المسيح القائم الآن وهنا

04-04-2010

المسيح القائم الآن وهنا

الفصح الجديد أزال الفصح القديم وأنهى وظيفته. أما الفصح الجديد فهو قيامة المسيح من بين الأموات بعد صلبه، بناء على ما أثاره اليهود ضدّه من اتهامات دينية وسياسية. اما الفصح القديم فهو الفصح اليهودي، اي خروج النبي موسى على رأس قومه من ارض الفراعنة الى ارض فلسطين. والفصح لغة، يعني العبور. فموسى عبر البحر الأحمر سالماً، اما المسيح فعبر بقيامته من الموت الى الحياة. وما فصح موسى سوى تقدمة لفصح المسيح الظافر.
الفصح الجديد أبطل الفصح القديم، من حيث ان القديم يهيئ الطريق للجديد وليس له قصد في ذاته من دون هذا الجديد. فاذا حضر الجديد تنتفي فاعلية القديم. مع الفصح القديم بدأ العهد القديم، ومع الفصح الجديد بدأ العهد الجديد الذي جعل العهد الاول قديماً. من هنا ادركت المسيحية ان العهد القديم، بما ورد فيه من نبوءات، هو مجرد تمهيد لمجيء المسيح. لذلك، بعد مجيء  المسيح لا ننتظر تحقيق أي نبوءة واردة في العهد القديم، وبخاصة تلك التي لها أبعاد سياسية او عدوانية او استئثارية بالارض ومن عليها. فعبارة "شعب الله المختار"، او عبارة "أرض الميعاد"، كما يفهمهما اليهود والمتصهينون، هما عبارتان عفّ عليهما الزمن، وكل من يقول بهما يجانب الصواب والحق.
النبوءة تبقى نبوءة طالما لم تتحقق، اما لحظة تحققها فتبطل النبوءة ان تبقى نبوءة. النبوءة تنتهي صلاحيتها يوم تصبح أمراً واقعاً. فكل النبوءات التي تتحدث عن المسيح انتهت مهمتها، وبات انتظار تحققها هباء منثوراً. فالمسيح هو أرض الميعاد، وهو الهيكل، وهو المخلّص، وهو تحقيق الانتظارات كلها... هكذا تعامل المسيحيون منذ البدء مع تفسير الكتاب المقدس، ونجد صدى لذلك مع الرسول بولس، الذي شبّه اجتياز موسى البحر الأحمر بالمعمودية، واعتبر أن الصخرة التي شرب منها التائهون في الصحراء لم تكن سوى المسيح نفسه (كورنثوس الأولى 10، 1-4).
لم تتحقق نبوءات العهد القديم في شخص يسوع المسيح وحسب، بل وجدت الخليقة غايتها فيه. فالقيامة هي خلق جديد، "إن كان احد في المسيح، فهو خليقة جديدة. فالقديم قد اضمحل، وكل شيء قد تجدّد" (كورنثوس الثانية 6، 17)، "والعالم القديم قد زال" (رؤيا يوحنا 21، 4). اما الصورة الإلهية التي خلق عليها الانسان وشوهها بالخطيئة والعصيان، فأعاد الخالق صنعها بعد اتخاذ كلمته الطبيعة الانسانية والارتقاء بها الى حضن الألوهة. الخلق الاول لا يكتمل إلا بالخلق الجديد على مثال المسيح القائم من بين الأموات.
لقد أدركت اليهودية، بمؤسساتها وقادتها الدينيين والزمنيين، الخطر الذي يشكله يسوع المسيح ضدها، فاتخذت الحكم المبرم بقتله وشرعت في تنفيذه تواً. والأناجيل تحفل بالأخبار التي تلقي بالمسؤولية الجرمية على عاتق المؤسسة الدينية اليهودية. غير أن الخوف من التهمة بمعاداة السامية يجعل بعض القيادات الدينية المسيحية في العالم الغربي تساوم على دم المسيح مبرئة اليهود من جريمة صلبه. إلاّ ان اليهودية، ومن يمثلها اليوم رسمياً، لم تندم على قتل المسيح، لذلك قد تصح تبرئة المولودين يهوداً، لكن لا تصح البتة تبرئة المؤسسة الدينية اليهودية مما جنته أيدي القائمين عليها زمن المسيح.
ليس من نبوءات عن المسيح ومجيئه بعد صلبه وقيامته. فالمسيح حاضر وليس غائباً او مغيباً كي ينتظره احباؤه، فالرب الذي يغيب، بالنسبة اليهم، ليس رباً، والإله غير الحاضر ليس إلهاً. المسيح لم يصعد الى السماء كي ينظر الى الناس من عل، هو ساكن في كنيسته وفي أتباعه، وهو حاضر في كل من هو جميل الروح في الدنيا. المسيح حاضر "الآن وهنا"، أي في كل آن وفي كل مكان، لذلك كل من يتلهى بالبحث عن علامات آخر الزمان ومتى سيأتي المسيح سوف يخيب بلا أدنى شك. المسيح حاضر لمن شاء حضوره وغائب لمن شاء غيابه.

 

الأب جورج مسّوح

المصدر: النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...