عل عتيق بيت لحم يخنقهم

30-12-2009

عل عتيق بيت لحم يخنقهم

مرت المملكة المتحدة بحمى التحضير لحفلة عيد الميلاد السنوية . و رغم الأزمة المادية كانت العائلات مجبرة على الإنفاق لأجل المزيد من الطعام و المشروب و الهدايا الباهظة.و بعضها  تمتع برفاهية  السفر غير المقيد لرؤية الأقارب أو قضاء عطلة في بلد أجنبي.
و الفرق شاسع بين هذا الميلاد و ذاك الذي في أراض محتلة بغير حق و محاصرة في الأرض المقدسة . فقبل عامين ، عند التحضير لعيد الميلاد في 2007، كنت قد عدت للتو من غزة و الضفة الغربية و دموع الغضب تملأ عيني حين وجهت هذه الكلمات لرئيس الوزراء البريطاني غوردون براون فقلت: " إن الوضع الرهيب الذي شهدناه في غزه مصمم لتمكين إسرائيل و الغرب من إخضاع حماس و وضع الشعب اليائس و الضعيف تحت سيطرة الحكومة العميلة التي تحكم الضفة الغربية. فهل نجحت الخطة ؟ من الصعب قول ذلك.فهناك اعتزاز و مرونة وسط الغزاويين . و لكن إن ضربت و قتلت و جوعت شعبا مطولا بمقدار كاف،  و ارتكبت جرائم كثيرة ضد الإنسانية بمقدار كاف، و أدرت ظهرك دون شفقة بمقدار كاف عندها سيكون النصر لك. ولكن أرجوك قل لنا يا سيد غوردون براون لماذا تشارك بريطانيا في هكذا برنامج خسيس و جبان؟لقد كانت غزة بشكل رسمي تحت الانتداب البريطاني و هو سبب لنا للشعور بمسؤولية خاصة تجاه أن  تعيش بشكل جيد".
و لكن هذا لم يكن حتى ضمن أجنده مؤتمر أنابوليس . و أقول للحكومة البريطانية: "اذهبوا بأنفسكم و شاهدوا البؤس و المأساة الإنسانية و الدمار الذي كدستموه فوق رؤوس  هؤلاء الناس الطيبين ، اشعروا بالألم و ابكوا و بعد ذلك أدهشونا ، قوموا بعمل شجاع لمرة واحدة ، ارفعوا الحصار القاسي ، أنهوا تسعين سنة من الخيانة التي ألحقت العار ببريطانيا . أنزلوا المعونات على شاطئ غزة الفارغ ، فهناك مياه فلسطينية ، و إذا تدخلت سفن المدفعية الإسرائيلية أبعدوها ، و علقوا كل اتفاقيات الشراكة إلى أن تخضع إسرائيل لقرارات الأمم المتحدة و محكمة العدل الدولية، و تنهي احتلالها البشع و تعود إلى حدود ما قبل عام 1967"
و إلى قادة الكنائس في العالم المسيحي الغربي أقول :"هل ستجلسون هناك بينما تسرق الأرض المقدسة من أمام أعينكم".
وضع الفلسطينيين يغدو أسوأ ، و ننتظر عبثا " شيئا شجاعا"من القوى الغربية و لكن القاعدة هي الجبن . هل منح غوردون براون في عيد الميلاد سنة 2008 وقتا من تأملات عيد الميلاد للفلسطينيين الجائعين ، المرتجفين في غزة؟لقد تمنى لليهود حانوكا سعيدا(عيد الأنوار) و تحدث عن  مشاركته إياهم الاحتفال بعيد إسرائيل الستين.و لكن لم يكن يحمل تهنئة بالعيد للغزاويين و لا حتى كلمة تشجيع للمسيحيين في غزة و الضفة الغربية المضطهدين بلا حدود من قبل أصدقائه الإسرائيليين. قيل لي بان الكثير من الشعب البالغ عدده مليون و نصف مليون و المحشور في  القطاع المدمر يبحثون عن الطعام في القمامة لكي يستمروا في الحياة.أي عيد ميلاد  ينتظر أبناءهم  بينما المجرمون الذين أنزلوا بهم هذا البلاء و الألم و أنكروا عليهم حقوقهم الإنسانية ينعمون بأسرتهم الدافئة ليلة الميلاد.
