حول شذوذ الفلاسفة ومساوئ الفلسفة

05-09-2007

حول شذوذ الفلاسفة ومساوئ الفلسفة

الجمل:   الفلسفة يعرفها البعض بأنها محبة الحكمة، ويعرفها طرف آخر بأنها حركة الذهن التجريدية، وأيضاً سعى طرف آخر إلى تعريفها باعتبارها دراسة أعم القوانين التي تحكم حركة الطبيعة والمجتمع في تطورهما الدائمين.. ولكن ما هو مثير للانتباه ولافت للنظر أن الفلاسفة أنفسهم لم يكونوا مهتمين بتعريف الفلسفة، واكتفوا فقط بالانخراط فيها كحالة عقلية ذهنية لا أكثر ولا أقل..
·       تاريخ الفلسفة.. واشكالية التفسلف بـ(العالي):
كل مؤلفات تاريخ الفلسفة، ظلت تركز على الحديث بـ(العالي) عن الفلاسفة، حياتهم، أفكارهم، وآرائهم بشكل أضفت عليه تعقيدات الكتابة الفلسفية الكثير من الصور الخيالية، وذلك على النحو الذي حول الفلاسفة، أو بالأحرى المشتغلين بالفلسفة من كائنات بشرية طبيعية عادية إلى كائنات أسطورية خرافية لا يمكن تكرار مثلها.
وإزاء هذا النوع من الكتابة بـ(العالي) عن الفلسفة والفلاسفة، تقف على الجانب الآخر، العديد من الشواهد والوقائع ان الفلاسفة كانوا بشراً عاديين، وكانت لكل واحد منهم الكثير من الصفات الذميمة الشديدة القبح والتي تصل في بعض الأحيان إلى إثارة الاشمئزاز..
·       هيراقليطس: صاحب مقولة (أنت لا تنزل النهر مرتين لأن هناك مياهاً جديدة تغمرك دائماً) اكتشف التغيير من خلال مجادلاته ومغالطاته من أجل هضم حق الآخرين.. مثل الادعاء بأن الشخص يتغير في كل لحظة وثانية، وبتراكم التغييرات فإن صورة الإنسان في عمر 10 سنوات تختلف تماماً عن صورته وهو في عمر الخمسين أو الستين، وبالتالي فإن الشخص الذي يتناول وجبة العشاء ليلاً.. هو بالضرورة ليس نفسه الشخص الذي تناول وجبة الفطور صباحاً في نفس البيت.. وذلك لأن هناك تغيراً قد حدث وطرأ على هذا الشخص في الفترة الممتدة بين لحظة تناول الفطور وتناول العشاء.
وقياساً على ذلك، إذا دعاك شخص صباحاً إلى حضور حفلة في المساء أو في أي وقت آخر، يجب أن لا تذهب لتلبية الدعوة، وذلك لأن المدعو سوف يكون في وقت تلبية الدعوة هو ليس نفس الشخص الذي وجهت إليه الدعوة.. وأيضاً إذا اقترضت مبلغاً من المال من أحد ما فإنه يتوجب عليه عدم إرجاعه له لأنك بالضرورة أخذته من شخص يختلف عنه، وأيضاً هو نفسه لا يجوز له مطالبتك بهذا المال لأنه أقرضه لشخص مختلف، وإذا قمت برد هذا المال إليه، فإنه يتوجب عليه عدم قبوله منك لأنه أقرضه لشخص آخر مختلف عنك.. وبإسقاط (قاعدة التغيير) فهناك حالات لا نهائية من المفارقات.. فمن الممكن أن ينكر الأب أبنه بعد أن يكبر، وأن يرفض الخطيب الزواج من خطيبته لأنه خطب (واحدة) أخرى تختلف عنها وليست (هي هي) كما يقول المناطقة..
