عبد اللطيف عبد الحميد في فيلم خارج التغطية

14-11-2007

عبد اللطيف عبد الحميد في فيلم خارج التغطية

بفيلم (خارج التغطية) يكون المخرج عبد اللطيف عبد الحميد، الذي يعد الأكثر انتاجاً وشغلاً في ساحة السينما السورية قد انجز ثلاثية مدينة تحديداً مدينة دمشق بعد (صعود المطر 1994) و(نسيم الروح1998).

وكان أيضاً قد أنجز رباعية «ريفية» تحديداً ريف محافظة اللاذقية في ستينيات القرن الماضي وهي: (ليالي ابن آوى 1988) (رسائل شفهية 1989) (قمران وزيتونة 2001) و(ما يطلبه المستمعون 2003) ‏

وفي هذه الأفلام كلها بقي عبد اللطيف عبد الحميد أميناً وحارساً لبوابة الحب التي يدخلنا منها إلى عالمه السينمائي، لكنه الحب المرتبك المتوقد والموتور والمثقل بأطنانٍ من المرارة والألم تفرضها بيئات هي نفسها تئن من ثقل تقاليدها وأعرافها (اقتصادية واجتماعية) الأمر الذي يجعل هذا الحب أن يمشي أو يمشي الواقعين بلواعجه في قمران ومرتبكة هي الأخرى !! 
 في فيلم (خارج التغطية) الذي شارك في مهرجان دمشق السينمائي يظل عبد اللطيف عبد الحميد أميناً أيضاً على « لازماته» التي اصبحت تشكل بصمة هذا المخرج والذي يشكل بدوره علامة فارقة في السينما السورية أبرز لازماته هذه هي التكرار» ليؤكد الواقع الثقيل للأحداث واقصد تكرار المشاهد في الفيلم الذي يأتي قصدياً لكشف الحالة السابقة وأيضاً «لا منطقية» هذه الأحداث أيضاً إذا ما حاولنا مقارنتها بالواقع وهذا ما وصفه بعض النقاد بالأجواء الغرائبية ثم إصراره على هذه المسحة الكوميدية ورغم كل ما تفطر وتنضح الأحداث والمشاهد به من مرارة أي تقديم «التراجيديا» بجرعة من الابتسامة..!! ‏

كما أن افلام هذا الرجل، غالباً ما تغيب عنها «الحكاية» لصالح الموضوع، وهذا ما أصبح سمة سينما المؤلف، وسينما عبد الحميد أيضاً، لدرجة قد يتساءل المرء هل مجموعة هذه «الحواديت» تبرر انتاج فيلم سينمائي لتقديمها؟.. ‏

لكن تمكن المخرج من أدواته السينمائية لا، في اصراره على بطولة المكان في كل افلامه، تؤكد ان الأمر يبرر قيامة سينما كهذه..؟! 
 ‏ وإذا ما دخلنا في تفاصيل فيلم «خارج التغطية» التي غصت القاعة الرئيسية بالمشاهدين في دار الأسد للثقافة والفنون قبل عرضه بساعة فإن عبد اللطيف عبد الحميد لم يخرج عن نسقه السينمائي الدرامي، عندما استعار من مصطلح عصري «خارج التغطية» التي تعاني منها شبكة الهاتف المحمول في سورية واجرى انزياحاً من خارج التغطية بين أجهزة الموبايل بسبب عيب ما في الشبكة أو في الجهاز، أو ان المستخدم قصد ان يكون خارج التغطية ومن ثم قطع الحوار والتواصل والاتصال.. ‏

بهذا الخطأ ظهرت شخصيات الفيلم نافياً عنها أية خطيئة أو غافراً لها هذه الأخطاء التي كانت ان قيدت هذه الشخصيات بما يشبه «خارج التغطية» بسبب عيب وخلل في الشبكة أو الأجهزة، هنا الخلل بين الأفراد الذين هم من ناس القاع الواقعين في شرك خلل ما بالتواصل والاتصال، الأمر الذي أربك العلاقات لأن تكون سوية.. ‏

