قصة قصف معلن

02-09-2013

قصة قصف معلن

الجمل- د: مالك سلمان:

 (الصورة: مشهد قتل سانتياغو نصار من فيلم "قصة موت معلن")تدور رواية غابرييل غارسيا ماركيز السحرية "قصة موت معلن" (1981) حول جريمة قتل معلنة في بلدة لاتينية صغيرة منسية على هامش العالم والذاكرة؛ بلدة تشهد بشكل استثنائي حدثين هامين يتمثل الأول في زيارة نادرة وسريعة للأسقف, والثاني في حفلة صاخبة وعامة في ساحة البلدة احتفاءً بزواج شاب ثري وسيم (بياردو سان رومان) يمر عبر البلدة بحثاً عن امرأة يتزوجها من جميلة البلدة (آنجيلا ڤيكاريو) التي تنتمي إلى عائلة فقيرة تضم أخوين توأم آخرَين (بابلو وبيدرو  ڤيكاريو). ومن جهة أخرى, هناك سانتياغو نصار, ابن ابراهيم نصار المهاجر اللبناني, ذلك الشاب الثري الوسيم "الدونجوان" المعروف ﺑ "موهبته السحرية في التمويه, حيث كانت رياضته المفضلة تتمثل في خلط هويات البنات الخلاسيات. فقد كان يعبث بخزائن ملابس بعضهنَ للتمويه على الأخريات, بحيث كن يشعرنَ في النهاية بأنهنَ لا يشبهنَ أنفسهنَ بل نساءً أخريات مختلفات عنهنَ."
في صباح ذلك اليوم يكتشف سان بياردو رومان أن آنجيلا ڤيكاريو ليست عذراء كما كان يعتقد, ويعيدها إلى بيت أهلها. وبعد الصراخ والتهديد والضرب, يسألها أخواها, بابلو وبيدرو, عن الفاعل؛ وعندها:
"   لم تأخذ أطولَ من الوقت اللازم لكي تلفظ الاسم. بحثت عنه في الظلال, ووجدته من أول نظرة بين عدة أسماءَ متداخلة من هذا العالم والعالم الآخر, و ثبتته على الحائط بسهم تم تصويبه بدقة فائقة, مثل فراشة لا حولَ لها ولا قوة كان مصيرُها قد رُسمَ من البداية.
   قالت: سانتياغو نصار."
وكما تقتضي أعراف البلدة المتعارف عليها, يقرر الأخوان ڤيكاريو قتلَ سانتياغو نصار غسلاً للعار الذي لحق بهما. يأخذان سكينين ضخمتين لشحذهما عند لحام البلدة. وكلما سألهما أحد سكان البلدة أين يذهبان, يقولان: نريد قتل سانتياغو نصار. ولدى سؤالهما عن السبب, يجيبان: سانتياغو نصار يعرف السبب. وبعد ساعات تعرف البلدة بأجمعها تقريباً بأمر الأخوين ڤيكاريو, باستثناء سانتياغو نصار, لكن أحداً في البلدة لا يأخذ تهديدات الأخوين على محمل الجد؛ أولاً لأنهما معروفان بطيبتهما, وثانياً لأن الجميع يعتقد أن ما يقولانه يأتي من تأثير السكر من حفلة الليلة السابقة الصاخبة الطويلة.
تتمثل معاناة الأخوين ڤيكاريو في عدم رغبتهما في قتل سانتياغو نصار, وإحساسهما بعدم قدرتهما على ارتكاب مثل هذه الجريمة الوحشية؛ وتتفاقم مأساتهما من أن أحداً في البلدة كلها لم يحاول إيقافهما ومنعهما من ارتكاب الجريمة البشعة المعلنة.
* * *
