الحيوان الذي يأكل كلّ شيء.. رأسمالية أكل لحوم البشر

12-03-2023

الحيوان الذي يأكل كلّ شيء.. رأسمالية أكل لحوم البشر

نانسي فريزر:

العنوان هو عنوان كتاب الفيلسوفة والناشطة النسوية الأمريكية نانسي فريزر Nancy Frasers، وفي الكتاب تذهب إلى أن الرأسمالية باتت تلتهم وتستنزف حتى الأسس التي قامت عليها.
العنوان بالألمانية: Der Allesfresser.
العنوان بالإنكليزية: The Omnivore.
 تريد الفيلسوفة الأمريكية، حسب ادّعائها، أن تقلب القيم رأسا على عقب وتقلب الطاولة كذلك، فتشير إلى أن مصطلح (الكانيبالي Kannibalismus) الذي توسم به عادة أفريقيا السوداء أصبح يصلح لوصف طبقة الرأسماليين التي يتغذّى كل منها على الآخر، فتلجأ شركة ما إلى تفكيك شركة أخرى إن احتاجت لوظائف وكفاءات تبقيها على قيد الحياة وتُثري نفسها.
تبرّر ذلك بالقول إن المجتمعات الرأسمالية هي المسؤولة عن خلق هذا النوع من العلاقة بين النظام الاقتصادي والجزء غير الاقتصادي من النظام.
تحدّد فريزر الظروف والشروط الأساسية للرأسمالية بأعمال الرعاية وإعادة الإنتاج الاجتماعي والصحة والمجموعات المصنّفة عنصريا والمجرّدين والمحرومين من الملكية والفئات المهمّشة من النظام الاقتصادي الرسمي بقوة العنف الذي تمتلكه الدولة، أما السلع العامة التي توفّرها الدولة والقوى الأخرى فلا يتم احتسابها كسلعة بحد ذاتها في إطار الحديث عن أشكال الثروة التي يعتمد عليها النظام الاقتصادي، لكن تطالب فريزر بأن إدراج الطبيعة ضمن أشكال الثروة هذه، ولكن هذه الطبيعة تم تفكيكها بحكم التراكم في التركيز الاقتصادي. أي أن الرأسمالية تقوم بتدمير نفسها على المستوى الأيكولوجي وعلى مستوى إعادة الإنتاج.
لكن فريزر تقول إنه من الخطأ التفكير هكذا ببساطة بالرأسمالية كنظام اقتصادي، فتستعين بتعريف المؤرخ والاقتصادي المجري النمساوي كارل بولاني Karl Polanyi الذي نظر للاقتصاد باعتباره مجالا واحدا فقط من النظام الاجتماعي، ولكن في ظل الرأسمالية يملك المجال الاقتصادي رخصة التهام بقية المجالات لتدمير الأرض والعمل والمال وزعزعة الاستقرار بشكل منهجي، وبالتالي يجب الحديث عن الرأسمالية بهذا المعنى الواسع، لتشمل بذلك العائلات والملل والجماعات والطبيعة وأنظمة الدولة والسلع العامة والمناطق المهمّشة التي غالا ما تكون مصنّفة عنصريا، وهذه كلها تجدها خارج الاقتصاد رغم كونها داخل النام الرأسمالي ولذلك وجب تحريرهم.
لكن حين سُئلت فيما إذا كان وفقا لمنطقها هنالك ما هو خارج النظام الرأسمالي، أجابت بأنّها لا تعتقد ذلك حقا، لأن كل هذه الأمور يتم ترتيبها بطريقة ما لتتحوّل بشكل ما إلى الاقتصاد، فالأسرة ذاتها هي مكان للعمل والإنجاب (إعادة انتاج) الاجتماعي والرعاية الاجتماعية التي يتم ربطها بالأسرة، والأسرة هذه تتخّذ شكلها المحدّد وفقا للوظائف التي تضطلع بها فيما يتعلق بالسوق والاقتصاد والسوق، وهذه الأمور وإن كانت متناقضة وأيديولوجية جزئيا لكنها حقيقة أيضا جزئيا، فالمؤسسات تشكلت بهذه الطريقة ولذلك هم ليسوا خارج النظام الاجتماعي حتى لو بدوا كذلك.