ولأجل ذلك كان طرح هذا «الموضوع» وليس الحكاية وهنا ليس مهماً ان نعرف لماذا دخل زهير ـ نضال سيجري ـ السجن وان كان الفيلم ألمح انه كان سجيناً سياسياً منذ مدة تجاوزت اليوم العشر سنوات بل ما تسببه هذه المدة من السجن على وضع أسرته، وتطورات علاقة هذه الأسرة (زوجة وابنة) بمن حولها،لا سيما الصديق «عامر» فايز قزق، الذي آل على نفسه خدمة عائلة صديقه زهير، وأن يوفر لها الأمن والأمان، و..كل ما تحتاج إليه، الأمر الذي يبرر وقوع خلل ما في هذه العلاقة، عندما «يدمن» عامر هذه العائلة، للدرجة التي تجعله يعمل بكل ما بوسعه للتأخير في خروج الزوج من السجن، ولبقائه أطول فترة ممكنة، وربما إلى الأبد..!! ‏

فالذي حدث لا يمكن تصوره، كأنه «سفاح محارم» بين الصديق والزوجة، الذي جاء نتيجة القرب الشديد بين عامر والزوجة ـ صبا مبارك ـ قرب بين الأجساد المحمومة والعطش، تماماً كاقتراب غيمة من أرض قاحلة، بسبب سنوات قحط وجفاف... ‏

لكنها أجساد تروى برعب وخوف، وكأن العملية تمارس أمام الملأ، و.. في الشارع..!! ‏

تقارب الأجساد الذي يأتي نتيجة حرمان وصراع مستديم بين إقدام وإحجام منذ أن دخل الصديق السجن، إلى أن تفجر هذا الصراع وتفاقم وكان الهدوء المر بعد «اللقاء» ويأتي رنين الموبايل من الزوجة، وزوجة الصديق لعامر، كإشارة للصراع المتواصل، ولثقله الطويل واستدامته، تواصل الرنين وتكرار اللحظات الدرامية، الذي يأتي أيضاً من تصاعد للوصول إلى تلك «اللذة» الشديدة المرارة...!! ‏

ـ عامر ـ الذي يزحف بروحه وجسده في الطريق الذي يقوده مجبراً إليها، فيلم يأخذ من «ليل» دمشق، غالباً خلفية للمشاهد، في إشارة أيضاً لهذا الجانب «المخفي» من وجوه المدينة الذي يضيئه، كمرآة لوجوهنا، ونحن الذين كنا نظن، أنه يجري فقط خلف الأبواب المغلقة، فيأتي هنا كشيء حامض في الحلق، أو كريشة ماء بارد في وجه إنسان غافل..!! ‏

وإشارة فتح الباب التي تتكرر، تؤكد مسألة هذه المواجهة، أو أنه يقذف ما نحن نخبئه في وجوهنا، ليقول لنا: هذا أنتم..!! ‏

شخصية عامر التي تصل لحد الأزمة، أي لأن تكون مأزومة، جسد ذلك بالتخبط والضياع، وكثرة الحركة وعدم الهدوء، صعوداً وهبوطاً على الأدراج، ويأتي تكرار مشاهد الاستحمام ورش الماء البارد على الرأس طوال الوقت في محاولة للتطهر، أو ربما لليقظة، وربما أيضاً لإيجاد الحل، لكن الحل كان في كل مرة سراباً، و... ضياعاً أكثر فأكثر..!! ‏

وكأن الشخصيات في الفيلم تكاد تكون مسلوبة الإرادة،تمشي تحت تأثير دفع أقدارها، ومن هنا فإن المخرج لا يحملها وزر ما يجري ويحصل لها، فالأحداث تقع كالأقدار، وكل قوتها وحولها ـ الشخصيات ـ هو عدم الهدوء والحركة، و.. هذا ‏

علي الراعي

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...