منذ بدايات الأزمة السورية, أعلنَ الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما أن "على الأسد أن يرحل", ثم توغلَ في الأزمة ليرسمَ "خطاً أحمرَ" يتعلق باستخدام السلاح الكيماوي. أعلنَ أوباما ورسمَ وكأن صوت القدر هدَر, وكأن يدَ القدر رسمت خطاً في رمال الزمن الأبدي. لكن الأسد لم يرحل, كما أن أحداً ما استهواه العبث بخطه الأحمر ليرسمَ في جسد الوطن السوري نهراً من الدم الأحمر. لم يتردد أوباما, ولم يأخذ أكثر من الوقت اللازم لكي يلفظ الاسم, اسم بحث عنه في الظلال, اسم من هذا العالم والعالم اللآخر. ثم شحذ سكاكينه ... وأعلن نية القتل.
"مصداقية" أوباما على المحك, و "مصداقية" أعتى قوة على وجه الأرض على المحك. لا علاقة للقانون الدولي بذلك؛ فالولايات المتحدة أكثر دولة مارقة في التاريخ الحديث. كما أن أوباما لا يتمتع بأية "مصداقية": هذا القاتل الذي يوقع على لوائح الاغتيال بواسطة الطائرات الآلية الصماء بيده السوداء. وليس للولايات المتحدة أية "مصداقية": هذا الوحش الذي يعيث قتلاً في كافة أرجاء الأرض, منذ ولادته وحتى الآن. لكن أوباما أعلنَ, ورسمَ ... وعليه أن يفي بوعدَه. ولكن لمن؟ لمجموعات من القتلة والمجرمين الآتين من أعماق التاريخ الأسود؛ لثلة من الصهاينة الآتين من كتب خطت بالدم؛ للحىً وعمائمَ تشي بهويات قاتلة تغذي شرايين هؤلاء وأولئك بنَسغ سري خبيث.
أعلن أوباما أنه مقدمٌ على القتل. وفي كل مرة كان يقول: لم أقرر بعد. لم أقرر بعد. لم أقرر بعد. لم ينتبه أحدٌ إلى أن أوباما "ڤيكاريو" يعاني, إلى أنه يستجدي أحداً ما, أي أحد, لمنعه من ارتكاب جريمة ربما لا يريد ارتكابَها. أوباما الأسود القادم من غياهب الرق الذي تتناهشه أنيابُ المتصهينين البيض؛ أوباما الديمقراطي المثقف الذي أحرجته الأكاديمية السويدية منذ بداية عهده بمنحه جائزة نوبل للسلام؛ أوباما الأسود الذي يغلق عينيه ليلاً فتتراءى له صورة مارتن لوثر كينغ ﺑ "حلمه" العظيم؛ أوباما "هاملت" الذي يكتوي بنارَي فلسفة الشر الإنساني وضرورة الفعل. أوباما الذي سيحوله العالم إلى شخصية مأساوية, لأن أحداً ما لا يحاول إيقافه قبل أن يرتكب جريمة بشعة ربما لا يرغب في ارتكابها.
حالما رأى أوباما يداً ممدودة إليه, تمسك بها كما يمسك غريق بطوق نجاة ... وتنفسَ الصعداء. فيصل المقداد قارىء سيء؛ أوباما لم يكن مرتبكاً عندما أعلن تأجيلَ الضربة واللجوء إلى الكونغرس: كان كمن أخرج رأسه من تحت الماء في اللحظات الأخيرة.
الخوف, كل الخوف, أن يسيء الكونغرس الأمريكي قراءة مشاعر أوباما الدفينة ويفشلَ في تلمُس مأساته, كما فعلَ فيصل المقداد, ويحاولَ الحفاظ على "ماء وجه" أوباما بدلاً من انتشاله من الماء, أو على "مصداقية" الولايات المتحدة في ارتكاب الشر.
* * *
" في ذلك اليوم الذي كانا سيقتلانه فيه, نهض سانتياغو نصار من سريره في الخامسة والنصف صباحاً لكي ينتظر القاربَ الذي يقلُ الأسقف. كان قد حلمَ أنه يسير في غابة من الأشجار يتساقط فوقها مطر خفيف, وللحظة شعر بالسعادة في حلمه, ولكن عندما استيقظ ... ."

