ورقة سورية الغد للأولويات الإعلامية

29-07-2006

ورقة سورية الغد للأولويات الإعلامية

تحاول الورقة التالية طرح مجموعة من الأفكار حول الأولويات الإعلامية خلال الصراع الدائر حاليا في لبنان، وهي تنطلق من نقطة أساسية حول طبيعة الحرب الحالية وما يدور فيها من تحليلات أو تصريحات. وتنطلق هذه الأفكار من أن:
- على أهمية التغطية التلفزيونية للحدث الحالي، لكنها وضعت المشاهد في موقع المتفرج، ودفعته للتعامل مع ما يجري بحس إنساني عاطفي بالدرجة الأولى.
- تفاوت عملية التغطية ما بين الإعلام العربي والأجنبي، حيث يتم التركيز على آثار العدوان في لبنان من قبل الفضائيات العربية، بينما تهتم القنوات الغربية بتسجيل تبادل الضربات والتركيز على ضربات حزب الله.
- يقدم الإعلام بكافة أنشطته ردود الفعل على ما يحدث بشكل متوازي، ودون انحياز، وإذا كانت الوظيفة الخبرية تقتضي الحيادية في النقل فإن فرص التعامل مع الإعلام تبدو أيضا متساوية، فالمساحة التي يأخذها "أيمن الظواهري" من التغطية تقارب ما أعطي لمعظم القياديين والسياسيين على الشاشات وفي الصحافة المكتوبة. وهو أمر لا يضع المعركة الحالية بحجمها الحقيقي داخل الشارع السوري إجمالا.
- رغم الأبعاد السياسية الكبيرة التي تحيط بالحرب الحالية، لكن المؤشرات الأولية لا توحي بأن الإعلام السوري تحديدا يملك أجندة واضحة للتعامل مع هذا الحدث الذي يظهر أنه يحمل نتائج أبعد بكثير من مسألة تبادل الضربات أو حتى إظهار قوة المقاومة أو وحشية إسرائيل.
   انطلاقا مما سبق فإننا نحاول رؤية ملامح أجندة إعلامية تحاول على الأقل التوقف عند المساحة السياسية الواسعة التي اكتسبتها الحرب، والفرز الذي أظهرته وحاولت بعض الوسائل الإعلامية التأكيد عليه، مثل انفصال الشارع عن النظام السياسي، آخذين بعين الاعتبار أن القضية الإعلامية كما نراها يمكن أن تكتسب سمة الحملة التي تحاول تكوين رأي عام غير خاضع لإدارة الصراع كما تريده الولايات المتحدة وإسرائيل. وإذا كان الشارع السوري عموما غير مقتنع بطروحات "المخاض" للشرق الأوسط الكبير، فإن التركيز على عدد من المقولات في تصريحات السياسيين ربما تقود في النهاية إلى التعامل مع هذا الصراع وفق شكل المهادنة أو البحث عن الهدوء مهما كان الثمن.
    إن أي أجندة إعلامية لا تستطيع تجاهل حجم الاهتمام الكبير للمجتمعات العربية لما يحدث، وهذا الأمر لا يدخل فقط من بوابة التعاطف، فهو شأن حقيقي داخل الناس، لأنهم يعرفون أن هذه الحرب تمس وجودهم بالمعنى الواسع (الثقافي، السياسي، والاجتماعي). فالحرب على المستوى الاجتماعي محسومة سلفا بأنها ليست بين حزب الله وإسرائيل بل بين شعوب المنطقة وإسرائيل، وحتى ولو ظهرت بعض التمايزات في هذا الرأي، ولكن على الإعلام ملاحظة طبيعة ما تتركه هذه الحرب في عقلية المجتمعات عموما.
    وربما علينا ملاحظة أربعة أمور أساسية برزت وتطورت خلال الأسابيع الماضية من الحرب:
أولا – محاولة إبراز الصراع بين طرفين فقط هما حزب الله وإسرائيل. وهذا الأمر تدعمه العمليات العسكرية بالدرجة الأولى وحجم التصريحات الأمريكية المكثفة. فهذه التصريحات اليومية تجبر الإعلام عموما على تتبعها، وأكثر من ذلك فإن معظم القنوات الفضائية تتابع هذا الموضوع حتى من الداخل الإسرائيلي. فالإعلام عموما يملك مادة غزيرة حول وجود طرفين فقط في الصراع، ويدعم هذه المادة الجدل الذي بدأ بتحميل حزب الله مسؤولية ما حدث، ويستمر اليوم بانتظار ما يمكن أن يقدمه حزب الله من خطابات مفاجأة عبر أمينه العام حسن نصر الله.
