تدمير ممتلكات بيت الأمم المتحدة في بيروت

31-07-2006

تدمير ممتلكات بيت الأمم المتحدة في بيروت

من الجنوب حيث يواجهون آلة الدمار الإسرائيلية منذ تسعة عشر يوماً، إلى قلب بيروت أمس، ترجم رجال المقاومة حرصهم على لبنان. وبأجسادهم التي خلت من أي لباس أو شعار يدل عليهم، شكلوا حاجزاً بشرياً أمام آلاف المواطنين الذين فجروا غضبهم على المجزرة الإسرائيلية الثانية في قانا الجليل، باعتداء على بيت الأمم المتحدة في بيروت احتجاجا على عجز المنظمة الدولية عن وضع حد للمجازر الاسرائيلية.
هناك في وسط العاصمة وعلى بعد امتار من مباني ومنشآت سوليدير، تصدى حزب الله عبر عناصره وبعض قياداته التي سارعت إلى المكان، مترافقة مع النداءات المتكررة لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري وعناصر من حركة امل لوقف اي اعتداء على بيت الامم المتحدة والمنطقة، فور توارد الأنباء عن بوادر تحول دراماتيكي في الاعتصام السلمي في المكان، مع استفاقة العالم على قانا الجليل وهي تصبغ، بدماء أطفالها ونسائها وشيوخها، الشاشات المحلية والعربية والعالمية. لم ينتظر آلاف المواطنين، موعد دعوة المنظمات الشبابية الذي كان مقرراً عند الثانية من بعد ظهر أمس، للاحتجاج على زيارة وزيرة الخارجية الأميركية كوندليسا رايس إلى بيروت. خرجوا من منازلهم ومراكز النزوح التي تؤويهم، ودماء الأطفال والشهداء تغلي في عروقهم، وقصدوا بيت الأمم المتحدة لغرب آسيا (الإسكوا) للتعبير عن غضبهم على الصمت الدولي إزاء المجازر الإسرائيلية التي ترتكب في لبنان، ورد فعل مجلس الأمن والأمم المتحدة الذي لم يرتق إلى مستوى إدانة ما يحصل، وليس فقط عدم استصدار قرار يطلب الوقف الفوري لإطلاق النار.
رفع المشاركون الأعلام اللبنانية وأعلام حزب الله ورايات عدد من الأحزاب وصور الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وتوثيق مصور لمجازر ارتكبها الإسرائيليون في لبنان.
وطالبت الهتافات التي ترددت في المكان بمواصلة الصمود في وجه العدوان، كذلك رفعت الصلوات والأدعية بطول العمر للسيد نصر الله، وأخرى طالبت السفير الاميركي بالرحيل من لبنان، مع لافتات حملت الملوك والقادة العرب المتواطئين مسؤولية وتغطية العدوان.
ومع وصول الدفعة الأولى من الشباب الغاضبين، بدا ان تحطيم زجاج بيت الأمم المتحدة في بيروت (الإسكوا)، لم يكن من ضمن الأوليات أو الأهداف المعلنة على جدول الاعتصام.
يالله نكسرها يا شباب قالها متظاهر بصوت جهوري بين مجموعة من الذين كانوا يهتفون ضد أنان والأمم المتحدة المرهونة للقرار الإسرائيلي والأميركي وغطاء الأنظمة العربية... وكان له ما أراد.
بلمح البصر اخترق الجمع صف عناصر قوى الأمن الداخلي الذين حاولوا بالحسنى ثني المتظاهرين عن الاقتراب من المبنى الزجاجي ولكن من دون جدوى. لم يبد أن قراراً بالمواجهة، ودماء أطفال قانا ما زالت ساخنة، كان ممكناً، كما لم يكن مطروحاً امتحان مدى ذاك الغضب وحدوده.
وإلى مركز حراسة الإسكوا وصلوا، بقبضاتهم وبأحجار الإسمنت التي كانت تعزل المبنى عن الشارع القريب، رموا الزجاج المضاد للكسر وحرصوا على اختراقه من مختلف الجوانب تمهيداً لدخول المبنى، وسط مناشدات أمنية لم تعط نتيجة ملموسة.
وفيما اجتاح المحتجون الطابق الأرضي من المبنى وصلت قوات التدخل (فوج المغاوير) في الجيش اللبناني وتعزيزات من قوى الأمن الداخلي (فرقة مكافحة الشغب) من دون مواجهة، ولكن الأحوال لم تتبدل إلا مع وصول قيادات من حزب الله في ظل إحجام القوى الأمنية على اختلافها عن القمع المباشر للمتظاهرين إلى أن وصل قياديون في حزب الله وحركة أمل وبعض نواب كتلة الوفاء للمقاومة وكتلة التحرير والتنمية.