الجمل

التعليقات

لا أدري ان كان الدكتور فيصل المقداد قارئ سيء ، اما أنت القارئ السيء. لان امريكا عندما تخوض معارك تضع امامها خيار الربح وخيار الخسارة ، وخيار الخسارة في هذه الحرب لم تضعه! لان هذه الحرب من يربحها سيكون ربحه صافي ، والربح الصافي لاي شخص يخرج به، يعني امتلاك الطاقة وعنق اسرائيل للمقاومة وعنق المقاومة للامريكي . وما دفعني الى هذا الاعتقاد الذي لا اشك به ، هو: لو أرادة سورية تجنب الدمار كانت تنازلة من بداية الحرب بعد عرض كلنتون ، ومن يقبل طلب لامريكة يعني ان الطلب القادم سيقبله ورجل امريكا على رأسه . والشيء الاخر سورية وايران وحزب الله لم اراهم يوما اقتنعوا بسلام الا بزوال اسرائيل . لذلك امريكا تريد شن عدوان ولكن لماذا؟ لانها لم تجد اي ضمان لامن اسرائيل وطاقة العالم التي تسيطر بها عليهم وخدام اسرائيل ، وايضا الكل سيشاهد بداية الفلم ولكن من يستطيع معرفة النهاية .

لك تحياتي دكتور مالك أولا: اسمي كما هو مكتوب جمال ، ولا ادري لماذا لم تذكره ، اما الاربع سبعات ، وضعتها لعدم توفر اسم جمال وحده . اما القناع الذي تتكلم عنه... اذا كان ذكر الاسم يزيل القناع ، لماذا نجد كثير من البشر يعبدون الشخص لاسمه كما نرى اليوم ، والعلماء... ، وهنا النقاش طويل . طبعا انا لا ادعي المعرفة ، واعلم بأنك اعلم مني بكثير . دكتور مالك: انا شخص لا احب ذكر كنية اسمي مع العلم استطيع ذكر اي اسم لك واقول هذا كنيتي ولن يتغير عليك شيء لاني اذا ذكرت كنيتي لن تعرفني اساسا لاني فلاح مع تحياتي جمال ...

بما أن كلينا فلاحان, ربما نستطيع أن نتحاور الآن يا أخي جمال. أولاً: أنا لا أعرف الدكتور فيصل المقداد إلا بصفته نائباً لوزير الخارجية السورية يؤدي دوره الوطني تجاه حكومته وشعبه في هذه الأزمة. ثانياً, أنا لم أفهم بعد سبب انزعاجك لذكر الدكتور فيصل المقداد في المقالة, إذ لم يكن هناك أي تهجم عليه أو إساءة إليه بصفة شخصية, وربما غير شخصية أيضاً. ثالثاً, وبعد كل ما حدث ويحدث في سوريا, لم يعد لا الدكتور المقداد ولا غيره - مهما علا شأنه - خارج نطاق النقد, لأن الدم السوري المهدور فوق الجميع, وأعني الجميع. وأخيراً, وهذا الأهم في الموضوع, أنا أستاذ أدب ولست ناقداً سياسياً, والمقالة برمتها لقطة أدبية أو شعرية, إن شئت, وهي مبنية أساساً على رواية عالمية. وقد كتبتها لأن لدي شعوراً قوياً - ربما يكون غير مبرر, وربما يكون مستمداً من متابعتي لتردد أوباما في القيام بعمل عسكري في سوريا - بأن الرجل يعاني وهو بحاجة إلى أحد يوقفه عن ارتكاب حماقة سيندم عليها لاحقاً. فأنا على ثقة من أن الرجل لا يثق باستخباراته ويعرف تماماً وساخة حلفائه الإقليميين والدوليين, ويخاف من أن يورطوه في مستنقع لن يعرف كيف يخرج منه سليماً فيما بعد. وقد ترسخ لدي هذا الشعور بشكل أكبر عندما تابعتُ مؤتمره الصحفي في سان بطرسبورغ منذ دقائق فقط (مع أنه كان مرتبكاً بعض الشيء هذه المرة!). أما يالنسبة إلى الدكتور المقداد, فنحن نكن له التقدير كرجل دولة وطني يقوم بواجباته الوطنية. بس أنت لا تزعل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...