تواصل سينمائي بين أوروبا وسوريا

23-05-2009

تواصل سينمائي بين أوروبا وسوريا

مهرجان الافلام  الاوروبية الذي شهدته دمشق قبل ايام  اقتصر على 22 فيلماً روائياً وفيلمين تسجيليين  انتجت جميعها في السنين التسع الاخيرة، وتوزعت  عناوينها بين الواقعية  والرومانسية والتجريبية والكوميديا  بأنواعها.  بعثة  المفوضية  الاوروبية التي احيت المهرجان (بعد توقف تواصل عشرة اعوام كاملة) قصدت  مواكبة التواصل الاوروبي - السوري  الذي يعاود انطلاقه في الفترة الاخيرة.ملصق فيلم «لمسة من التوابل» وملصق «ستصبح الورقة زرقاء».

حيث افتتح العروض الفيلم التشيكي «فوارغ» للمخرج بان سفيراك، وهو الفيلم الحائز ذهبية مهرجان دمشق السينمائي 2008 . يطرح الفيلم بأسلوب كوميدي هموم المسنين من خلال شخصية جوزيف تكالون (زديناك سفيراك)، وهو معلّم في خريف العمر سئم من تلاميذه المشاغبين ومن مهنة التدريس، وقرر أن يزاول مهناً  أخرى، فعمل كساعي بريد، ثم في بقالية، ومن بعدها جامع قوارير فارغة في سوبر ماركت، وهذه المهنة الأخيرة راقته كثيرا لأنها ساعدته في التعرف الى نماذج بشرية متنوعة ومسلية، وغذت مخيلته بصور الكثير من النساء الجميلات. لكن دخول التقنيات الحديثة الى المخزن أدى الى الاستغناء عن خدماته، وحرمه تلك المتع المتواضعة التي زينت شيخوخته.
تناولت العروض الباقية إما موضوعات ذات طبيعة اشكالية خاصة كالإعاقة مثلا في الفيلم الايطالي «مفاتيح البيت» للمخرج جياني اميليو، أو موضوعات عامة تمس جوهر الحياة المعاصرة كهموم الأسرة والعمل والاضراب كما في الفيلم الفرنسي «مصادر بشرية» للمخرج لورانت كانتيه.
كذلك شغلت الوقائع التاريخية القريبة والمبنية على خلفية من الأحداث السياسية الكبرى قسطا لا بأس به من العروض. على سبيل المثال الفيلم الفنلندي «أمي أنا» من اخراج كلاوس مارو (إنتاج 2006) تناول واقعة ترحيل الأطفال من فنلندا الى السويد خلال الحرب العالمية الثانية من خلال أرملة أرسلت ابنها في العام 1943 للحفاظ على سلامته، ولما استعادته بعد انتهاء الحرب، عاش الطفل بقية حياته ممزقا بين عاطفتين. الفيلم الروماني «ستصبح الورقة زرقاء» للمخرج برجي ستوهار (إنتاج 2006) حاول اعادة قراءة الأيام الستة الأولى التي تلت رحيل تشاوشيسكو في العام 1989 حيث قُتل حوالي ألف شخص في أحداث عنف وثأر شخصي، والفيلم الاسباني «أفضل عدو لي» اخراج الكس بوين (إنتاج 2004) تناول الحرب بين التشيلي والأرجنتين في العام 1978 .

