مشكلات التمويل والتعليم تعرقل المشاريع في البلدان النامية
لا يختلف الخبراء على أن مشاريع التنمية المستدامة هي السبيل الوحيد أمام الدول النامية والأكثر فقراً، للخروج من دوامة الاعتماد الدائم على معونات الدول الغنية، التي لم تقدم، على رغم أهميتها، سوى مسكنات موقتة لمشكلات تتفاقم دوماً.
ولا تخلو مؤتمرات الأمم المتحدة المعنية بقضايا التنمية من دراسات وأفكار للخروج من الدائرة المغلقة: «تنمية؟ نعم ... ولكن كيف؟» وعلى رغم تباين الآراء حول أكثر الحلول نجاحاً، فثمة توافق في الآراء حول الخطوات الواجب اتباعها.
ففي ندوة نظّمها المنتدى الأفريقي لتنمية التقنيات الأسبوع الماضي بالتعاون مع المعهد الفيدرالي السويسري للتقنية في زيورخ، ركز خبراء على «النهـــوض بالتنـــمية من خلال مشاريع الأعمال النسائية المرتكزة الى روح المبادرة»، استناداً إلى دراسات تؤكد أن النساء في الدول النامية يمتلكن بين 40 و50 في المئة من المشاريع الصغيرة والمتوسطة ويدرنها.
وتقول رئيسة وحدة سياسات المشاريع وبناء القدرات في «أونكتاد» فيورينا موجيوني، إن المشروعات الصغيرة والمتوسطة أفضل سبيل للقضاء على البطالة في الدول النامية والأكثر فقراً، «فهي لا تحتاج إلى رأس مال كبير، ومجالاتها متعددة بين صناعية وزراعية وفي قطاع الخدمات، ولا تحتاج بالضرورة إلى مؤهلات عالية، بل يمكن أي امرأة القيام بها إذا تهيأت لها ظروف مناسبة».
ويحدد المنتدى الأفريقي لتطوير التقنية «الظروف المناسبة»، في العثور على التمويل المناسب، وهنا تكمن المعضلة، فإمكانات الدول النامية محدودة، لا سيما أن معدّل البطالة فيها مرتفع، فتتوجه الأنظار إلى المساعدات التنموية.
وعلى رغم أن حجم المساعدات التنموية التي تضخها الدول الغنية، يصل إلى 50 بليون دولار سنوياً، إلا أن الخبراء يشككون في أنها تسلك الطريق الصحيحة للقضاء على الفقر، ويستدلون على ذلك بتفاقم مشكلات الدول النامية ودعوات المنظمات الدولية المتخصصة دوماً بـ «مزيد من الأموال لمواجهة التحديات».
ويعتقد خبراء «أونكتاد» أن التمويل ليس المشكلة الوحيدة، بل إدارة المشروع أيضاً، فالفطرة وحدها لا تضمن نجاح مشروع على المدى البعيد، بل يجب صقلها بالدراسة.
وانشأت «اونكتاد» برنامج تنظيم المشاريع في الدول النامية بعنوان «إيمبرتيك»، لتشجيع المشاريع المرتكزة الى روح المبادرة في البلدان النامية، ومنها مشاريع الأعمال النسائية والنهوض بالتنمية بواسطتها.
وتصف فيورينا موجيونيان مشروع «إيمبرتيك»، الذي أنطلقت فكرته الأساسية في الأرجنتين عام 1988، بأنه برنامج متكامل لبناء القدرات في مجال المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتعزيز المهارات، وتشير الى انه مكرس لمساعدة أصحاب المشاريع الواعدة لطرح أفكارهم وتحويلها إلى فرص عمل.
وتشارك 27 دولة في البرنامج، غالبيتها في أميركا اللاتينية وأفريقيا وجنوب آسيا، وليس بينها سوى 3 دول عربية فقط هي الأردن وفلسطين والمغرب، ويستفيد منه نحو 120 ألفاً.
ويختار المشاركون فيه من خلال أفكار المشاريع وأهميتها الاجتماعية والعائد المرجو منها، ثم يلتحقون بدورات لتنمية قدراتهم.
ففي تجربة الأردن، على سبيل المثال، تقول الفائزة بجائزة البرنامج عن العام الحالي سناء برقان: «كان ظهور شبكة الإنترنت دعوة إلى التفكير في كيفية الاستفادة منها في شكل عملي، في حكم دراستي في الصيدلة كنت أعلم أن هناك إمكانات علاجية في بلادي لا يعلم بها كثيرون لا سيما من يقصدها للعلاج، فقررت أن أعلن على الشبكة العنكبوتية عن دراسات علمية حول الموضوع».
واستطاعت برقان أن تستفيد من التطور السريع لخدمات الإنترنت، فنما المشروع ليصبح حلقة اتصال بين الراغبين في العلاج في الأردن وبين الإمكانات المتاحة في البلاد، لتصبح قيمته الآن أكثر من ثلاثمئة ألف دولار ويعمل فيه 6 أشخاص.
أما تجربة الأوغندية سافيرا نيابونوا، الحائزة الجائزة الثانية، فكانت أكثر إثارة، إذ وجدت نفسها بين جيش من المهمّشين اجتماعياً كاليتامى والأرامل والمشردين، وبين قطاع النظافة الذي لا يجد الاهتمام الكافي، على رغم أهميته وخطورة الإهمال فيه.
وفي وجود تمويل تنموي لعلاج مشكلة النظافة، حشدت الأوغندية الشابة عدداً من أولئك المهمشين وشكّلت فرقة نظافة اقتحمت بها أسوأ المناطق، مثل المخلفات الصناعية وأكوام القمامة والمناطق الملوثة بيئياً.
وتطور المشروع ليشمل 700 شخص، 75 في المئة منهم نساء، ولأن الفارق بين المناطق التي تخضع للنظافة الدورية والمناطق المهجورة بات واضحاً، لم يكن شك في ضرورة مواصلة دعم المشروع بمساعدات التنمية، إذ صُنف على أنه «من المشاريع التنموية المستدامة».
ويشير خبراء التنمية إلى أن عدم الاستقرار السياسي يشكّل إحدى العقبات أيضاً، إلى تغير القوانين ووجود توتر اجتماعي نتيجة البطالة والفقر وغياب الأفق نحو مستقبل أفضل.
وتكمن المشكلة الأساسية، بحسب رأيهم، في سياسة التعليم المتبعة في غالبية الدول النامية، والتي لا تدعم روح الإبداع أو تشجع المبتكرين، ما يجعل من التعليم مساراً لا يرتبط بمتطلبات المجتمع، وتبتعد الجامعات عن دورها في تقديم الأبحاث التطبيقية الهادفة.
ويؤكد خبراء الاجتماع أن العلاقة بين المواطن والدولة في العالم النامي لم تصل بعد إلى حد التكامل، بل تبقى في إطار حكومة تفرض قوانين وتتمسك بالمركزية، والمواطن محكوم بالتنفيذ. ويعزز غياب الديموقراطية تراجع الفرد عن ممارسة دوره في تنمية المجتمع.
تامر أبو العينين
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد