أدونيس: شاعرٌ عاشِقٌ في مدينةٍ تتهدّم

03-07-2008

أدونيس: شاعرٌ عاشِقٌ في مدينةٍ تتهدّم

- 1 -

ألَن تُصدِّق أخيراً، أيها الشاعر،

أن القمر نفسه ليس إلا كرةً

تتدحرج حول قَدمَيْ أرضٍ اسمها الحب؟

- 2 -

يكفي أن تزهوَ قائلاً:

إنهم وضعوا على رأسكَ

إكليلاً من الغار.

يكفي أن تتناسى أنهم قطفوا أغصانه

من شجرة هي نفسها ذَبُلَت وماتت.

- 3 -

المدينة؟ إنها الجحيم كما تقول حقاً، أيها الشاعر.

لكن، كيف لا تسألُها:

لماذا، أيتها المدينة، لا تتمددين

إلا في أحضان السماء؟

- 4 -

أسألكَ همساً، أيها الشاعر:

«أهنالك شخصٌ قادرٌ على الحب

إذا لم يكن قادراً على الكراهية؟»

لا تُجبنيَ الآن. خُذ وقتك.

- 5 -

أكتب لصديقك الشتاء، أيها الشاعر،

اكتبْ ولو أربع كلمات:

«أمطِر، إن كنتَ تُحبني».

- 6 -

أسألك جهراً، أيها الشاعر:

«كيف تُسمّي أولئك الذين يضعون

مَهْدَ الفرح في القيد، تحت الرقابة،

ويزرعون في كل اتجاه

شوكَ الآلام؟».

- 7 –

يقولون لك أيها الشاعر: الحبُّ هو كذلك ينتهي.

وصحيحٌ هذا القول.

لكن، صحيحٌ كذلك أن الإنسان

لا يتذوَّق في الحب،

خلافاً للأشياء التي تنتهي،

إلا طعمَ اللانهاية.

- 8 –

الموت نفسه، أيها الشاعر،

لا مكان له يأوي إليه، لكي يزهوَ بأعماله،

إلا ذلك البيت المُنفرد، الوديعُ،

الجامحُ الذي يُسمّى الحب.

- 9 –

المكان نفسه، أيها الشاعر،

لا مكان له إلا بوصفه عُروةً

في قميص الحب.

- 10 –

أعترفُ لكَ، أيها الشاعر:

«صحيحٌ، كما يقول بعضهم،

أنّ الظلمة في بيروت تنضجني.

لكن هاجسي الدائم هو:

هل يقطفني النور؟».

- 11 –

أسألك من جديد همساً:

«هل الدين هو، وحده، الذي يُجلِسُ الحب

على ركبتيه، كل يوم،

لكن يتفنَّن في شتمه ولطمه؟».

- 12 –

أسألكَ من جديدٍ جهراً:

«أولئك الذين يُسيّرون السياسة

على إيقاع واحد

يخرجُ من طبلٍ اسمه الجمهور،

هل يعرفون الحب، حقاً،

وكيف يعرفُ أن يَسوسَ

من لا يعرف أن يُحب؟».

- 13 –

أيها الشاعر،

ماذا تقول لذلك العاشق الخائب، صديقك،

الذي يُوشِكُ على الاقتناع

بأنه لم يعد يُطيق السير على قدميه؟

وها هو يُطلِقُ سهامه بلا توقف،

حيث يُخطئ الهدف، دائماً.

- 14 –

هل يمكن أن يعيش الإنسان في خُسرانٍ متواصل؟

يسأل الشاعر.

ويُجيب أصدقاؤه:

البحر الذي يُباع في بيروت، يقول: نعم.

إذاً، ضمّخوا تلك المبادئ والمُثل التي تحملونها

في رؤوسكم، أيها «الصاعدون»، -

ضمِّخوها برائحة الطحالب.

- 15 –

اكتشف الشاعر في بيروت، قرب المنارة، في مقهى حسان،

مكاناً للعين التي تريد أن تبتكر موجاً آخر

يُمكن أن يُسمى الدمع.

- 16 –

أعطى الشاعر لبيروت الماضي والتاريخ،

وجميع الدروب التي تؤدي إليهما.

غير أنها رفضت وترفض أن تسير

إلا مُمسكةً بيده،

مُطوّقةً بحبّه.

هكذا، لا شيء يتكلم إلا ذلك

الصامت الأكبر: الموت،

ولا شيء يُصغي إلا التراب.

- 17 –

سُئِل الشاعر:

من أي جذرٍ اشتُقّت كلمة آمين؟

بعدُ، لم ينته الشاعر من كتابة الجواب.

- 18 –

يلبَسْن جالسات في المقهى، ماذا يلبَسْنَ؟

بين جدائلهنَّ زهرٌ أحمر،

وعلى صدورهن يسيل تِرياق الليل.

قولوا للشمس أن تُسرِع في الغروب.

- 19 –

ربما لا يصح القول، في بيروت خصوصاً،

إن لكلٍّ جسده،

إلا بدءاً من القول

إن لكل جسد جراحه.

- 20 –

«لم يعد لبيروت صبرٌ

على احتضان سماء ينخرها

مرضُ العقل والقلب»،

يقول الشاعر.

يقول أيضاً: «سأقَلِّمُ غابات اليأس بمقصَّات حادة كنت قد حظيتُ بها في صناديق فَتَحَتْها لعينيّ شمسُ الهاوية».

«وماذا لو أغلق الفضاءُ حدودَهُ مع الريح؟»-

يتساءل أصدقاؤه.

 

 

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...