المعذبون في الجزائر: لولا الحطب لمتنا جوعاً

28-01-2012

المعذبون في الجزائر: لولا الحطب لمتنا جوعاً

في صحراء مقفرة خالية من الشجر والحجر، استوطنت عائلات المكان وحولته إلى إقامة دائمة وسط ظروف طبيعية قاسية جدا، يلاقون فيها العذاب على مدار العام. إنهم "المعذبون" في برّ خال بين مدينتي تقرت وورقلة في الجزائر. يسترزقون من الحطب الذي يتولى الكبار إحضاره من الغابات، بينما يقوم الصغار ببيعه‭ ‬على‭ ‬قارعة‭ ‬الطريق‭ ‬وتلك‭ ‬مهمتهم‭ ‬بدل‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬المدرسة‭.‬
دقت الثامنة صباحا، إنه موعد الدخول إلى أقسام الدراسة بالنسبة للتلاميذ، لكن هو وقت العمل بالنسبة لأبناء "المعذبين" في ذلك المكان المهجور. لا أحد حضر بسبب الرياح الرملية الهوجاء التي حجبت كل شيء، بما في ذلك ديارهم.
لا تزال العجوز عائشة ذات الظهر المحدودب، تولد النساء على الطريقة التقليدية تحت الخيمة. فنساء "المعذبون" لا يلدن في المستشفيات. أما علاج المرضى فيكون بالأعشاب وعند الضرورة القصوى ينقل المريض على متن عربة يجرها‭ ‬بغل‭ ‬إلى‭ ‬قارعة‭ ‬الطريق‭ ‬ثم‭ ‬ينقل‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬سيارة‭ ‬يستجيب‭ ‬سائقها‭ ‬لطلب‭ ‬من‭ ‬يشير‭ ‬إليه‭ ‬بالتوقف. أما في حالة وفاة أحدهم فيتم نقله إلى مسقط رأسه، في قرية دائرة الطيبات، شرق تقرت.
لا مدخول شهريا لكل سكان المكان، جميعهم يبيعون الحطب للاسترزاق منه، ومن لا يملك بغلا وعربة فإنه يعيش عالة على باقي السكان، كحال أحدهم متزوج وأب لبنتين، يجمع بقايا الخبز اليابس ويسحقه ثم يغليه في الماء ويحتسيه وأحيانا يتصدق عليه الجيران. هؤلاء لا يتذوقون اللحم إلا مرة في العام بمناسبة العيد، منهم من يذبح أحد المواشي ومنهم من يتقاسمها بين عائلتين.
تتمثل وجباتهم الغذائية العادية، في خبز "الملة" أو الكسرة التي تطهى تحت الجمر وأحيانا تكون محشوة بالخضار ووجبة أخرى تتكرر أكثر من مرة في الأسبوع وهي حساء الخضار وكسرة التي يجلبونها من حين إلى آخر من بلدة عمر القريبة منهم لطهوها على موقد تقليدي، فهم لا يعرفون الغاز وغيره من أواني الطبخ الأساسية‭ ‬في‭ ‬المطبخ‭.‬
حي "الوقاد" هو تجمع من عدة بيوت وخيم وأكواخ أنشأه الوقاديون، نسبة إلى لقبهم العائلي. تجمع هذه البيوت جميع أفراد الأسرة معا، لا مراحيض ولا مرشات ولا أي شيء آخر، كل شيء يقع في الخلاء، بما في ذلك قضاء الحاجة.
أما معرفة الوقت، فتكون عن طريق الراديو، الوسيلة الإعلامية الوحيدة التي‭ ‬يمتلكونها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الموقع‭ ‬الذي‭ ‬يحتضن‭ ‬عذابهم‭ ‬اليومي‭ ‬أو‭ ‬الحي‭ ‬الذي‭ ‬سيصبح‭ ‬يوما‭ ‬يحمل‭ ‬اسم‭ ‬"حي‭ ‬المعذبين"‭ ‬في‭ ‬صحراء‭ ‬ورقلة‭.‬


("الشروق" الجزائرية، "السفير")

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...