يوحي العنوان، لنصل في نهاية الأمر إلى جملة استنتاجات حول الإحالة وتجربة أدونيس الشعرية التي تصفها الكاتبة بالغموض والتعقيد والإبهام (أي التشتيت الدلالي والغياب الدلالي وإبهام العلاقات اللغوية.. وذلك ناتج كما تقول الكاتبة من استراتيجية الشاعر في تحرير إحالات ألفاظه المباشرة والمحددة معجمياً من خلال إقحامها في علاقات لغوية قائمة على التنافر والتجريد).. في كل الأحوال فالواضح أن الجهد المبذول في تحليل النص الأدونيسي ومحاولة شرح الإحالة من خلاله أو الاستعانة بالإحالة للوصول إليه، كل ذلك يبدو دؤوباً ناجحاً أحياناً ومربكاً مرات أخرى أمام (إبهام) النص!..

زيد قطريب

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...