دول شمالي أفريقيا العربية: من الاحتجاجات الشعبية إلى الحرب الأهلية

الجمل: تشهد منطقة الشمال الأفريقي المطلة على جنوب البحر الأبيض المتوسط، تصاعداً متزايداً في عمليات العنف المختلفة الأنواع، وفي هذا الخصوص يبرز السؤال الهام المباشر: هل أصبحت منطقة الشمال الإفريقي العربية على وشك الدخول في موجة الصراعات العنيفة الدامية التي يمكن أن تقود إلى نشوء ظاهرة الحروب الأهلية ؟

* دول شمالي أفريقيا العربية: توصيف المعلومات الجارية

تعرضت الدول العربية الشمال أفريقية الستة (مصر ـ ليبيا ـ تونس ـ الجزائر ـ المغرب ـ موريتانيا) لموجات الاحتجاج السياسي التي تفاوتت في شدتها من مستوى المظاهرات الاحتجاجية المحدودة إلى مستوى المواجهات العسكرية الدامية التي وصلت إلى درجة الحرب المرتفعة الشدة، وحالياً تشير المعطيات الجارية إلى الآتي:
•    ليبيا: تمثل النموذج الأكثر شدة في مستوى المواجهات، وتقول المعلومات بأن جولة الصراع المسلح ضد نظام الزعيم معمر القذافي، وإن كانت على وشك الانتهاء، فإن مفاعيل الصراع نفسها لم تنتهِ، ومن المتوقع أن يسعى أنصار الزعيم القذافي إلى شن العمليات العسكرية المتقطعة على طريقة حرب العصابات. وإضافة لذلك، فإن التحالف السياسي المسلح الذي خاض الحرب ضد نظام القذافي قد أصبح عرضة للخلافات والتفكك، بما يمكن أن يؤدي إلى نشوء جولة صراع ومواجهات دامية بين فصائل هذا التحالف، وذلك على خلفية الخلافات الدائرة الآن حول شكل السلطة وطبيعة النظام السياسي الجديد، إضافة إلى طبيعة العلاقات مع الدول الغربية التي دعمت المعارضة المسلحة وعلى وجه الخصوص فرنسا وبريطانيا وأمريكا.
•    مصر: دخلت التطورات الجارية في مرحلة ما بعد الإطاحة بنظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك جولة جديدة من المواجهات، وفي هذا الخصوص فقد تبلورت في الساحة السياسية المصرية القوى المتعارضة الآتية:
ـ المجلس العسكري الحاكم في مواجهة جماعات شباب الثورة والقوى السياسية الليبرالية.
ـ جماعات الإخوان المسلمين المصرية في مواجهة شباب الثورة والقوى السياسية الليبرالية.
ـ الأقليات الدينية مثل الأقباط في مواجهة القوى والجماعات الإسلامية وبالذات تنظيم الجهاد وجماعة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية.
ـ الجماعات الصوفية الإسلامية في مواجهة الجماعات السلفية الوهابية.
هذا، وتقول المعلومات والتسريبات، بأن وقائع العنف الدامي المصري سوف تستمر بشكل متواتر وإن كان متقطعاً، وعلى الأغلب أن تشهد الساحة المصرية عمليات اضطراب سياسي طائفي ـ ديني واسعة النطاق خلال الأربعة أشهر القادمة.
•    تونس: أخذ الصراع في مرحلة ما بعد سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي شكلاً ثنائياً بين القوى السياسية التي قادت الاحتجاجات، والقوى السياسية المحافظة المتهمة بأنها تمثل امتداداً للنظام السابق، وتريد الإبقاء على نفس شكل النظام مع تغيير الوجوه، وتقول المعلومات بأن القوى السياسية التونسية المحافظة تسيطر حالياً على كافة مقاليد عملية صنع واتخاذ القرار، الأمر الذي أثار حفيظة وشكوك الجماعات التي قادت الثورة، وتدور الآن بعض المواجهات السياسية بين هذه الأطراف، إضافة إلى دخول الحركة الإسلامية التونسية بقيادة الزعيم راشد الغنوشي، لجهة المطالبة بضرورة القيام بتغيير القوام الدستوري والمؤسساتي التونسي الحالي القائم على النموذج الأتاتوركي، والذي ظل مستمراً منذ أيام الرئيس السابق الحبيب بورقيبة، الذي يعتبر نفسه تلميذ أتاتورك الشرق أوسطي المخلص. وأضافت المعلومات والتسريبات، بأن العديد من الجماعات التونسية المسلحة قد بدت وهي أكثر اهتماماً بتنظيم صفوفها من أجل الانخراط في مواجهات عنيفة ضد القوى السياسية المحافظة، وأيضاً ضد الجماعات المدنية التي لعبت دوراً رئيسياً في الإطاحة بنظام الرئيس بن علي.
•    الجزائر: شهدت الساحة السياسية الجزائرية موجة احتجاجات سياسية وعمليات عنف منظمة، وتقول المعلومات والتسريبات، بأن الجماعات الإسلامية المسلحة الجزائرية، قد أرسلت عناصر بكثافة إلى الساحة الليبية، وذلك لروابطها التحالفية الوثيقة مع الجماعات الإسلامية المسلحة الليبية، وبكلمات أخرى، فقد سعى تحالف الجماعات الإسلامية المسلحة الجزائرية ـ الجماعات الإسلامية المسلحة الليبية إلى اعتماد جدول أعمال يقوم على ترتيب أولويات العمل الجهادي المسلح، بحيث يتم العمل أولاً من أجل إكمال عملية الإطاحة بنظام الزعيم معمر القذافي ثم التفرغ بعد ذلك لفعاليات الإطاحة بالنظام الجزائري، وفي هذا الخصوص تقول التسريبات بأن اندلاع الصراع المسلح الجزائري هو مسألة وقت لا أكثر.
•     المغرب: اتخذت الاحتجاجات السياسية شكلاً خافتاً متقطعاً، وذلك بسبب العملية السياسية المغربية التي تضمنت قيام النظام الملكي باستخدام الأساليب الناعمة في مواجهة الخصوم السياسيين، إضافة إلى انشغال المغربيين بفعاليات الموسم السياحي الصيفي، والذي وجد إقبالاً كبيراً بسبب الاحتجاجات الدائرة في تونس ومصر، وما ترتب على ذلك من تحول تدفقات السياح إلى المملكة المغربية، والآن، وعلى أبواب فصل الشتاء، فقد بدأت الاحتقانات السياسية تظهر رويداً رويداً، وفي هذا الخصوص تقول التسريبات أن المغرب سوف يشكل الحلقة الثالثة في دورة العنف السياسي المغاربي، والتي بدأت بليبيا وبعدها سوف تكون الجزائر، وبعدها الحلقة المغربية. وأضافت التسريبات بأن النظام الملكي المغربي قد أعد العدة لجهة القيام بإشعال الصراع في ملف الصحراء الغربية، بما يتيح للرباط النجاح في تعبئة الشعب المغربي وتوجيه الفعاليات الشعبية السياسية نحو أزمة الصحراء الغربية بدلاً عن أزمة النظام السياسي الملكي المغربي.
•    موريتانيا: تقول المعلومات، بأن الساحة السياسية الموريتانية بدأت تشهد حالياً، عمليات تعبئة سلبية بواسطة ثلاث قوى سياسية هي: القوى المدنية الوثيقة الصلة بفرنسا، والقوى الإسلامية الوثيقة الصلة بالحركات الإسلامية الشرق أوسطية، والقوى السياسية التقليدية المحافظة الوثيقة الصلة بالأعيان وزعماء القبائل البدوية التي تشكل القوام الديموغرافي الموريتاني. وفي هذا الخصوص، تشير التوقعات إلى احتمالات أن يؤدي تفاقم الصراع خلال الشتاء القادم إلى تدخل المؤسسة العسكرية الموريتانية، والتي يحاول بعض رموزها الآن الحصول على صيغة توازن القوى المناسبة لجهة بناء التحالفات مع بعض القوى السياسية الموريتانية، وذلك حتى لا يكون التحرك العسكري المحتمل مكشوفاً بلا سند مدني.
تتميز فعاليات الصراع في البلدان العربية الشمال إفريقية بالحيوية والاستمرارية، إضافة إلى القدرة على التصعيد، إضافة إلى العمق والشمول، وانخراط الأعداد الكبيرة من أنصار نموذج التغيير المدني ـ العلماني في مواجهة أنصار النموذج الإسلامي ـ الجهادي.