   المعركة الإعلامية عمليا هي بين طرفين، لأن التصريحات من الجانبين ما تزال هي الأقوى والأكثر قبولا بين الشرائح الاجتماعية، وفي حال عدم التدخل في هذه المعادلة فسينحسر الصراع وفق هذه المعادلة ويؤثر سلبا على القيمة التي تقدمها المقاومة للمجتمعات العربية إجمالا.
ثانيا – التركيز على الطابع الطائفي لعملية الصراع، والأمر هنا بدأ مبكرا من خلال الباحثين في المراكز الأمريكية الذي ظهروا على شاشة "الحرة" بالدرجة الأولى ليعتبروا أن تصريحات بعض القيادات العربية هي انتفاضة سنية ...!! هذا الأمر تحول لاحقا إلى مساجلة على الأخص بعد ظهور "أيمن الظواهري" ليتحدث عن المقاومة بأسلوب خطابي، ثم بدأت الفتاوى لتقدم تشويشا خارجا عن منطق الصراع الحالي ... والإعلام يملك مادة غنية وجذابة في هذا الموضوع، بينما يساعد هذا الصخب على تكريس الثقافة في إدارة الصراع بشكل طائفي وهو ما تنتهجه الإدارة الأمريكية.
ثالثا – المساحة الممنوحة للحرب لم تأخذ بعد مجالها الحقيقي كـ"حرب" تمس المجتمع ومستقبله بغض النظر عن نتائجها. فالأمر هو "نزاع" في وقت يتم فيه اختراق كل الممنوعات فيما يحدث، بدء من الاستباحة الكاملة للمجتمع اللبناني وانتهاء بفرض توازن شرق أوسطي يحذر الجميع منه بأنه مولد عنف. والاستباحة لا تأخذ في الموقع الإعلامي سوى مساحة إنسانية لنخرج بحملة جديدة لـ"النصرة" وهو موضوع متوفر إعلاميا أيضا.
رابعا – التركيز على الشرق الأوسط الكبير في الإعلام أخذ البعد المرتبط أساسا بموقف الولايات المتحدة دون التركيز على الدبلوماسية الأمريكية التي تسعى لنصرة رأي على رأي، وأنها ترى "التوازن السياسي" وفق صيغ جديدة تحمل في فحواها العام تشكيل عزل للرأي الآخر وخلق طيف داخل الرأي الذي تؤيده بشكل يوحي بـ"التعددية".
     إن الأجندة الإعلامية التي نراها عليها التعامل مع المعطيات السابقة وفق مايلي:
1. الحرب الحالية ربما تكون نقطة تحول للمنطقة ككل، وليست مخاضا لشرق أوسط كبير، بل يمكن أن تكون نهاية مرحلة زمنية كاملة. فالحرب تعني الجميع، وعلى الإعلام التحريض على التعامل معها بأخطارها وليس فقط ببعدها العسكري. فإذا كانت إسرائيل على لسان بيريز تعتبر أن الحرب الحالية هي "حرب وجودها"، فإنها أيضا حرب وجودنا كمجتمعات قادرة على الحياة والتطور والارتقاء.
2. ضرورة خلق تغطية إعلامية تحمل على المبادرة ودفع المجتمع لرؤية ما يحدث كي يبحث عن الدفاع الذاتي عن نفسه. أي التمسك بثقافة التنوع التي تحاول السياسة الأمريكية إظهارها بقوة وسط هذا الصراع على أنها مجال خلاف وليس تفاعل.
3. الخروج من البعد الإنساني للحرب والتعامل معها على أنها صراع ممتد، وضرورة كسر حاجز "المراقبة" عند المواطن.
4. التركيز على فهم هذه الحرب بأنها قادرة على خلق التكامل الجغرافي لما سمي سابقا دول "الطوق"، وأن الصراع بين هذه الدول وإسرائيل هو شأن مستقل لا يمكن خلطه مع باقي المسائل السياسية الداخلية الخاصة بكل دولة (مثل مسائل حقوق الإنسان والديمقراطيات التي مزجتها الولايات المتحدة مع السلام في الشرق الأوسط ضمن حزمة "الشرق الأوسط الكبير"). فالمسائل الداخلية لا تقل جدية عن مسألة الصراع الحالي لكنها مستقلة بذاتها ولا يمكن مزجها مع "السلام" والحرب.


 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...