·       سقراط: ينظر إليه مؤرخو الفلسفة باعتباره أول من جسد فضيلة الشجاعة، وذلك لأنه رفض الهرب بعد أن كشف له تلاميذه أنه سوف يواجه تنفيذ حكم الإعدام، بعد إدانته بتهمة (إفساد الشباب).. ويتحدث مؤرخو الفلسفة بإعجاب كبير عن شخصية سقراط وتمجيد شجاعته وإقدامه على رفض الهروب والقيام بنفسه بتناول كأس السم وشربها ومواجهة الموت بهدوء.. ولكن الحقائق تمد لسانها لمؤرخي الفلسفة.. وذلك لأنه لم يتم العثور حتى الآن على كتاب واحد أو صفحة واحدة مما قام سقراط بكتابته.
·       أفلاطون: وهو من أبرز الفلاسفة الكلاسيكيين القدماء، وتأتي عظمته من وضعه لكتاب الجمهورية ونظرية اليوتوبيا، التي كما يقول مؤرخو الفلسفة بأنها رفعت الفلسفة من الأرض إلى السماء (حيث يوجد عالم المثل)، بحيث ظلت الفلسفة موجودة في السماء حتى جاء من بعده أرسطو وأنزلها مرة أخرى  الى الأرض.
ما لا يعرفه الكثيرون عن حياة أفلاطون أنه كان (عبداً) تم شراؤه من أسواق الرقيق في جزيرة اسبرطة، ثم تحريره بعد ذلك ليكون حراً طليقاً يتفلسف في شوارع وحارات اثينا.. ولا يتعرض له مؤرخو الفلسفة عن (علاقة) أفلاطون الجنسية بتلميذه قبيادس (الصبي) اليوناني الذي اعترف بأن أفلاطون قد أقنعه بجدوى وضرورة إقامة هذه العلاقة باعتبارها سوف تساعد على انتقال الفلسفة من (جسد) أفلاطون الأستاذ إلى (جسد) قبيادس الصبي الأثيني.
وتأتي المفارقة الأكثر مرارة من أن أفلاطون هو تلميذ سقراط، الذي أدين بتهمة (إفساد الشباب والصبية) في اثينا.. فهل يا ترى كان أفلاطون أحد هؤلاء التلاميذ الذين عانوا من (الفساد والإفساد) وأصبحوا أكثر قناعة في تكرار التجربة، ونقل الفلسفة من أجسادهم إلى أجساد الآخرين بهذه الطريقة!!!
·       الفسلفة الحديثة والتأسيس للبشاعة الإنسانية:
تحدث ميكافيلي عن أهمية (المؤامرة) وأباح (الكذب) والـ(تحرش) بالآخرين كوسيلة للهيمنة وبناء المجد، وعلى هذا النحو جاء كتابه (الأمير) ليفرغ الفلسفة من أي محتوى أخلاقي إنساني.
والشيء نفسه فعله فيلسوف القوة (هوبز) الذي مجد القوى وحرب الجميع ضد الجميع.. وتجدر الإشارة إلى أن أفكار هؤلاء الفلاسفة مازالت الأكثر تأثيراً على منظومية القيم السياسية التي تسيطر على أذهان الساسة الغربيين، وتشكل المبرر الفلسفي لشن الحروب والاعتداءات التي أزهقت أرواح الملايين.
وعموماً، إن (أفضل ما في الفلسفة يتمثل في أنها فلسفة)، وذلك أنها تسمح للعقل بالتأمل والانطلاق الفكري الحر، ولكن (أسوأ ما في الفلسفة يتمثل في أنها فلسفة)، وذلك لأنها تسمح للعقل بالقيام بتبرير المحظورات وإضفاء الطابع القيمي لكل ما هو ليس أخلاقي. وإلى فترة طويلة سوف تتمثل حيرة الفلسفة واشكاليتها المتمثلة في: كيفية ارتباط الفلسفة بالفلسفة.. وسوف تتصاعد الاشكالية بقدر أكبر طالما أن تعريف الفلسفة نفسه هو أمر غير ممكن، وأفضل إجابة على السؤال القائل: ما هي الفلسفة من حيث هي الفلسفة، يتمثل فيما أشار إليه المفكر العربي التهانوي في كتابه كشاف الفنون، عندما قال بأن التعريف الجامع المانع هو أمر غير ممكن إلا في الرياضيات.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...