تعتقد نانسي فريزر أنّ هنالك ميولا لدى الرأسمالية لتدمير الذات وزعزعة استقرار الظروف اللازمة لنجاح المجتمع وزعزعة استقرار الرفاه والأسرة والظروف الإنتاجية الاجتماعية وتآكل المؤسسات العامة والسلع والهياكل الأساسية، والميول تعني بها أنها نزعات وليست قوانين حديدية، كما إن كل مرحلة من الرأسمالية تمتاز بطريقة خاصة في التعامل مع التناقضات التي تولّدها الرأسمالية، لكن تقول إن الرأسمالية الحالية نوعٌ وحشي حدا يقوم حتى بإلغاء تدابير الحماية والديمقراطية الاجتماعية والرأسمالية التي كانت سائدة في النصف الثاني من القرن العشرين هنالك محاولة لإلغائها، بحيث يتم الاعتداء على نظام الرعاية الاجتماعية والأنظمة العامة فيتم توكيل هذه المهام إلى الأسرة لتزيد من أعبائها إلى أن تضل هذه الأسر لمديونية كبيرة ونزع ملكياتها في وقت يتناقص فيه الاستثمار في المؤسسات العامة والرعاية الصحية والاستثناء الوحيد في ذلك هو الجيش والشرطة لأنها قطاعات ما زالت قوية، فالعيش غير مستقر والأزمة متعدّدة الأبعاد والأزمة ليست اقتصادية فقط بل عمل غير مستقر وانخفاض مستويات المعيشة وزيادة عدم المساواة الاجتماعية، وبالنتيجة فهي أزمة رعاية وبيئة وحكم.
هي تعتقد أن الرعاية الاجتماعية شكل من أشكال الثروة والكفاءة التي تعتمد عليها المجتمعات ويجب التعامل معها كمنفعة وليست سلعة، وتطالب بحل جذري وجوهري للرأسمالية وأزمتها، كما إن الكورونا كانت درسا عظيما للنظرية الاجتماعية ولا سيما في أمريكا التي فقدت الملايين بسبب الوباء بعدما وصلت لحالة اليأس في وضع حلول للوباء الذي أتثبت ضرورة تعزيز الطاقات والمهارات الموجودة، وكذلك أثبت مدى سوء أسواق العمل الرأسمالية في تقييم القيمة الحقيقية لمختلف أشكال العمل، وبالتالي هنالك حاجة لنظام اجتماعي لا يستغل الثروة الاجتماعية والبيئية، فالرأسمالية النيو ليبرالية هي شكل متطرف من أشكال لحوم البشر والضرر وتمتنع عن إصلاح أو استبدال الضرر، والدفع للأعمال يجب أن يخضع لمبدأ "الدفع حسب الاستخدام".
تعتقد أن مشكلات العنصرية والنسوية لا يمكن حلها إلا خارج الرأسمالية، لكن مع ذلك تقول إن التفكير بشكل خاطئ في النسوية جزء من المشكلة، أما البيئة فهنالك سياسة بيئية للأغنياء الذين يفصلون بسهولة بين الدفاع عن الطبيعة والدفاع عن العائلات والمجتمعات، أما الاشتراكية فيجب فهم ماهيتها تماما وما هي الطبقة العاملة، فهذه الطبقة يجب أن تشمل العاملين في الرعاية ومن يتقاضون أجورا منخفضا أو من لا يتقاضون رواتبهم على الإطلاق وكذلك المهاجرين والمهمّشين.
تصف الوضع الحالي الذي تفكّكت فيه معظم الأمثلة المفعمة بالأمل باستعارة من الإيطالي أنطونيو غرامشي، بأنه فترة "خلوّ العرش/ حالة وسيطة. أي أن الوضع سيء لكن ما زال ممكنا إصلاحه.
وتستغرب كيف أن الشركات والرأسماليين من مؤيدي الإجهاض وكذلك ممن يريدون وجود المهاجرين في المصانع، بينما السياسيون يرفضون ذلك ويرفضون أن يتولى غير البيض السلطة (تتحدث عن أمريكا تحديدا) ولذلك فالوضع معقد جدا.
تبدو ميولها يسارية وحتى أقرب إلى روسيا وتجد حل الحرب في أوكرانيا بإعطاء روسيا إقليم الدونباس.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...