قد يفترض المرء أن براون " صديق إسرائيل المخلص, كان يعلم عن الجحيم الذي سيصيب غزة على يد أصدقائه خلال احتفالات الميلاد.و المسيحيون في  غزة كانوا مدركين بدون شك لتهديد الغزو و تخلوا عن خطط للاحتفال بقداس ليلة  الميلاد ، غير أنهم لم يتخيلوا شناعة الدمار و القتل الذي سينالهم و أولادهم .
براون ابن وزير كنيسة سكوتلندا ، الأمر الذي يجعل لا مبالاته أكثر إدهاشا,و لكن هل فعلا يهتم العالم المسيحي حتى عندما يصفع على وجهه؟ في العام الماضي ، إن كنتم تذكرون، استقبلت الفنادق المسيحية في الأرض المقدسة و كذلك الكنائس الكاثوليكية و الأنجليكانية في المملكة المتحدة عيد الميلاد دون نبيذ بيت لحم لأن الجنود الإسرائيليين في نقطة التفتيش عند حبرون أوقفوا الشحنات . و على مدار مائة و خمس و عشرين سنة و هذا النبيذ ينتج بأمر ديني مسيحي في مخمرة كريميسان في بيت جالا التابعة لبيت لحم.و هذا العمل يؤمن عمل للفقراء كما أنه مصدر معيشة للكثير من العائلات الفلسطينية المحلية.و يشتري المسيحيون في الأرض المقدسة و الخارج هذا النبيذ ليس فقط لنوعيته و لكن لأن الإيراد يساعد الاقتصاد في بيت لحم الأمر الذي دمر بالخطط الإسرائيلية على مدار سنوات  .
وفي البرلمان البريطاني يوجد ستة و عشرون أسقفا و هو عدد يكفي لإحداث ضجة كبيرة لمن يريد .و يضم هؤلاء أعلى خمسة رجال مقدسين في كنيسة انكلترا إضافة إلى واحد و عشرين آخرين هم الأطول خدمة.و يلعبون دورا هاما في حياة و عمل المجلس الأعلى في البرلمان إضافة لقراءة الصلوات عند بداية كل لقاء.و وجودهم هو امتداد لمهمتهم العامة في الوعظ بكلمات الرب و تأمين  صوت مستقل و بصيرة روحية.و يفترض أن يكونوا صوت كل الناس المؤمنين ، لا المسيحيين فقط.
و لكن في أعقاب فورة القتل الإسرائيلية بغزة ، لم أجد بعد البحث ما يدل على أن رجال الدين هؤلاء قد تساءلوا عن الأوضاع المرعبة في الأرض المقدسة ، و عن بلاء الفلسطينيين  و الهجوم الإسرائيلي المجرم و اضطهاد المسيحيين و المسلمين و الأزمة الإنسانية اللامنتهية ،و لا وجدت أي انتقاد لفشل الحكومة البريطانية في رفع العذاب عن الغزاويين الأبرياء الذين ينام الآلاف الكثيرون منهم في خيم وسط خراب منازلهم دون شرب الماء في موسم الأعياد.
عندما يقوم   رجال الرب هؤلاء بورع  بقيادة قداسات الميلاد في كنائسهم الفخمة و الأديرة التاريخية سأسمح لنفسي بأمنية قاسية و هي أن يختنقوا بنبيذ المذبح من كريميسان ، في حال تمكنوا من الحصول عليه.
*بقلم ستيوارت ليتلوود و هو كاتب مستقر في بريطانيا و له كتاب بعنوان :راديو فلسطين الحرة الذي يتحدث عن معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال.


ترجمة رنده القاسم
عن موقع middle-east online  

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...