* سيناريوهات الصراع في الدول العربية الشمال إفريقية: إلى أين؟

سعت بعض التحليلات السياسية والتقارير لجهة رصد الصراع الجاري حالياً في الدول العربية الشمال إفريقية، على أساس اعتبارات أن نتيجة ما سوف تسفر عنه فعاليات الصراعات الدائرة هي التي سوف تحوله بقدر كبير ملامح واتجاهات خطوط سيناريو الصراعات القادمة. وفي هذا الخصوص تشير التحليلات إلى الآتي:
•    استقرار الأوضاع في مصر وليبيا وتونس سوف يلعب دوراً كبيراً في تهدئة الأوضاع، ولكنه سوف يدفع البلدان الأخرى التي لم تشهد التغييرات باتجاه المزيد من الاضطرابات.
•    عدم استقرار الأوضاع في مصر وليبيا وتونس يلعب دوراً كبيراً في اضطراب استقرار هذه الدول، وفي هذه الحالة إذا تصاعدت الصراعات إلى مرحلة المواجهات المدمرة، فإن البلدان التي لم تشهد اضطرابات سوف تكون أكثر حرصاً على عدم تصعيد الاحتجاجات تفادياً لاحتمالات التعرض للخسائر الفادحة وتفادياً لشبح الكارثة الشاملة.
الأكثر خطورة سوف يتمثل في ازدواج الملفات الثلاثة الأكثر خطورة، ضمن تحالفات مدمرة، وذلك بما يجمع بين: الجماعات المدنية والجماعات الإسلامية والجماعات الأمازيغية، وذلك على غرار ما حدث في ليبيا، إضافة إلى توافر فعاليات الأطراف الثالثة الداعمة لتقويض استقرار المنطقة، وفي هذا الخصوص، تعتبر فرنسا الطرف الثالث الأكثر رغبة لجهة القيام باستهداف استقرار تونس والجزائر والمغرب إضافة إلى ليبيا، أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فهي وإن كانت من جهة ترغب في تقويض استقرار المنطقة لجهة إعادة ترتيبها من جديد، فإن الأكثر أهمية لواشنطن هو الجمع بين مزايا دعم أمن إسرائيل، إضافة إلى إبعاد فرنسا وإخراجها من المنطقة بشكل نهائي بحيث تحل محلها أمريكا على غرار منظمة الـ"كومون وولز"!

الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة