قصة للكاتب البرازيلي باولو كويلهو مشعوذ السيدة العذراء

24-08-2011

قصة للكاتب البرازيلي باولو كويلهو مشعوذ السيدة العذراء

تروي أسطورة من القرون الوسطى أن عائلة بورخارد المؤلفة من أب وأم وولد, كانت تعيش في بلاد تسمى الآن النمسا, وقد تعود الناس على التمتع, ليلة عيد الميلاد من كل عام, بما تقدمه هذه العائلة من أغنيات قديمة, وألعاب خفة, وإلقاء قصائد لشعراء متجولين. وعندما لم يعد لدى العائلة درهما واحدا من المال لكي يتبادلوا الهدايا فيما بينهم, سأل الأب ابنه:

هل تعرف لماذا لاينضب «الخرج» الذي يحمله بابا نويل على ظهره أبدا, رغم طوافه على الكثير من الأطفال عبر العالم؟ ‏

ربما لأن «الخرج» مليء بالكثير من الألعاب, لكنه مليء أيضا بأشياء أكثر أهمية, وهي ما يطلق عليها «الهدايا غير المرئية».
 
إنه يمضي في مثل هذه الليلة المقدسة لدى المسيحيين, إلى بيوت منعزلة, محاولا أن يمنح أهلها الطمأنينة والسلام. وفي كل مكان يخلو من الحب, يغرس بذورا من الإيمان في قلوب الأطفال. وعندما يبدو المستقبل غامضا وحالكا, فإنه لا يتورع عن زرع الأمل في النفوس. ‏

إننا بعد كل زيارة لبابا نويل نبتهج لكوننا لا نزال على قيد الحياة, وأننا لا نزال نؤدي دورنا بإدخال البهجة على الناس. لا تنسوا هذا الأمر ‏

مضت السنوات وكبر الصبي, وذات يوم, بينما كانت عائلة بورخارد تمر من أمام كنيسة «ميلك» المدهشة التي تم بناؤها للتو, صرخ الولد: ‏

أبتاه, هل تذكر حكايتك التي رويتها لي منذ زمن طويل عن «الهدايا غير المرئية» التي يحملها بابا نويل في «الخرج» على ظهره؟ أعتقد أنني تلقيت واحدة من تلك الهدايا الآن: إني أرغب بأن أكون كاهنا. هل يزعجك في أن أحقق هذا الحلم؟ ‏

صحيح أن الوالدين كانا بحاجة لوجود ابنهما إلى جانبهما, لكنهما تفهما رغبة ابنهما, وتوجها على الفور إلى الدير فطرقا الباب فاستقبلهم الرهبان أحسن استقبال وعكفوا جميعا على الصلاة قربانا لقدوم وافد جديد إلى الدير. ‏

في العام التالي, ومع اقتراب ليلة عيد الميلاد, في ذلك اليوم بالذات حصلت معجزة نادرة في «ميلك»: لقد قررت السيدة مريم العذراء النزول إلى الأرض لتزور كنيسة «ميلك» حاملة بين ذراعيها طفلها المسيح. ‏

ما أن وصل الخبر إلى الكنيسة حتى انتصب القساوسة في صف مستقيم متباهيا كل واحد بنفسه بأنه سيسلم على السيدة العذراء وابنها قبل غيره. ‏

أحدهم أشار لها بوجود لوحات رائعة تزين المكان, وآخر أطلعها على نسخة من إنجيل استغرق تحريره وتزيينه بالرسومات مئة عام كاملة. وثالث تلا على مسامعها أسماء كل القديسين عن ظهر قلب. ‏

كان الشاب بورخارد يقف في آخر الرتل, وكان ينتظر دوره بتوتر ظاهر. الشيء الوحيد الذي تعلمه من أبويه البسيطين هو خفة حركة قذف الكرات في الهواء. وعندما وصل الدور إليه, قرر القساوسة التوقف عن الترحيب لقناعتهم بأن لاعب الخفة السابق لم يكن لديه ما يثير الإعجاب, ولخشيتهم من تشويه صورة الكنيسة لو أخفق مثل سابقه. ‏

غير أن ثمة شيئاً عميقاً كان يختلج في قلب الشاب بورخارد. كان يشعر بحاجة ماسة لأن يقدم شيئا نابعا من ذاته للسيدة العذراء وابنها. لكنه, وتحت النظرات الموبخة التي انهالت عليه من باقي الأخوة, أخرج الشاب بورخارد عدة برتقالات من جيوبه وراح يقذفها بمهارة في الهواء ثم يتلقفها الواحدة بعد الأخرى بحركة دائرية بمنتهى الروعة في الأداء, تماما مثلما كان يفعل عندما كان يجوب مع والديه أسواق المدن في المنطقة. ‏

حينذاك علت أصوات تصفيق من يدي المسيح الصغيرتين تعبيرا عن فرحه وهو يرقد بين ذراعي أمه التي تقدمت نحو الشاب بورخارد طالبة منه أن يحمل المسيح للحظات بين ذراعيه. ‏

تنتهي الأسطورة بالتأكيد على أنه منذ تلك المعجزة, دأب أحفاد عائلة بورخارد على قدوم أحدهم على رأس كل مئتي عام ليطرق باب كنيسة «ميلك» وليستقبل فيها أحسن استقبال, وليكون عمله طيلة إقامته فيها مقتصرا على بث الدفء في قلوب كل من يأتون لمقابلته هناك.

ترجمة: سعيد هلال الشريفي

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...