سخرية التاريخ

05-06-2006

سخرية التاريخ

ما يزال سكان العالم يتذكرون تلك البسالة التاريخية غير المسبوقة، التي قاتل بها الشعب الفيتنامي القوات الأمريكية، في حربها الغاشمة ضد فيتنام، على مدى 11 عاماً، روعت فيها جرائم القوات الأمريكية الضمير الإنساني العالمي. ورغم فظاعة ووحشية ماكينة الحرب الأمريكية، التي حصدت أرواح 3 ملايين فيتنامي، فقد استطاع الفيتناميون، تحت قيادة هوشي منه، والجنرال جياب، أن يجسدوا واحدة من أعظم ملاحم حرب العصابات الشعبية في التاريخ الإنساني العالمي، والتي أصبحت مادة تدرس في جميع المدارس والكليات والأكاديميات الاستراتيجية والعسكرية في سائر أنحاء العالم.
ما زال العالم كذلك يتذكر ذلك المشهد الذليل للجنود والضباط والدبلوماسيين الأمريكان، وهم يهرولون بخوف ورعب مسرعين، وهم يغادرون مدينة سايغون، تاركين خلفهم الجواسيس والعملاء وغيرهم من الفيتناميين المتعاملين مع القوات الأمريكية خلال فترة العدوان، ليواجهوا المصير العادل على أيدي قوات الفيتكونغ، التي تحاصر المدينة، في مشهد يعيد للأذهان عملاء جيش لبنان الجنوبي من أتباع لحد، لحظة الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان.
بعد ساعات من ذلك، أظهرت صور التلفزة مشهد طوابير قوات الفيتكونغ، وهي تتقدم مظفرة داخل سايغون، رافعة علم الفيتكونغ الأحمر، تتوسطه نجمة صفراء، تعلن هزيمة الإمبريالية الأمريكية عسكرياً وسياسياً، وخروجها النهائي من الأراضي الفيتنامية.
الآن، وبعد مرور نحو 25 سنة على هذه المشاهد، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه، حين نسمع هذا الخبر:
هذا الأسبوع، قام السيد دونالد رامسفيلد بزيارة فيتنام، وكان في استقباله في مطار هانوي وزير الدفاع الفيتنامي فان ترا، حيث استعرضا طابور حرس الشرف. وكان الغرض من زيارة وزير الدفاع الأمريكي لفيتنام، يتمثل في التالي:
-بناء وتعزيز العلاقات العسكرية والأمنية الوثيقة بين أمريكا وفيتنام.
-الاتفاق حول "تعاون فيتنام مع أمريكا في الحرب ضد الإرهاب".
-"التنسيق بين فيتنام وأمريكا، من أجل مواجهة خطر الصين المتصاعد".
بعدها، عقد وزيرا دفاع البلدين "اجتماعاً ثنائياً مغلقاً"، استمر لساعات طويلة، خرج الطرفان بعده بالاتفاق على:
-توسيع التعاون الثنائي، بين فيتنام وأمريكا في الشؤون والمسائل العسكرية والأمنية.
-القيام بإجراء التدريبات المشتركة بين البلدين، في المجالات العسكرية والأمنية، والتي سوف يقوم البنتاغون بتمويلها والإشراف عليها.
-تبادل الزيارات الثنائية المكثفة بين مسؤولي البلدين، على كافة المستويات العسكرية والأمنية.
-قيام سفينة حربية، تابعة لأسطول البحرية الأمريكية، بزيارة الموانئ الفيتنامية خلال هذا الصيف.
-قيام البنتاغون بتمويل وتنفيذ برنامج التدريب والتعليم العسكري الدولي، حيث يتم إرسال العسكريين الفيتناميين إلى قاعدة سان أنطونيو في ولاية تكساس التابعة للجيش الأمريكي، لتلقي التعليم والتدريب، تحت إشراف الخبراء العسكريين الأمريكيين.
-تكثيف الجهود المشتركة للبحث عن رفات 1805 جنود أمريكيين فقدوا خلال فترة الحرب الأمريكية – الفيتنامية، إضافة إلى التعاون في البحث عن رفات الجنود الأمريكيين الذين فقدوا في لاوس وكمبوديا خلال فترة الحرب نفسها.
-والجدير بالذكر أن رامسفيلد قد سبق وزار العاصمة الفيتنامية هانوي في عام 1995، ليس بصفته الرسمية، وإنما بصفته كـ (رجل أعمال).
وسيقوم الرئيس بوش بزيارة فيتنام، لحضور اجتماع قمة رؤساء دول منظمة تعاون آسيا والباسفيك، الذي سيحضره كل رؤساء الدول الحليفة لأمريكا في المنطقة، والتي تضم: أستراليا، كوريا النوبية، اليابان، نيوزيلندا، والفلبين، وغيرها..
جاءت المباحثات العسكرية الأمريكية – الفيتنامية، بعد مرور أسبوع واحد على توقيع اتفاقية تجارية بين أمريكا وفيتنام، وذلك على خلفية التمهيد لانضمام فيتنام بشكل كامل لعضوية منظمة التجارة العالمية، بدعم ومساندة أمريكية غربية.
علق مسؤول رفيع في البنتاغون قائلاً، بأن التعاون الأمريكي – الفيتنامي، يجب ألا يكون مستغرباً، لأن السياسة هي "فن الممكن". فبعد الحرب الأمريكية الفيتنامية التي استمرت 11 عاماً، وانتهت في عام 1973،حدث أن خاضت فيتنام حرباً حدودية ضد الصين في عام 1979، استمرت لوقت قصير، بسبب الرفض الفيتنامي للهيمنة الصينية. لذلك، فنحن في أمريكا، نعتبر رفض الهيمنة الصينية ومقاومة الخطر الصيني، يمثلان هماً مشتركاً بين أمريكا وفيتنام، وبالتالي فإنه لمواجهة هذا الخطر، لا بد من التنسيق والتعاون مع الفيتناميين، خاصة وأنهم يشاركوننا في وجهة النظر القائلة بضرورة بناء علاقات تعاون طيبة مع الصين، وفي الوقت نفسه إيلاء المزيد من الاهتمام بالخطر الصيني، الذي بدا واضحاً، من خلال رفع الصين لميزانية نفقاتها العسكرية بشكل كبير.

 

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...