أزمة الغذاء تربك العالم

26-05-2008

أزمة الغذاء تربك العالم

أرخى ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية بثقله على الاقتصاد العالمي. الهيئات الدولية تنادت لضخ مزيدٍ من المساعدات إلى البلدان المحتاجة. والخطط الزراعية الاستراتيجية، تبحث عن وسيلةٍ لزيادة الإنتاج وكسرِ حدّة الأسعار التي زادت، في تجارة التجزئة، بين ضعفين وثلاثة، في فترة لا تتعدّى عشرة شهور، مصحوبة بازديادٍ صارخٍ في سعر النفط الخام ومشتقات الوقود الأحفوري، إلى جانب صعود أسعار المواد الأولية الأساسية، لا سيّما المتعلّق منها بالسكن والبنية التحتية. ويواجه العالم اليوم وفاة 25 ألف شخص يومياً لأسبابٍ مرتبطة بالجوع، على ما أوردت «مجلّة نيوزويك». لكن هذا الرقم قابلٌ للازدياد، ليس فقط بسبب ارتفاع أسعار مواد الغذاء، بل أيضاً لتوقع حصول انكماش اقتصادي عالمي يصيبُ البلدان الفقيرة وفقراء العالم.

ويترجم النمو الاقتصادي، بحركة التغيير في الناتج المحلّي، لأي بلدٍ، ازدياداً أو نقصاناً. وكلّما ارتفع، تحقّق للفردِ نصيبٌ أكبر منه، وهو حتماً نصيبٌ نظري، لأن توزيع إجمالي ناتج بلدٍ ما، على عدد سكانه يحقق مساواة نظرية، بينما هو فعلياً، يحدث فجوةً بين الأثرياء والفقراء في البلد ذاته. وتتقدّم مقولة الأغنياء يزدادون ثراءً والفقراء فقراً، لتصبح مسلّمةً قياسية كلّما تركّزت الثروات أكثر في يد نسبةٍ قليلة من السكان، كما هو حاصلٌ اليوم. وكلّما تطوّرت البلدان وازدادت تقدماً، اضطرب ميزان العدالة الاجتماعية، وباتت الفروقات بين شرائح الناس أشد اتساعاً.

ونتيجةً لهذه التغيّرات، لم يعد تحديد معدلات النمو، يُشيرُ إلى حقيقة الرفاهية في المطلق، بل هو ميزانٌ نظري يُخفي واقعاً مختلفاً. فتحقيق النمو يرتبط بنمو السكان أيضاً، لا بالنشاط الاقتصادي فقط الذي تحققه سائر القطاعات في دورةٍ زمنية محدّدة. وإذا تحرّكت التغيرات الديموغرافية وحققت ازدياداً أعلى من معدلات النمو الاقتصادي، تراجعت حصّة الفردِ من الناتج المحلي، وإذا انخفض معدّل النمو السكاني، تحسّنت حصّة الفردِ منه، وازداد مرونةً في تحقيق قدرة شرائية أقوى تُنتج دورةً اقتصادية طبيعية وتنعش النمو. وتشيرُ إحصاءات إلى أن «الناتج المحلّي الإجمالي العالمي، ازداد في السنوات الخمس الأخيرة بمعدّل وسطي 4.5 في المئة سنوياً، وهو المعدّل الأعلى منذ ثلاثة عقود، لكّنه أدنى من معدّل النمو المسجّل في العصر الذهبي في ستينات القرن الماضي، البالغ 5 في المئة. لكن معدّل نمو السكان هو أدنى مما في الستينات، ما يعني أن نمو الناتج المحلّي للفرد الواحد ازداد بوتيرةٍ أسرع (الإيكونوميست).

لذا، فإن البلدان الأكثر تسارعاً سكانياً، معرّضة لاهتزازات اقتصادية، أو تتخوّف أكثر من ارتفاع التضخم وتقلّص معدلات النمو، لأن نصيب الفرد من الناتج المتراجع، داخلها، سيتراجع ويؤدي تالياً إلى تقهقر القدرة الشرائية، خصوصاً في مواجهة تضخم كبير يتعاظم هذه السنة، لا سيّما لدى البلدان الناشئة. وعندما تتجاوز معدلات التضخم معدلات النمو، يقع الخلل الاستهلاكي، ويتغيّر السلوك البشري في الاستهلاك، ويتم تصويبُ الإنفاق على سلة الاستهلاك، فيحرم المستهلك من فائضٍ يخصّصه لشؤون الترفيه، أو الكماليات، أو لسلعٍ يُحرم شراؤها، سواء كانت منتجاتٍ غذائية أساسية ضرورية أو لا.

