معرض الرياض الدولي للكتاب بإشراف المطاوعة

18-03-2008

معرض الرياض الدولي للكتاب بإشراف المطاوعة

من المعرضنجح «معرض الرياض الدولي للكتاب»... وخسر الكتاب! بهذه المفارقة، انفضت دور النشر المشاركة في التظاهرة المذكورة يوم الجمعة الماضي، لتنحسر بارقة الأمل التي لاحت خلال العامين الماضيين، وتجلّت بانفتاح استثنائي سمح لعشرات العناوين الممنوعة بالظهور فجأةً على رفوف لم تألف مثل هذه الظاهرة... فرياح الحرية التي هبّت أخيراً، سرعان ما تحوّلت إلى عاصفة رملية اقتلعت العناوين عن الرفوف هذا العام. ليس هذا فحسب، فما حصل على امتداد عشرة أيام في الرياض هو أشبه بانقلاب مضادّ قامت به رموز المؤسسة الدينية على الخط الثقافي «المنفتح» نسبياً الذي انتهجته وزارة الثقافة والإعلام منذ انتقل إليها تنظيم المعرض قبل ثلاث سنوات.
من هنا، يمكن فهم سبب ترقب الكثير من المهتمين لمعرض هذا العام باعتباره مؤشراً على الحراك الثقافي والاجتماعي في المملكة، وأداة تقيس إمكان المحافظة على مكتسبات الانفتاح من منطلق «أنّه لو مرّ المعرض على خير، وبمستوى الانفتاح الذي شهده العام الماضي، فسيعدّ إنجازاً خطيراً في المملكة» (راجع الأخبار عدد 5 آذار/ مارس الماضي). لكنّ أيام المعرض أثبتت أن التغيير صعب في السعودية... وصعب جداً. هكذا، ارتفعت أصوات النخب الثقافية مستنكرة بأن «لا طائل من مهرجانات ومعارض تدعو الآخرين إلى التعرف إلينا، بينما نرفض التعرف إلى الآخرين بأي شكل من الأشكال!».
وعلى رغم العطب الذي أصاب المعرض، فإنه نجح تنظيمياً، وانسحب هذا النجاح على حجم الإقبال، فحقق نسبة مبيعات فاقت العام الماضي، وفق تقديرات القائمين على المعرض وعدد من الناشرين. وهذا ما دفع مندوب «مركز دراسات الوحدة العربية» إلى اعتباره «أمّ المعارض». إلّا أنّ نبيل نوفل مندوب «دار الآداب» تذمر من «الوصاية التي تمارس على العقل الذي يفترض نضجه في زمن الانفتاح التقني والمعلوماتي، والذي ضاق بكثرة ما مورس عليه من وصاية منذ سن الحضانة»، لافتاً إلى أن بعض الكتب مُنعت بناءً على اسم صاحبها فقط مثل كتب نوال السعداوي، مؤكداً أن الناشرين تعرضوا هذا العام لـ«مضايقات من الرقابة».
هذه المضايقات اتخذت أشكالاً عدة بعدما عرف مؤيدو التيار السلفي كيف ينظّمون أنفسهم ويهاجمون من الخاصرة الرخوة! وأخطر من المضايقات ما حصل في المسجد التابع للمعرض إثر انتهاء صلاة المغرب. إذ وزّع بيان موقع من عدد من علماء الدين المعروفين يفيد أنّ «عدداً من دور النشر تروّج كتباً لمؤلفين معروفين بالإلحاد والفجور والمجون أمثال نصر حامد أبو زيد وعلي أحمد سعيد (أدونيس)، ونزار قباني». أمّا بعض هذه الدور التي أتى البيان على ذكرها فهي: دار الساقي، دار الجمل، رياض الريس، الانتشار العربي، المركز الثقافي العربي، دار المدى.
وإذا كان المشرفون على المعرض قد عملوا على مصادرة النسخ واستدعاء الشرطة ومحاولة تطويق الحادث إعلامياً، فإنّ السؤال بات يُطرح عن مآل المعرض، والصورة التي سيقدمها العام المقبل، وخصوصاً إذا أتبعنا ذلك بمشاهدات وقعت داخل المعرض... فالرقابة السرية من متطوعين أدّت إلى مصادرة عشرات العناوين والروايات التي لم تعد إلى دور النشر إلا بعد انتهاء المعرض، وأغلبها عناوين كانت متوافرة العام الماضي. بينما وقعت مشادة في أحد الأجنحة لأن زائراً ملتحياً قرّر أنّ صورة نازك الملائكة لا تتوافق مع أحكام الشريعة، فأدار الكتاب إلى جهة الغلاف الخلفي. كما وقع اشتباك كلامي آخر مع سلفيين مصدره «دار الجمل»! حتى تركي الدخيل مقدّم برنامج «إضاءات» على «العربية» لم يسلم من المشادات. فخلال توقيع كتابه «كنت في أفغانستان»، استاءت «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» من وجود «الجنس الآخر» حول الكاتب للحصول على توقيعه، فكال له مسؤول في الهيئة عبارات التوبيخ على مسامع الجميع، مع أنه لم يتجاوز النظام.
كل هذا دفع السجال إلى العلن حول مستقبل معرض الكتاب في دوراته المقبلة، وسط مطالبة المهتمين بضرورة تدخل وزارة الإعلام والثقافة من جديد لوضع الأمور في نصابها، وخصوصاً لجهة تجاوز الرقابة الرسمية وتدخل رقباء متطوعين... فهل في إمكان الوزارة أن تستعيد المبادرة العام المقبل، أم تنصاع إلى أحكام المؤسسة الدينية التي تستمد قوتها من «وكالتها الحصرية» على الحكم الشرعي، ومن قدرتها على تجييش المناصرين؟ هذا إضافةً إلى سيطرتها على وزارة العدل ووزارة الشؤون الإسلامية وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ هذه المؤسسات الثلاث التي يقف على رأس كل منها سليل من آل الشيخ محمد عبد الوهاب. يذكر أن المملكة السعوديّة قامت على تسوية بين هذا المذهب الوهّابي وعائلة آل سعود.

علاء اليوسفي

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...