«عقدة الخواجة» على محطة «الجزيرة»

05-03-2010

«عقدة الخواجة» على محطة «الجزيرة»

صور وأفكار كثيرة احتشدت في البرنامج الخاص «عقدة الخواجة» الذي بثته قناة «الجزيرة» مساء أمس الأول الأربعاء، وبحث في المصطلح الشهير الدال على الرغبة بالتشبه بالغرب أو جعله أسطورة. اختار معدو البرنامج كلاً من مصر وعدد من دول الخليج ليبحثوا في سر «عقدة الخواجة» كمحاولة لتشخيص الحالة والنبش في أسبابها، وصولاً إلى اقتراح حلول الخلاص.
أبدت كاتبة السيناريو ومخرجة البرنامج الزميلة هويدا طه فهماً لطبيعة المادة التي بين يديها، فالمسألة هنا فكرية ـ نفسية ولذلك اختارت أن تناقشها مع عدد من الاختصاصين والمثقفين بينهم كتاب وشعراء ومؤرخون وطبيب نفسي وطبيب جرّاح، فضلاً عن آراء المواطنين. كما اتكأت على أرشيف محاضرات للعالم المصري الدكتور أحمد زويل باعتباره النموذج العربي الذي كسر طوق «عقدة الخواجة»، ونظّر في كيفية تجاوزها، وهي مسألة إشكالية واسعة.
اختارت مخرجة العمل وكاتبته استعراض فلاشات سريعة من دون التوقف ملياً عند تحليلها، كما لو أنها تريد أن تقذف كل ما تعتقد أنه «عقدة خواجة» عربية في وجه المشاهد دفعة واحدة ولسان حالها أن الموضوع أكبر من أن يناقش في ساعة تلفزيونية. هنا، يبدو مهماً أن نتوقف ملياً عند ما طرحه على سبيل المثال الكاتب جلال أمين حين اتهم المثقفين، بمن فيهم هو، بأنهم الأكثر تأثراً بعقدة الخواجة وأن المواطنين العاديين متصالحون مع أنفسهم من هذه الناحية. تستحق فكرة أخرى التوقف عندها كي يتم البحث والنقاش فيها، فالبرنامج نفسه أحدث انقساماً مثيراً للجدل حين تناول الخليجيين باعتبارهم أسرى «عقدة الخواجة» بدافع الطفرة المالية التي حدثت في بلادهم واندفاعهم إلى تعويض حالة «البدائية» التي كانوا يعيشونها حتى وقت قريب. بينما كان حديث أن لعقدة الخواجة عند المصريين منشأ فكريا أكثر من كونه مادياً، هذه الفكرة كانت تحتاج أيضاً لنقاش لم يستمر طويلاً. ثمة فكرة ثالثة أكثر خطورة أثارها البرنامج من دون أن تأخذ حيزاً واسعاً من البحث والنقد أيضاً، مفادها أن البعض يرد على «عقدة الخواجة» بالقول إن الإسلام هو الملاذ والحل، كما تحدث البعض عن الديموقراطية وحرية التفكير كسبيل للخلاص من تلك العقدة.
رافق حالة نثر الأفكار السابقة في البرنامج فيض كبير من الصور. فقد جالت الكاميرا وصالت في المجمعات والشوارع والأسواق والجامعات والمقاهي والمطاعم.. التقطت مظاهر شكلية تتعلق بالناس العاديين وتصرفاتهم، ولا سيما مستعملي الهواتف النقالة والانترنت وغيرها. وبذلك، عبّرت الكاميرا عن «عقدة الخواجة» بمظهر عمراني وتقني وشكلي، ولكنها بدت هائمة بين العقدة واللاعقدة. بحثت الكاميرا عن كل ما له علاقة بالعصرنة المعمارية والتقنية وقدمته على أساس أنه جزء من تلك العقدة، وتوقفت في المقاهي والأحياء الشعبية وأماكن العبادة على أساس أن تلك المساحة هي الأبعد عنها، وفي الحالتين كان ثمة ما يحتمل الخطأ الكبير.
إضافة إلى هذا، قدم فيديو كليب أغنيتي جاد شويري وتامر حسني (نظراً لاتكائهما على أجانب) في مواجهة أغان لشباب في منتدى «ساقية الصاوي» الثقافي التي تهكمت على أَسرى «عقدة الخواجة».
يسجل للبرنامج حفاظه على حيويته، وتوظيفه المتقن للرسوم المتحركة في التعبير عن بعض الأفكار، بل استخدام أغاني «ساقية الصاوي» كجزء متمم لطرح البرنامج. في المقابل، افتقد البرنامج كثيرا من نقاط البحث المهمة كعلاقة عقدة الخواجة بموجات الاحتلال والهجرات التاريخية واختلاف تعاطي الشرائح العمرية معها، كما يجب السؤال لماذا غاب بلد مثل لبنان عن نقاش «عقدة الخواجة»، وأين البرنامج من حالة تقهقر اللغة العربية في أكثر من بلد عربي؟

ماهر منصور

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...