ونتيجةً لهذه العوامل، تفاوتت الخريطة العالمية للإنفاق الأسري. ففي أميركا الشمالية تخصّص الأسر أقل من 15 في المئة من موازنتها للأطعمة، في مقابل 50 في المئة في البلدان الأكثر فقراً في العالم. لكن كلُّ شيءٍ بات متغيّراً، فازدياد أسعار القمح رفع ثمن الخبز 30 في المئة، وفي منطقة اليورو (الـ15 السابقة)، بلغ معدّل تضخم أسعار الأغذية 6.5 في المئة وهو أعلى معدّل منذ 1997 بداية تكوين المؤشرات الاقتصادية، في حين سجّل معدّل التضخم في منطقة اليورو بكاملها، 3.3 في المئة في نيسان (أبريل) الماضي، أعلى من 2 في المئة وهي السقف الذي حدّده البنك المركزي الأوروبي.

إلى ذلك، يعتبر برنامج الغذاء العالمي، أن 100 مليون شخصٍ انضموا إلى قافلة الجياع في العالم الذين كانوا 850 مليوناً، وأن المساهمات المالية العالمية، تكفي لشراء كمية أغذية أقل 40 في المئة مما كانت تشتريه قبل عشرة شهور. وقدّر محلّلون، أن ارتفاع الأغذية يسلب 1.5 دولار من عائلاتٍ تعيش على 5 دولارات في اليوم في بنغلادش. وفي الولايات المتحدة سيحتاج هذه السنة 1.5 مليون شخص إضافي إلى بطاقة معونة غذائية، ليرتفع العدد إلى 28 مليوناً.

يعزو اقتصاديون زحف خطر التضخم، إلى ارتفاع سعر الغذاء، بدايةً من الولايات المتحدة، قبل عامين، عندما باشرت بدعم إنتاج الذرة المخصص لتصنيع الإيثانول، الوقود الحيوي، وأدى ارتفاع قيمة إنتاج الذرة إلى التوسع في زرعها وإهمال زراعات أساسية مثل القمح والصويا. فتقلّص العرض في مواجهة الطلب، وشكّلت الحبوب الأساسية للغذاء محطّة الدفع الأولى نحو صعود الأسعار. وساهم جنون أسعار النفط أيضاً في رفع معدلات التضخم. فالزراعة تعتمد على الوقود الأحفوري في شكل كبير، سواء في عملية الزرع والحصاد والخزن وغيرها، أو لناحية التسميد ومكافحة الأضرار. وفي التقديرات يحتاجُ إنتاج سعرة حرارية واحدة من الغذاء، إلى 10 سعرات حرارية من الوقود الأحفوري، ويحتاج إنتاج كيلوغرام واحدٍ من لحوم الماشية، إلى 10 كيلوغرامات من الحبوب.

لا شك في أن المؤسسات الدولية، والدول المتقدمة، تسعى إلى البحث عن آفاق للخروج من أزمة الغذاء. ففي التاريخ أزماتٌ شبيهة سبقت كانت مرتبطة بالنمو السكاني وازدياد الطلب. أدت إلى ازدياد الاستثمار في الزراعة، لأن عائدها صار مجدياً. وزيادة الاستثمار المجدي تعيد إلى الدورة الاقتصادية بعض التوازن إذ توفّر قدرة شرائية تسعى إلى استهلاك الأفضل. ففي الأزمة الراهنة يتوجّه الناس إلى شراء منتجات بديلة ورخيصة. إنها سلوكية الاستهلاك في المجتمعات، وتوفّر التقارير الاقتصادية، تراجعاً في مبيعات المنتجات المميّزة، بينما حقّقت شركات تجزئة لسلعٍ رخيصة نمواً في مبيعاتها في الربع الأول من السنة.

فهل يمكن ضبط أسعار النفط الخام، ولجم جماح أسعار الغذاء؟

ميشال مرقص

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...