من جانب آخر احتلت قضية المهاجرين الى أوروبا، وما قد تسفر عنه من صراع الثقافات أو مد جسور الحوار،  حيزا من مضامين العروض، فالفيلم البلجيكي «وراء جبل طارق» للمخرجين تاملان بارمان ومراد يوسف (إنتاج 2001) تناول الموضوع من خلال شاب مغربي يُغرم بفتاة بلجيكية، يقف أهلها ضد العلاقة، كذلك تطرق الفيلم الهولندي «بولكه» للمخرج انكه هوتمان (إنتاج 2003) لقصة حب بين فتاة هولندية وميمون المغربي الذي تمانع أسرته لقاءه بفتاة أجنبية، والفيلم اليوناني «لمسة من التوابل» اخراج تاسوس بولميتس (إنتاج 2003) عالج الموضوع نفسه من خلال عالم فيزياء أربعيني أُبعدت عائلته من تركيا الى اليونان، وتابع الفيلم السويدي «عين حمراء» اخراج دانييل فالنتين تفاصيل ما يُعرف بخطة دمج المهاجرين، الخطة التي يعتبرها حليم العربي الأصل نوعا من المؤامرة السرية لطمس الهوية وتحويل الوافدين الى سويديين. وفي الفيلم الهولندي «ركلات» للمخرج البرت تير هيردت ينقسم الرأي العام حول ما دفع بشرطي أبيض الى اطلاق الرصاص على رضوان المغربي الأصل، العامل في المتجر المركزي وعازف الراب، أما الفيلم البريطاني «بلدة سومرز» للمخرج شين ميدوز فقد تناول صداقة غريبة بين فتى انكليزي هارب ومهاجر بولندي يتشاركان حب نادلة فرنسية.

إلى جانب الأفلام الروائية شملت قائمة العروض الفيلم التسجيلي «الخبز القبرصي» للمخرج باساخاليس بابابيترو، وفيه تناول تاريخ الخبز في الجزيرة القبرصية، وأوضح أنه خلال القرن الثامن عشر كان يُعتبر الأفضل في منطقة شرق المتوسط، ثم تطرق الى مراحل انتاجه بدءا من زراعة القمح وجنيه، انتهاء بالأشكال التي يتخذها كزاد يومي وطقس ديني، بينما رصد الفيلم النمسوي التسجيلي «موت الرجل العامل» للمخرج مايكل غلوغر، رصد أشكالا من العمل اليدوي الشاق المتبعة حاليا في خمسة مناطق من العالم، والتي لا تتناسب أبدا مع معطيات الثورة التكنولوجية، حيث يمضي العمال في أوكرانيا أياماً عدة وهم يزحفون في مناجم الفحم غير القانونية، ويتعرض العاملون في المسلخ المفتوح في نيجيريا الى تلوث الدم والعفن كل يوم، ويتحمل جامعو الكبريت في اندونيسيا الحرارة الخانقة لبركان نشط، وعاملو الفولاذ في الصين مهددون بالموت.
ترافق ذلك التنوع في المضامين بنزعة تأملية واضحة غايتها الغوص في معطيات الحياة، واختيار ما هو خفي، ووضعه في قالب قصصي، ثم تقديمه من خلال وجهة نظر خاصة، تقودها الميول الفكرية الداعية الى الانفتاح والحوار والعدالة على المستوى الجمعي، وفق تجسيد بصري شفاف، ونزوع طاغ نحو كوميديا الموقف. وربما يكون الفيلم الألماني «إبسوردستان» للمخرج فيت هيلمور (إنتاج 2007) هو أحد الشواهد المهمة على تلك السمات، فمكان الحدث هو ابسوردستان، وهي بحسب الراوي قرية متخلفة ومنسية تقع ما بين آسيا وأوربا، وشخصيات الفيلم هم عائلات القرية الأربع عشرة، والمشكلة الأساسية في شح الماء، وتقاعس الرجال عن تأمينه، أما الحبكة فهي قائمة على حب تيميلكو لآية التي رفضت أن تهبه نفسها قبل أن يحل المشكلة، ففعلت النساء الأخريات مثلها تحت شعار «لا ماء... لا جنس» وانقسمت القرية الى منطقتين متحاربتين للذكور وللإناث الى أن تدفق الماء.
قدم المخرج هذه الحبكة المتخيلة غير المألوفة بأسلوب الفيلم التسجيلي، حيث تتابع العدسة المناظر العامة وأفعال الشخصيات، بينما نسمع تفاصيل الحكاية والتعليقات والشروح من خارج الكادر في أغلب المشاهد، كما اعتمد المخرج كوميديا الموقف والغروتسك من دون أن يهمل جماليات اللقطة ومعانيها الشعرية، فحصل بذلك على خلطة سحرية من المؤثرات الفنية المتضاربة، ومن خلالها طرح الكثير من الأفكار  التي تتعلق بقضايا العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين والانتفاع بمكتسبات الحضارة المعاصرة على المستوى العالمي.

تهامة الجندي

المصدر: الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...