وفي وقت قصير، امتلأت ساحة الاسكوا بالحشود الغاضبة، حشود لم تعط أذنيها إلا لما قاله قياديون من حزب الله حثوهم على التعبير عن غضبهم بطريقة سلمية: هذا ليس أسلوبنا في الاحتجاج قالها شيخ وهو يحث المتظاهرين على الخروج من المبنى ومن ساحته. وبالإضافة إلى جهد الحزب، بث أحدهم نداء الرئيس نبيه بري الذي وجهه إلى المتظاهرين عبر قناة المنار ناشدهم فيه باسم حركة امل وحزب الله وجميع القوى الوطنية وقف اي اعتداء على الاسكوا، والعودة الى مراكزهم، مشيراً إلى أنه يعرف ان دماء الشهداء تغلي في عروقكم، مشيراً إلى أن ما يحصل ليس من مصلحتنا.
وفي خضم اقتحام المبنى، تعالت صيحات الفرح لدى سماع المتظاهرين بمقتل عدد من الجنود الإسرائيليين في الطيبة.
ونجح قياديو وعناصر حزب الله وامل في مساندة الجيش والعناصر الأمنية في إخراج المتظاهرين من مبنى الأمم المتحدة وحصر الاعتداء بالأضرار التي كانت قد نتجت، وقد لجأ قياديو الحزب ومن بينهم النواب حسين الحاج حسن وعلي عمار وأمين شري، وعضو المجلس السياسي في الحزب غالب أبو زينب، إلى سحب المتظاهرين من أمام (الإسكوا) إلى ساحة رياض الصلح والشروع في مهرجان خطابي في محاولة لتهدئة خواطر الحاضرين بعيداً عن المكان.
وفيما الخطابات مستمرة في ساحة رياض الصلح وسط الجموع، ومدخل الإسكوا أفرغ إلا من القوى الأمنية، لم يتنبه المتظاهرون لوصول وزير الداخلية أحمد فتفت يرافقه المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، لتفقد حوالى ثمانين موظفاً لبنانياً وعربياً وأجنبياً كانوا في المبنى لحظة تعرضه للاعتداء.
وفي طريقه من الإسكوا إلى السراي الحكومي سيراً على الأقدام، بدأ عدد من المتظاهرين بالهتاف ضد وزير الداخلية الذي أكمل سيره بين مرافقيه نحو السراي من دون التحدث مع الشبان الذين كانت ترتفع وتيرة غضبهم بعيداً عن الحشد الأساسي في ساحة رياض الصلح.
هذا الاحتجاج على وزير الداخلية اتخذ منحى دراماتيكياً مع قول أحد المتظاهرين بأن الوزير فتفت أمر مرافقيه بـ إطلاق النار على المتظاهرين في حال الاعتداء عليه، وأن احد العناصر قام بـ تلقيم بندقيته فعلاً استعدادا لإطلاق النار.
هنا قامت الدنيا ولم تقعد، وهجم المتظاهرون على سيارتين للقوى الأمنية ظناً منهم أنهما تعودان للوزير فتفت (جيب فورد ومرسيدس شبح) وقاموا بتكسير زجاجيهما قبل تمكن حزب الله بمساندة القوى الأمنية من إبعاد المتظاهرين الذين لم يوفروا شبان الحزب من التدافع وردود الفعل المنفعلة.
وفي اتصال مع وزير الداخلية، نفى الوزير احمد فتفت أن يكون قد أمر مرافقيه بإطلاق النار وقال: نحن لم ولن نصل إلى هذا المستوى، لم يحصل شيء ولا حتى احتكاك، لقد عدت إلى السراي سيراً على الأقدام ولم أكن داخل أي سيارة.
وأكد فتفت انه زار مبنى الإسكوا للاطمئنان على موظفين مدنيين لبنانيين وأجانب، يعملون في مساعدة لبنان في أعمال الإغاثة، مشيراً إلى أنه : إذا كان لدى أي كان نية بأن لا تكون السلطة اللبنانية في أي مكان فنحن ليس لدينا هذه النية.
في المقابل، أكد عضو المجلس السياسي في حزب الله غالب أبو زينب  أن الحزب يرفض الاعتداء على بيت الأمم المتحدة في بيروت، مشدداً على عفوية ما حصل كان ذلك نتيجة الغضب العارم الذي شعر به المواطنون. وأشار أبو زينب إلى أن التحرك كان شعبياً ومن مختلف الانتماءات> وان قيادات الحزب تدخلت وسحبت المتظاهرين من المبنى إلى ساحة رياض الصلح.
ولم يقتصر تدخل رجال الحزب على مبنى الإسكوا ومدخل السراي الحكومي، بل زنر العديد منهم المداخل التي تؤدي إلى شوارع سوليدير تحسباً لأي طارئ.

سعدى علوه

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...