استهلاك المشروبات بين ما هو محلي و مستورد

19-01-2021

استهلاك المشروبات بين ما هو محلي و مستورد

الشاي والقهوة والمتة مشروبات نباتية ساخنة معهودة الاستهلاك في بلدنا منذ عقود، ومستوردة بكامل كمياتها من الخارج وبالعملة الصعبة، ونسبة كبيرة من الأسر السورية تستهلك المواد الثلاثة، بنسبة ما من كل منها، والغريب في الأمر أن الحصار الاقتصادي المفروض على بلدنا سابقا وحاليا، لم يطال استيراد هذه المشروبات، رغم تعدد واستمرار حالات فرض الحصر، والكثير من المواد الهامة الاستهلاكية والوسيطة والإنتاجية حظيت بمنع استيرادها، بما في ذلك بعض الأدوية الهامة، وتحديدا الخاصة ببعض الأمراض المزمنة، إلا أن المشروبات المذكورة لم تجد من يحاصر توريدها للقطر، ولا من يتوانى عن استيرادها، لا بل وكثيرا ما تهافت المستهلكون للوقوف بالدور على باب المتاجر لشرائها حال انخفضت موجوداتها نسبيا، ولو بأسعار عالية.

الملفت للانتباه هو التزايد السعري المتتابع لوحدة الاستهلاك ( الكيلو ) من كل من هذه المواد الثلاثة، ففي ستينات القرن الماضي كان سعر علبة المتة / 250 / غ ، ب / 75 / ق.س ، أي أن سعر الكيلو بحدود 3 ل.س، أي كان هذا المشروب يستهلك ما يعادل 1 / 100 من متوسط الراتب في تلك الأيام، إذ كان يومئذ بحدود / 300 / ل.س ، وكان سعر الشاي والقهوة يزيد عن ذلك قليلا، أما اليوم فإن سعر كيلو المتة / 10000 / عشرة آلاف ل.س، أي يستهلك 1/5 من متوسط الراتب اليوم، الذي هو بحدود / 50000 / ل.س، وسعر الشاي والقهوة يزيد عن ذلك بحوالي ال 25%، ونسبة كبيرة من  الأسر تستهلك أكثر من كيلو واحد في الشهر من المشروبات الثلاثة، ومئات آلاف الأسر لم يعد يخطر ببالهم شراء اللحم منذ سنوات إلا ما ندر، وفي قليل من المناسبات الخاصة والأعياد، أفلا يتفكر المستهلكون العقلاء أن أكثر من خمس راتب الأسرة السورية مخصص لمشروبات مستوردة من الخارج، لا حاجة ماسة لها تحت أية اعتبارات، في حين أن متوسط القسم المخصص من ميزانية الأسرة لرغيف الخبز لقمة الحياة، هو أقل من هذا المبلغ، إذا اعتبرنا أن متوسط استهلاك الأسرة اليومي / 2ربطة / ب / 300 / ل س في اليوم أي بالشهر / 9000 / ل.س. 

والطامة الكبرى في تلك النفقات الكبيرة على المشروبات المستوردة المستهلكة في جميع إداراتنا العامة ما كان منها على حساب الميزانية العامة في الإدارات الكبيرة، أو على حساب العاملين أنفسهم في الإدارات الصغيرة، ولو تحقق الباحثون من كمية استهلاك الإدارات اليومي من هذه المشروبات، لا نذهل المطلعون على التحقيق من حجم هذه النفقة، التي لها الأولوية في كثير من الإدارات، على الورق والحبر المشكو من قلتهما كثيرا في هذه الأيام، ولكن ضيافة الشاي والقهوة لا زالت وافرة ومتناوبة أكثر من مرة، لكثير من الإداريين ولشريحة الضيوف المتميزين.

لا جدال في أن للمشروبات المعهودة المذكورة فوائد شتى، رغم أنه مجمع على ضرر الإكثار منها والذي هو قائم عند البعض، ولكن من المجمع عليه أيضا أن لكثير من أعشابنا المحلية فوائد كبيرة جدا، فهل من يعمل لنشر ثقافة استهلاك المشروبات الساخنة من الأعشاب المحلية المتوفرة بكثرة في بلدنا، والمجمع على فوائدها الصحية المثبتة علميا، ما كان منها نباتا بريا طبيعيا، أو ما تتم زراعته في الحدائق المنزلية والحقول الزراعية، أكان النعنع أو الزوبع أو الزعنر أو المليسة أو المريمية أو .... وعلى سبيل المثال فإن أكليل الجبل يعتبر عشبة منشطة وأحد منبهات دوران الدم الجيدة ويحسن القدرة على التركيز والذاكرة ويخفف من آلام الصداع والشقيقة وهو مقو ومضاد للالتهابات وطارد للغازات، ويحتوي على مواد فعالة مضادة للآكسدة وعلى بعض المركبات الأخرى التي تمنع تكسر أو تحطم المادة الكيميائية الدماغية التي يسبب تكسرها مرض الزهايمر، و يرفع المعنويات ومفيد جدا للاكتئاب الخفيف إلى المعتدل، ويتميز بسهولة زراعته وغزارة إنتاجه، وكذلك الحال بالنسبة للعديد من الأعشاب المحلية الأخرى، التي من المتوجب تكثيف الجهود الرسمية والشعبية لتشجيع استهلاك المشروبات منها أسريا وإداريا، ما يوفر الكثير من العملة الصعبة المخصصة لاستيراد المشروبات المستوردة، والتمكين من تحويلها باتجاه استيراد مواد أخرى أكثر أهمية، وحال تم الاتجاه التدريجي لاستهلاك مشروبات الأعشاب المحلية، سيعتاد الكثيرون عليها لاحقا، وسيحققون وفرا من دخلهم لصالح مواد أكثر ضرورة، وهذا يستوجب توجيه وزارة الزراعة لحسن استثمار جني الأعشاب البرية، للسماح لها بالمزيد من النمو، وتشجيع المزيد من زراعة الأعشاب في الحدائق والحقول، بما يمكن من تسويقها بأسعار أقل بكثير من أسعار المشروبات المستوردة، بدلا من تسويق بعضها العالي الثمن حاليا لدى العديد من التجار، الذين يستغلون ندرتها وكبير فائدتها. 

لا جدال أن الأسعار تتزايد يوما بعد يوم، وانخفاض الدخل يتتابع، وهذا يستوجب المزيد من الترشيد والتقنين الاستهلاكي، كمية ونوعية، والمزيد من ذلك يضعف من لهيب الأسعار، ومن تبعات الدخل المنخفض. 

 

 




 عبد اللطيف شعبان_ فينكس

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...