التسويات في ريف دمشق بين تهديدات «الأجانب» والمزاج الشعبي

24-02-2014

التسويات في ريف دمشق بين تهديدات «الأجانب» والمزاج الشعبي

برّدت التسويات الحاصلة في ريف دمشق الأشهر الأخيرة العديد من المناطق الساخنة، وأدخلت ساحات اشتباك في طور استعادة دورة حياتها المفقودة من أشهر طويلة، وتمثل العامل الأساسي في هذه التسويات بتوصل الطرفين إلى القناعة المتأخرة بأن الصدام المستمر هو نزيف مميت لكليهما، ولا سيما في ظل قدرة الدولة على تجديد قوتها القتالية باستمرار، وحاجتها في ذات الوقت إلى ادخار هذه القوة لمناطق أكثر أهمية في معركتها.
أما بالنسبة للمسلحين وبيئتهم الحاضنة، فتركز العمل على السوريين منهم، وبالتحديد أبناء المناطق التي تشهد تسويات، وذلك بعد «شعور تام بالعجز في المعركة، واليأس من إمكانية تغيير ميزان القوى».
وفي الأيام الأخيرة برزت الملاحظة الأخيرة في حسابات عديدين، ولا سيما الطرف الحكومي، الذي يفضل دوما إخراج مناطق الصراع من جحيم المواجهة عبر تسويات محلية. ويقول أحد المطلعين على مجمل اتفاقات التسوية المحلية، إنه «لا يمكن للطرفين هنا أن يراهنا بشكل مطلق على المستقبل»، وذلك في ظل الحديث عن «معركة مقبلة» و«تصعيد محتمل»، والترويج إعلاميا إلى أن هدفه دمشق، انطلاقا من ريفها، عبر بوابة حوران.مسلح في جوبر في ريف دمشق امس الاول (رويترز)
ويبدو الوقت هنا جزءاً من المعركة اليومية لتثبيت تسويات مشوبة بالحذر، ومبنية على حسابات مؤلمة للطرفين. ووفقا للمصدر السابق، فإن احد المسلحين اخبر ضباط التسوية في المعضمية أن العامين الأخيرين «كانا مرهقين، وأن عجزا تاما أصاب المسلحين على تلك الجبهة»، متحدثا عن رغبته في العودة إلى مهنته الأصلية وهي «بيع الألبان والأجبان في الحي». لكن ليس ما سبق القاعدة، وإن كانت السلطة ترفض اعتباره استثناء، نظرا إلى حالة التأييد التي نالتها عمليات التسوية، من دون إهمال أن ثمة من عارضها أيضا.
ووفقا لما قاله أمس، أحد مسؤولي ملف التسوية في سوريا، فإن الرهان الكبير هو على أمرين رئيسيين في التصدي لاحتمال التصعيد المقبل، وهو «احتمال حقيقي» كما يقول. الأول هو «قدرة الجيش الميدانية»، والثاني «هو المزاج الشعبي العام، والمتمثل بعودة المدنيين إلى بيوتهم واحتوائهم سريعا، عبر تدوير العجلة الاقتصادية هناك، وإعادة عمل البنية التحتية»، وهو ما يعتبره عنصرا رئيسيا في «تحصين البيئة المحلية ضد إمكانية اختراق جديد».
ويقر المسؤول أن هذه التسويات تحتاج إلى وقت، وأن «مجرد شعور الناس بعودة الحياة الطبيعية ستؤثر في مزاجهم باتجاه دعم الدولة بدلا من محاربتها». ويأمل مستقبلا، كما حصل في إحدى مناطق حمص وريفها، في أن يتحول «عدو الأمس أو عدو الدم إلى حليف الدم مستقبلا» في المعركة ضد المسلحين الأجانب.
ويعتبر المصدر أن أحد عوامل الضعف الرئيسية في هذه الاتفاقات هو العامل النفسي، والذي يرتبط أحيانا «بفقدان أفراد من العائلة أو حتى كل أفراد العائلة»، مشيرا إلى حالة القتل المتعمد لعسكري وابنه في قدسيا التي تعيش هدنة منذ عدة أشهر. وطالبت قيادة الجيش المسلحين بتسليم المتهم مهددة بتعريض الهدنة للاختراق.
أما على صعيد «المنتظر أو المتوقع من مناطق التسوية» فاعتبر أن المشكلة الأكبر هي في وجود الأجنبي والمتطرفين، وهو «الطرف الذي يعيق التسويات»، مشيرا إلى مناطق كحرستا ودوما وجوبر، المفتوحة على بعضها البعض من جهة وعلى الغوطة الشرقية من جهة أخرى.
واعتبر المصدر، في طور تقييمه «للتهويل بهجوم جديد من جبهة الجنوب»، بأن العنصر الذي يمكن أن يحصل الاختراق من خلاله، يتمثل بشكل رئيسي في المناطق شرق دمشق، ولاسيما انها «تقع تحت سيطرة قوى تخضع بالكامل لنفوذ دول إقليمية، وتنفذ خططها».

المسلحون: لا مصالحة

 ولعلها من المرات القليلة التي تتفق فيها معظم الفصائل المسلحة على مسألة ما، وهي رفض التسويات واعتبار القائمين عليها «خونة لدماء رفاق المعارك والجبهات»، وهذا ما يتضح من خلال المواقف التي اطلقها قادة المجموعات المسلحة ضد أي عملية هدنة، بداية من المعضمية وصولاً إلى برزة وببيلا وحتى جنوب دمشق، وكذلك في حمص القديمة.
وفي هذا السياق، يقول مصدر معارض في ريف دمشق إن «موضوع الهدنة سيتوقف في المناطق التي أنجز بها، هذا إن لم تسقط هذه الاتفاقات قريباً في حال اندلاع أي معركة في الجوار».
وطالبت «الجبهة الإسلامية»، في بيان، «بإبلاغ أجهزتها الأمنية عن كل من يقوم بالتواصل للتسوية للتخلص منه»، وهو ما يعني نسف أي إمكانية للتهدئة في حرستا والمليحة في الغوطة الشرقية، على اعتبار أن الجبهة هي صاحبة النفوذ الأكبر في معظم مساحات الغوطة.
وفي المقابل، يشير مصدر من داريا الى ان الوضع هناك لا يوحي بأي اتفاق وشيك رغم الاتصالات بين طرفي الصراع، حيث ان «المجلس المحلي» في البلدة اصر على شروطه، مثل عدم تسليم الأسلحة الثقيلة وإدخال مئة طن من المساعدات الغذائية والإفراج عن المعتقلين وإيقاف كافة العمليات العسكرية، وهي شروط لا يبدو ان النظام قد قبل بها بدليل استمرار القصف اليومي على المنطقة.
أما في جنوب دمشق، فالوضع لا يزال على حاله مع سريان التهدئة في مخيم اليرموك وببيلا وقبلها في بيت سحم، ولعل هذه المناطق باتت بحكم المستثناة من حملات التخوين اليومية بحكم الوضع الإنساني القاسي.
أما في حمص القديمة، فان الناشطين في المنطقة يؤكدون ان المقاتلين رفضوا أي عرض للتسوية، وتظاهر المئات منهم قبل أيام رافعين شعارات تهاجم باقي المدن والبلدات التي اتجهت نحو التهدئة من دون وجود أي بديل جدي لإنهاء الحصار.

زياد حيدر- طارق العبد 

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...